لم تنف "جبهة النصرة" صحة التسجيل الصوتي المنسوب لقائدها أبو محمد الجولاني الذي أعلن فيه عن سعيه لإقامة إمارة إسلامية على الأراضي التي ينتشر مقاتلوه عليها، غير أن بياناً صادراً عن المنارة البيضاء المؤسسة الإعلامية الرسمية لـ "النصرة" أكد ضمنياً صحة هذا التسجيل، وأعلن صراحة "إننا نسعى لإقامة إمارة إسلامية (..) ولم نعلن عن إقامتها بعد".
ووفقاً لما نقله مركز حلب الإعلامي فإن اجتماعاً على مستوى عال من قيادات ومقاتلين من جبهة النصرة، كان مقرراً فيه مناقشة إعادة هيكلة الجبهة وتنظيم صفوفها، ليتفاجأ الجميع بظهور الجولاني بين جنوده كاشفاً اللثام عن هويته، و "مبشراً جنوده بميلاد إمارة إسلامية".
البيان الذي صدر مساء السبت، أنهى الشكوك والتكهنات حول صحة التسجيل، فقد كان واضحاً التقارب بين صياغة البيان وكلمة الجولاني، إذ اقتبس البيان من كلمته "لن نسمح لأحد كائناً من كان أن يقطف ثمار جهادكم مهما بلغ بنا الحال".
حيث أرادت جبهة النصرة إعادة سحب البساط من تحت عدوها "داعش" الذي تكبدت أمامه خسائر فادحة في المعارك الأخيرة بدير الزور، فهي تريد إعادة استقطاب "المهاجرين" (وهم مقاتلون أجانب جاءوا إلى سوريا بدعوا الجهاد) وجرّهم للانضواء تحتها، فقد أثار للإعلان المدوي لـ "داعش" في 30 حزيران/ يونيو بقيام "الخلافة الإسلامية" بزعامة أبو بكر البغدادي أثار مشاعر المهاجرين ودفعهم للالتحاق بصفوف دولة البغدادي، وهذا ما تحسب النصرة له كثيراً.
وبحسب أحد المقرّبين من الجماعات الجهادية، طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن "إعلان الخلافة يختلف إلى حد كبير عن إعلان الإمارة"، وأضاف في حديثه لـ "المونيتور" أن " الإمارة تكون ضمن مناطق تواجد جنود الإمارة، أما الخلافة فتكون عامة".
في حين أن النقطة الأهم من ذلك كله هو أن " الإمارة لا توجب الفصائل الأخرى الموجودة على أرضها مبايعة الأمير، أما الخلافة فهي توجب جميع المسلحين الانضواء تحت إمرة الخليفة".
إذ لا تريد "النصرة" الصدام مع فصائل المعارضة التي تشاركها في السيطرة على المناطق "المحررة" في سوريا، لا سيما وأنها فصيل وحيد لا يبدو الأقوى أمام العشرات من الفصائل الأخرى كـ"الجبهة الإسلامية" و"جيش المجاهدين" و"وأجناد الشام" والعديد من الفصائل التابعة للجيش السوري الحر كـ "حركة حزم" و"جبهة ثوار سوريا" وغيرها، التي تنتشر معها في حلب وإدلب شمالاً ودرعا وريف دمشق جنوباً.
إلا أنه كان لافتاً تحديد البيان الصادر عن المنارة البيضاء مدة عشر أيام لإقامة "دور للقضاء ومراكز حفظ الأمن وتقديم الخدمات العامة" لتكون بديلة عن "الهيئات الشرعية" التي تتشارك فيها النصرة مع غيرها من الفصائل تسيير أمور المناطق المحررة، وأكد ذلك إعلان جبهة النصرة انسحابها من الهيئة الشرعية في حلب في الثامن من تموز / يوليو.
كما أن النصرة تمتلك مؤسسة خدمية مستقلة تابعة لها وهي الإدارة العامة للخدمات تنشط منذ أيلول/سبتمبر العام الماضي في المناطق "المحررة" بحلب، وتقدم الخدمات للسكان كالمياه والكهرباء كما تقوم بتأمين الطحين للأفران، وإصلاح الأعطال اليومية التي تلحق بشبكتي الكهرباء والمياه جراء القصف المتواصل بـ "البراميل المتفجرة" الذي تشهده مدينة حلب منذ ما يزيد عن سبعة شهور.
صحيح أن النصرة غير مرغوب بها من قبل العديد من تيارات المعارضة، لكنها بالمقابل تحظى على قاعدة شعبية جيدة إلى حد ما تساعدها في قيام إمارتها، فالسكان هنا في حلب يثقون بالنصرة كون مقاتليها معروفين بشراستهم وثباتهم في المعارك مع النظام، كما أن محاسبتها لعدد من ما يعرف محلياً بكتائب "التشويل" وهي ميليشيات تقوم بعمليات سطو وفرض إتاوات مستغلة حالة الحرب والفوضى دفع الكثيرين للالتفاف حولها.
يقول عثمان وهو أحد سكان حي الميسر في حلب "النصرة قدمت الكثير من التضحيات في حربها مع النظام ودولة البغدادي، وأرى أن من حقها إعلان الإمارة الإسلامية، بعد أن قدمت مئات الشهداء ".
أما صفوان فله وجهة نظر مختلفة، فيقول في حديثه لـ "المونيتور": " ليس من حق المقاتلين تحديد شكل الدولة، أعتقد أن الوقت غير مناسب مطلقاً لإعلان قيام دول وإمارات".
صفوان الذي لم ينهي دراسته الجامعية بعد ويعمل حالياً في المجال الإغاثي أضاف " يجب أن تنصب جميع الجهود في سبيل إسقاط هذا النظام المجرم، وحين ذلك سيتحدد شكل الدولة الجديدة عبر صناديق الاقتراع، أما التحزب وتشتيت القوى سيكون لصالح الأسد فقط ".
وبالرغم من رداءة صوت التسجيل المسرّب فهو يحمل الكثير من النقاط الهامة، فقد حدد الجولاني أعداءه قائلاً "هذه الإمارة أيها الإخوة سيكون لها حدود مع كل من يريد أن يتربص بالمسلمين شراً، وهذه الحدود تمتد منها مع النظام ومنها مع الغلاة (في إشارة إلى تنظيم داعش) ومنها مع المجرمين ومنها مع البي كي كي".
إلى ذلك، تسعى النصرة لإعادة استقطاب الجهاديين في العالم من خلال إعلان إمارتها الإسلامية، بعد أن سرقت "داعش" الأضواء بإعلانها الخلافة الإسلامية قبل أسابيع.
أما احتمالات الصدام مع فصائل المعارضة تبدو ضئيلة، خصوصاً أن النصرة تتمتع بعلاقة جيدة مع معظم فصائل المعارضة، وأن هذا الصدام يعني خسارة المزيد من المناطق "المحررة" على حساب تقدم "الدولة الإسلامية" و"دولة الأسد" وهو ما لا تحبذ فصائل المعارضة كما النصرة حدوثه.
وفي هذا الشأن حاولت "المونيتور" إجراء لقاءات مع قادة فصائل المعارضة، إلا أن معظمهم رفض الإدلاء بتصريحات بهذا الخصوص.
ومع ذلك، ألمح أحد قادة الكتائب طالباً عدم الكشف عن اسمه إلى أن الصدام مع النصرة مستبعد. وبحسب رأيه فإن النصرة هي جزء من نسيج المجتمع السوري، فمعظم قاداتها وعناصرها سوريون، وقال" كنا قد اتفقنا معاً على أن لا نوجه بنادقنا إلا على نظام الأسد والفاسدين فقط"
وأضاف إعلان الإمارة الإسلامية وإن حدث فهو لا يعني قيام دولة خاصة بالنصرة، فلا توجد منطقة في سوريا تنفرد النصرة بالسيطرة عليها، وعليه لا أعتقد أن علاقتنا ستتأثر بهذا الإعلان.