قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في 15 أيار/مايو الجاري إن "الأزمة الإنسانية الخطيرة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم" في سوريا، ووعد ببذل جهود جديدة لإيصال المساعدات إلى السوريين المحاصرين، بما في ذلك البحث عن بدائل من دون المرور بالنظام في دمشق.
جاءت تصريحاته هذه بعد يومَين من استقالة الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا، من منصبه قائلاً إنه "حزين جداً جداً لترك سوريا في مثل هذا الوضع السيئ".
إزاء الطابع الملح للأزمة التي تواجهها سوريا، قد يجد كيري نفسه مضطراً إلى التقاط الإشارات الإيرانية حول المسألة السورية، والنظر في سابقة تطبيق وقف إطلاق النار في مناطق محدّدة، على غرار وقف إطلاق النار في حمص الذي جرى التفاوض عليه هذا الشهر بين المسؤولين السوريين وقادة المعارضة وديبلوماسيين إيرانيين وروس ومن الأمم المتحدة، كما ورد في هذا العمود الأسبوع الماضي.
صحيح أن إيران هي الداعِمة الأولى للرئيس السوري بشار الأسد، لكن لطالما طالبت أيضاً بالتعاون على المستوى الدولي من أجل مواجهة تنظيم "القاعدة" والجماعات المرتبطة به؛ وتفكيك السلاح الكيميائي السوري؛ وفتح ممرات للإغاثة والمساعدات الإنسانية، وجميعها مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة.
ففي أيلول/سبتمبر 2013، في مقابلة حصرية مع "المونيتور"، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تأييده لاتفاق الإطار الأميركي-الروسي حول الأسلحة الكيميائية، وقال إن إيران تسعى إلى الحؤول دون تحوّل سوريا معقلاً للتطرف في المنطقة. وحذّر ظريف من الآفاق الملتبسة لمحادثات جنيف إذا لم يُسمَح لإيران بالمشاركة فيها قائلاً "يمكنهم اختبار الأمر في جنيف على مسؤوليتهم الخاصة".
وفي شباط/فبراير الماضي، دعا الديبلوماسي الإيراني في البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة، علي رضا مير يوسفي، في مقال له عبر "المونيتور"، إلى المبادرة بصورة عاجلة إلى إيجاد حل لصعود الجماعات المتطرفة في سوريا، لافتاً إلى الدور البنّاء الذي تؤدّيه إيران في "مسألة نزع السلاح الكيميائي، والذي حظي بتغطية واسعة، فضلاً عن دور الوساطة الذي تلعبه من أجل إنشاء ممرات للمساعدات بهدف نقل المدنيين من مناطق النزاع في سوريا وإرسال المعونات الإنسانية".
وفي آذار/مارس الماضي، وضع مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خطة من أربعة أجزاء للتعاطي مع الملف السوري شملت التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب؛ والمساعدات الإنسانية؛ وإعطاء دور للأمم المتحدة؛ و"تعزيز المسار السياسي" في سوريا من خلال المحادثات الشاملة.
قبل أيام من توقيع اتفاق حمص هذا الشهر، قال ظريف لرئيس "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، بيتر مورير، خلال اجتماع في طهران، إن إيران مصمّمة على توسيع تعاونها مع اللجنة.
وهذا الأسبوع، كتب الديبلوماسي الإيراني في الأمم المتحدة، حسين غريبي، وعلي رضا أحمدي: "يجب أن يعطي جميع الأفرقاء الأولوية القصوى لخوض مواجهة علنية ضد الجماعات التكفيرية المتطرفة التي تخضع للقيادة المركزية لتنظيم القاعدة، نظراً إلى الطابع الأخلاقي الملح لهذه المسألة التي تملك أيضاً القدرة على جمع الأطراف كافة في إطار قضية مشتركة. يمكن أن تشكّل هذه المسألة أساساً لتوحيد المجتمع الدولي وأن تساهم في توليد أرض خصبة لتسوية النزاع عن طريق القنوات الديبلوماسية".
أوردنا في هذا العمود في كانون الثاني/يناير الماضي أن مكافحة الإرهاب والمعونات الإنسانية تشكّلان ركيزتَين لنبض جديد في محادثات جنيف 2 حول الشأن السوري، وربما يمكن استخدامهما الآن أساساً لمبادرة ديبلوماسية جديدة.
قد يكون من الجيد وضع إيران على محك الاختبار في مكافحة الإرهاب، ونزع السلاح، وإنشاء ممرات إنسانية في سوريا، قبل التفكير في بعض البدائل المكلفة والملتبسة التي يتم اقتراحها، بما في ذلك التدابير المعقّدة لإيصال المساعدات الإنسانية، نظراً إلى أن النجاح في نقل المساعدات يتطلّب في نهاية المطاف تطبيق وقف لإطلاق النار على المستوى المحلي، على غرار وقف إطلاق النار الذي جرى التوصّل إليه في حمص، ما يعني أنه يقتضي تعاوناً من دمشق وطهران وموسكو؛ وتصدير أسلحة حسّاسة مضادة للطائرات إلى قوات المعارضة السورية المعتدلة، في الوقت الذي يفرض فيه تنظيما "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) سيطرتهما في مناطق كثيرة؛ ووضْع الأسلحة الأميركية في حالة من الجهوزية تحسّباً لأي تخلُّف من جانب سوريا عن الوفاء بالتزاماتها لنزع سلاحها الكيميائي، على الرغم من غياب الدعم الشعبي للتدخل العسكري الأميركي في سوريا.
قدّم إدوارك دارك، في مقاله من حلب هذا الأسبوع، صورة واقعية بعض الشيء بعيداً من التسييس الذي تمارسه واشنطن ولندن في التعاطي مع الملف السوري، فاعتبر أن حمص، وعلى الرغم من أن المشهد هناك قد يبدو ناقصصاً ومحدوداً، يمكن أن تشكّل "نقطة تحوّل" بالنسبة إلى السوريين الذين يتطلّعون بتلهّف شديد إلى انتهاء الحرب:
"الوصف الوحيد الذي ينطبق على الأفعال الشنيعة التي يرتكبها طرفا النزاع هو أنها عقاب جماعي وأعمال إرهابية بحق المدنيين الأبرياء. فتكرُّر أعمال العنف مع إفلات فاضح من العقاب يُبرز بوضوح شديد كيف أن المجتمع الدولي خذَل الشعب السوري. ففي غياب إطار عمل واضح للتحقيق في هذه الجرائم بحياد وموضوعية وجعل المذنبين يمثلون أمام العدالة، ستستمرّ هذه الممارسات في حصد مزيد من الأرواح في صفوف الأبرياء".
تابع دارك: "لم يعد السوريون يتوهّمون بشأن الطبيعة الحقيقية للحرب الأهلية. فهذه الحرب ليس الهدف منها مكافحة الإرهاب، ولا إطاحة حكم مستبدّ. بل إنه صراع وقح على السلطة يستخدم السوريين بيادق مسلوبة الإرادة. لقد عاينوا عن كثب كيف استعملهم الفريقان دروعاً بشرية، وانهالا عليهم بالقذائف، وعرّضاهم للجوع الشديد والمعاملة التعسّفية، فيما يردّدان الخطاب العقيم نفسه حيث يدّعي كل منهما إنقاذ الشعب السوري من إرهاب الفريق الآخر وقمعه، ولو كان بدرجات مختلفة بعض الشيء من الخداع. ولذلك فإن كل سوري ينحاز الآن إلى هذا الفريق أو ذاك هو فقط كمَن يختار أهون الشرَّين".
أضاف دارك: "يشكّل انسحاب الثوّار من أحياء حمص القديمة بموجب الاتفاق الذي جرى التوصّل إليه عن طريق التفاوض، وعودة بعض سكّان المدينة نقطة تحوّل مهمة في أكثر من ناحية. فقد أثبت أنه من الممكن إجراء مفاوضات مثمرة على الأرض، حتى بين ألدّ الأعداء، كما أظهر أن السبيل للتوصّل إلى تسوية في سوريا قد لا يكون من خلال المحادثات الكبرى في جنيف، بل عن طريق سلسلة من الاتفاقات التي يتوصّل إليها السوريون أنفسهم على المستوى المحلي".