مدينة غزّة، قطاع غزّة - تنظر حركة حماس بشغف إلى الانضمام إلى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينيّة التي تسيطر عليها منافستها السياسيّة حركة فتح وفقاً لاتفاق المصالحة الذي تمّ في مدينة غزّة نهاية نيسان/أبريل الماضي، والمشاركة في التمثيل الفعلي للفلسطينيّين أمام المجتمع الإقليمي والدولي باعتبار المنظمة الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
وسلّمت حماس قطاع غزّة لحكومة الوحدة الفلسطينيّة التي شكّلها الرئيس محمود عباس مع انحسار آفاقها السياسيّة والماليّة وقدرتها على ممارسة الحكم في قطاع غزّة، بعد سبع سنوات من السيطرة شبه الكاملة عليه. إلا أن تسليمها للحكم حالياً مشروط بمشاركتها في منظمة التحرير الفلسطينيّة المظلة الأكبر للفلسطينيّين في الداخل والخارج.
وأوضح نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق في خلال يوم دراسي بعنوان "نصف قرن على تأسيس منظمة التحرير" نظّمه مركز التأريخ والتوثيق الفلسطيني في غزّة في الرابع من حزيران/يونيو الجاري، أن دخول حركته المنظمة يهدف إلى معالجة القضايا السياسيّة التي لا تحظى بإجماع فلسطيني، لافتاً إلى أن حماس اعترفت بالمنظمة كممثل شرعي للشعب في العام 2005 في محادثات القاهرة.
وما زالت حماس تنتظر انعقاد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينيّة والذي تم تشكيله وفقاً لاتفاق القاهرة ولم يعقد منذ تشكيله سوى ثلاثة اجتماعات فقط. وتقول حماس إنه ووفقاً لإعلان غزّة للمصالحة، كان من المفترض أن يدعو الرئيس عباس إلى الاجتماع الرابع بعد أربعة أسابيع من توقيع الاتفاق، وهو ما لم يحدث بعد.
وأشار أبو مرزوق إلى الخطأ الذي ارتكبته حركته بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينيّة كممثل للشعب الفلسطيني. وقال في حديثه في خلال ذلك اليوم الدراسي "اعترافنا بالمنظمة قبل الدخول إليها كان خطأً تاريخياً. أما الخطأ الثاني فهو أن الرئيس محمود عباس هو الوحيد الذي يدعو إلى عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت للمنظمة والذي لم يدع إليه سوى ثلاث مرات فقط".
أضاف "نريد أن يكون الإطار القيادي لمنظمة التحرير موحداً للشعب الفلسطيني وصاحب الكلمة الأساسيّة للخيارات السياسيّة المستقبليّة، بعدما شاخت المنظمة ولم يعد لها أي تأثير على الساحة الفلسطينيّة".
وستحاول حماس في خلال الفترة المقبلة والمتفق عليها مع حركة فتح التي تسبق عقد الانتخابات البرلمانيّة والرئاسيّة بالإضافة إلى المجلس الوطني التابع لمنظمة التحرير، ترميم شعبيتها التي فقدت الكثير منها لا سيّما في قطاع غزّة في خلال سنوات حكمها نتيجة الحصار الذي فرض عليها.
وقال مصدر قيادي في حركة حماس رفض الكشف عن هويّته، "نحن الآن في مرحلة فارقة من عمر الحركة من أجل البحث عن الأدوات اللازمة لاستعادة ما تم فقدانه من شعبيّة في أوساط الشعب الفلسطيني نتيجة للعقبات التي وضعت أمام الحركة في سنوات الحكم السبع السابقة".
أضاف في حديث إلى "المونيتور" أن "حماس مطمئنة إلى شعبيّتها في أوساط الفلسطينيّين. قد نكون أقل شعبيّة من العام 2006، لكن شعبيّة الحركة في الضفة الغربيّة ما زالت مرتفعة مقارنة مع شعبيّتها قطاع غزّة".
وتابع "نحن خسرنا جزءاً من المؤيدين، لكن في المقابل لم تكسب حركة فتح هؤلاء الذين فقدناهم. بالتالي، لن تكون لحركة فتح الغلبة في أي انتخابات مقبلة، وهذا ما تم إثبتاته من خلال استطلاعات رأي تجريها الحركة داخلياً".
ما زالت تفاصيل إعادة بناء منظمة التحرير غامضة للفصائل الفلسطينيّة كافة، إلا أنه اتضحت لحركة حماس محددات العمل في خلال الفترة المقبلة وهي ثلاث: تغيير العنصر البشري وإعادة هيكلة المؤسسات بالإضافة إلى إعادة النظر في البرنامج السياسي الذي تتبناه المنظمة.
وقال القيادي في حماس باسم نعيم لـ"المونيتور" إن "إعادة النظر في برنامج منظمة التحرير أمر بديهي بعد تشكيلها من جديد، وذلك بالانتخاب في الداخل وفي الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيّين وفقاً لظروفها الداخليّة. وإذا تعذّر إجراؤها في دول معيّنة، سيتم التوافق بين الفصائل الفلسطينيّة على التعيين".
أضاف "البرنامج الذي أقرّته منظمة التحرير كان قراراً قيادياً فردياً من دون الرجوع إلى الشعب الفلسطيني ومؤسساته المختلفة. وهذا الأمر سيكون على طاولة البحث بعد إعادة تشكيل المجلس الوطني وفرز المؤسسات الأخرى التابعة للمنظمة". وأشار إلى أنه "في حال أقرّ المجلس الوطني باستمرار الاعتراف بإسرائيل، سنحترم قراراته".
وقد تخوض حركة الجهاد الإسلامي غمار انتخابات المجلس الوطني التابع لمنظمة التحرير.
وفي حال انضمت حركتا حماس والجهاد الإسلامي إلى منظمة التحرير وهما الفصيلان الوحيدان غير المنضويَين تحت مظلتها، سيزيد عدد الفصائل الفلسطينيّة في داخل المنظمة التي ترفض الاعتراف بإسرائيل، بعد أن كانت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين هي الوحيدة التي ترفض ذلك.
وقال مسؤول الجبهة الشعبيّة في قطاع غزّة جميل مزهر لـ"المونيتور"، إن "دخول حركتَي حماس والجهاد الإسلامي منظمة التحرير الفلسطينيّة، سيشكل إضافة مهمة للنضال الوطني باعتبارهما جزءاً أصيلاً ومهماً من الشعب ومن المقاومة الفلسطينيّة. وبالتالي وجودهما في المنظمة أمر مهم وضروري ويقوّي منظمة التحرير في مواجهة التحديات والاحتلال ويشكّل دعماً وإسناداً للمقاومة في مواجهة الاحتلال".
لكن حركتَي الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبيّة لا تبدوان متسرّعتان في الحديث عن التحالف مع حركة حماس بعد إعادة تشكيل منظمة التحرير وإجراء الانتخابات في داخلها على قاعدة عدم الاعتراف بإسرائيل، بحسب ما جاء في تصريحات قيادييها الذين التقاهم "المونيتور".
فأوضح مزهر أنه "من السابق لأوانه الحديث في هذا الأمر. التحالفات مسألة تكتيكيّة مرتبطة بالبرنامج السياسي على الصعيد الوطني وعلى الصعيد المجتمعي. الجبهة تدير تكتيكاتها وتحالفاتها انطلاقاً من مصالح شعبنا على المستويَين السياسي والاجتماعي الديمقراطي، لأننا نتّفق مع حماس في بعض القضايا ونختلف معها في بعض آخر. وهذا الأمر يقرّر في الهيئات المركزيّة للجبهة، في حينه".
ووافقه القيادي في الجهاد الإسلامي عزام الرأي قائلاً أيضاً إنه "من السابق لأوانه الحديث في هذا الأمر". إلا أن القيادي في حماس نعيم قال "نعم سنسعى إلى التحالف مع الجهاد والجبهة، لأن العمل السياسي يحتّم علينا العمل معاً لتحقيق المصالح المشتركة".
حماس التي عانت على مدار سنوات حكمها من أزمة في الشرعيّة التمثيليّة للفلسطينيّين وكان التعامل معها على أنها حكومة أمر واقع فقط، تحرص أكثر على الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينيّة لتفرض شروطها على قواعد اللعبة السياسيّة الفلسطينيّة، في محاولة لإنهاء تفرّد حركة فتح في القرارات المصيريّة المتعلقة بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.