تبدو بعض محلاّت منطقة جميلة المتخصّصة في بيع المواد الغذائيّة بالجملة شرق العاصمة العراقيّة بغداد، خالية من البضائع. وذلك بعد أن مرّ شهر ونصف الشهر تقريباً على العمليّة العسكريّة التي شنّها الجيش العراقي على تنظيم "الدولة الإسلاميّة في العراق والشام" (داعش) في محافظة الأنبار غرب العراق.
وتعتمد معظم هذه المحلات على البضائع الواردة من سوريا عبر الحدود البريّة. وقد أثّر النزاع المسلّح الدائر في سوريا والذي اشتدّ في أواخر العام 2012 على حركة مرور البضائع، لكن الأمور ظلّت تسير على ما يرام على الرغم من انقطاع البضائع لأكثر من أسبوع أحياناً، في فترات اشتداد النزاع هناك. إلا أن العمليات العسكريّة الجارية في الأنبار عطّلت الاستيراد بشكل كامل نتيجة تعذّر سير مركبات نقل البضائع الآتية من سوريا عبر الخط الدولي الرابط بين البلدَين والذي يعدّ من مسارح العمليات العسكريّة الدائرة في الأنبار.
ويقول أبو أحمد العكيلي وهو صاحب محلات مخللات "الأخوين"، إن "محلات المخللات تعتمد بشكل أساس على المنتوجات السوريّة.. ولم تعد المنتوجات تصل إلى محلاتنا منذ اندلاع أزمة الأنبار".
ويوضح العكيلي لـ"المونيتور" أن "عدم وصول البضائع يعني إغلاق محلاتنا وصرف عمّالنا". يضيف "المشكلة أن ما من طريق تصلنا البضائع عبره غير الأنبار، بخاصة وأن المنفذ الحدودي الآخر مع سوريا عبر محافظة نينوى غير آمن بسبب سيطرة تنظيم القاعدة هناك".
ولدى أبو أحمد العكيلي نحو عشرة عمّال، صرف منهم حتّى الآن أربعة لأن البضائع التي خزّنها بدأت تنفد.
وقد انخفض حجم التبادل التجاري بين العراق وسوريا إلى ما دون 700 مليون دولار أميركي سنوياً، بعد أن كان يفوق أربعة مليارات دولار، ليصل إلى نحو 17.5 في المئة في العام 2012، بسبب انعدام الاستقرار السياسي والأمني في سوريا.
بالنسبة إلى الحاج حميد الموسوي وهو صاحب مخزن لبيع الخضروات بالجملة، فإن الصراع بين الجيش وتنظيم "داعش" في الأنبار سيطول لأشهر مقبلة، الأمر الذي دفعه إلى تغيير مصدر تجارته من سوريا إلى إيران وتركيا.
ويقول الموسوي لـ"المونيتور" إنه "لطالما حافظت على تنويع مصادر الاستيراد بسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنيّة في العراق". يضيف "البضائع السوريّة فيها هامش أرباح أكثر من غيرها.. لكن العمل يجب أن يستمرّ".
ويتّفق عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابيّة محما خليل مع الموسوي حول ضرورة تنوّع مصادر التجار العراقيّين، بسبب عدم استتباب الوضع الأمني في العراق.
ويلفت خليل في حديث إلى "المونيتور" إلى أن "العمليات العسكريّة الجارية في الأنبار ساهمت بشكل كبير في التأثير على التجّار العراقيّين في المحافظات الأخرى بسبب الاعتماد على الكثير من السلع السوريّة". لكنه يشير إلى أن "التجار العراقيّين تكيّفوا مع الأوضاع، ما جعلهم ينوّعون مصادرهم".
ويؤكد خليل وهو نائب كردي في البرلمان، أن "العمليات العسكريّة أثّرت على الموسم الزراعي أيضاً في الأنبار وليس على حركة الاستيراد فقط".
ويشير أبو أحمد العكيلي إلى أنه سيذهب إلى إيران لاستيراد البضائع من هناك لحين انتهاء أزمة الأنبار. لكنه يقول إن "البضائع السوريّة أكثر جودة وهامش الربح فيها أكثر من هامش الربح في المنتجات الإيرانيّة".
ويُعتبَر معبر الوليد مع سوريا شريان التجارة العراقيّة، تقابله منافذ متعدّدة للتجارة مع إيران التي تحتفظ بشريط حدودي هو الأطول مع العراق، في ظلّ تعطيل كامل للمنافذ الحدوديّة العراقيّة مع السعوديّة. ويكاد الحال ينسحب على المنافذ مع الكويت، في حين تحظى التجارة مع تركيا بانسيابيّة المرور عبر منفذ إبراهيم الخليل الواقع تحت سيطرة إقليم كردستان.