أثار اعتقال الجيش اللبناني للفلسطيني نعيم عباس، أحد قياديي "كتائب عبدالله عزام" التابعة لتنظيم القاعدة، في 12 شباط / فبراير الحالي، ارتياحاً كبيراً في نفوس اللبنانيين عموماً وسكان الضاحية الجنوبية لبيروت ومحافظة الهرمل خصوصاً، بعد التفجيرات الإرهابية التي طاولت هاتين المنطقتين مؤخراً. لكن التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا المستشارية الثقافية الإيرانية ومحيطها في بئر حسن صباح الأربعاء 19 شباط/ فبراير قد بددا هذا التفاؤل، فعادت أجواء الخوف والحذر والحزن لتخيّم على الضاحية.
سبعة قتلى وأكثر من مئة جريح هم ضحايا التفجيرين الانتحاريين الأخيرين، اللذين استهدفا المستشارية الثقافية الإيرانية، لكن لم يصب أي من موظفي المستشارية، بل إن الضحايا كانوا من السكان أو المارّين في الشارع، وبعض الأطفال الأيتام في دار الأيتام الإسلامية، وهي مؤسسة خيرية سنّية معروفة.
الانتحاريان هاجما الشارع بسيارتين مفخختين بشكل متزامن واستخدما أسلوب مهاجمة السفارة الإيرانية في بيروت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وأعلنت "كتائب عبد الله عزام" مسؤوليتها عن الهجوم الذي قالت إنه انتقاماً من دور حزب الله في سوريا وتعهدت بشن المزيد من الهجمات.
ولعل التفجيرين قد أبطلا مفعول الإنجاز الأمني لمخابرات الجيش اللبناني باعتقال نعيم عباس، فتراجع منسوب التفاؤل بتشكيل الحكومة اللبنانية، لدى اللبنانيين عموماً وسكان الضاحية خصوصاً.
واللافت أن تفجيري الأربعاء قد وقعا في الشارع نفسه الذي اعترف عباس بالتخطيط لاستهداف قناة المنار الواقعة فيه الأربعاء الماضي، ولكن التفجيرين وقعا قرب المستشارية من جهة السفارة الكويتية على بعد مئات الأمتار من قناة المنار. وربما جرى تغيير الهدف بسبب انكشافه بعد اعتقال عباس واعترافه.
"كتائب عبد الله عزام" أعلنت استمرارها "باستهداف إيران وحزبها في لبنان، بمراكزهم الأمنية والسياسية والعسكرية ليتحقق مطلبان عادلان: الأول يقضي بخروج عساكر حزب إيران من سوريا، والثاني يدعو لإطلاق سراح أسرانا من السجون اللبنانية الظالمة".
وتشير المطالب التعجيزية للكتائب في بيانها إلى أن المعركة طويلة وأن الأمر يتعدى مسألة مشاركة حزب الله في القتال في سوريا، بل يصل إلى المطالبة بإطلاق سراح سجناء الإرهاب المحكومين في لبنان، وهو ما أشار إليه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأحد الماضي 17 شباط/ فبراير في كلمته المتلفزة.
الشيخ علي، وهو أحد علماء الدين الشيعة القريبين من حزب الله، يقول للمونيتور إن من الخطأ الاعتقاد أن هناك حلاً لوقف هذه التفجيرات، وأن الحل الوحيد هو في السيطرة على مدينة يبرود السورية حيث تحضر السيارات المفخخة وترسل إلى لبنان. ويستغرب كيف أن الإعلام اللبناني يردد عبارة استهداف الأبرياء في تغطيته للتفجيرات وكأن هناك أهدافاً أخرى مشروعة لاستهدافها في الضاحية وبيروت.
يعبّر الشيخ علي من منطلقه الديني الإيماني بتسليم أمره لله عن حال الكثيرين من المسلمين الشيعة في لبنان، على الرغم من وجود خوف وقلق لدى آخرين.
يقول مدير "مجموعة غاما للتواصل والمعلومات" المحلل السياسي نسيب شمس للمونيتور إن معنويات الناس في الضاحية تختلف بحسب الناس ورؤيتها، فبعض الناس يرون أن ما يجري ليس سوى حرب مع عدو لا وجه له وهذا يقلقها، وهناك ناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي إلى حد ما وذلك لإيمانهم الديني، وأخرون يعيشون القلق والخوف. يضيف شمس أن لم يكن هناك جو من الاطمئنان بعد توقيف نعيم عباس لدى المعنيين بالموضوع الأمني بل بالعكس تم تفعيل إجراءات الأمن وتشديد التدقيق لأنهم كانوا يعلمون أنه ستكون هناك ردود فعل قاسية ومؤلمة ومتوترة، وأن الانفجارين الأخيرين في محيط المستشارية الثقافية الإيرانية يدلان عن اللجوء إلى أهداف من السهل التعامل معها، ويعرف المعنيون بالأمن أنه لا يمكن إيقاف اي انتحاري إلا إذا سلّم نفسه من تلقاء نفسه.
أما الحل فيعتقد شمس أن "لا حل سياسياً ولا أمنياً لمسألة التفجيرات، كون المسألة معقدة ومتشابكة، ولا بد من مزيد من تحصين ورآب الصدع في لبنان، ولا بد من التذكير أن أمام معضلة الإرهاب التي عجزت دول كبرى في مكافحته فكيف ببلد صغير وإمكانات ضعيفة يمكن أن يكتب له الوصول إلى حل، فلبنان دخل في نفق طويل".
يرى المحلل السياسي غسان مكحل أن العملية المزدوجة كانت كبيرة لكنها نوعاً ما فاشلة قياساً لحجم ما خطط لها كما أنها فاشلة سياسياً وأثارت الاستياء حتى في أوساط غير صديقة لحزب الله. ويضيف أن العملية مهمة في سرعة الرد على اعتقال نعيم عباس، وكونها جاءت عقب تشكيل الحكومة اللبنانية فبدت كمحاولة لضرب تفاؤل أراده الناس. ويعتبر مكحل أنه يبدو أن الانتحاريين باتوا يجدون صعوبة هائلة في دخول الضاحية، فباتوا يحاولون التفجير في محيطها، كما أن حصولها بالقرب من "دار الأيتام الإسلامية" كان عاملاً إضافياً في الفشل المعنوي والسياسي، فكونها لم تؤدِ الى تحقيق هدفها بإيذاء الإيرانيين وكونها أصابت داراً للأيتام وجاءت في عز تفاؤل سياسي وشعبي، فهي باعتقادي كانت فاشلة، لأنها تسير بعكس التيار السائد في البلد حالياً. ويرى أن الإرهابيين سيتعرضون لضربات إضافية وبالتحديد من أجهزة أمنية ومخابراتية تريد حالياً بعض أجواء انفراج، برغم عدائها المتأصل لحزب الله.
ويشير مكحل إلى أن مؤشرات اعتقال عباس كانت مهمة للغاية، فاعتقاله يعني أن جهات دولية وإقليمية مهمة قد شغلت المكابح لهذه العمليات الإرهابية وهي لا تريد مزيداً من التدهور. ويضيف أن عباس يتعامل مع أكثر من تنظيم وحتى مع جهاز استخبارات إقليمي فاعل في لبنان، وهو اعتقل نتيجة معلومات مقدمة من استخبارات إقليمية حليفة للأميركيين.
من جهته، يقول الخبير الاستراتيجي عماد رزق للمونيتور إن عقل الإجرام المحرك للأعمال الامنية التي تنفذ في لبنان أراد في هذا التوقيت كشف حلقة فقام بتسريب معلومات عن نعيم عباس قبل ساعات من تنفيذه للعملية، رابطاً بين ذلك وحصول تسوية سياسية إقليمية –دولية عجّلت تسريع تشكيل الحكومة في لبنان.
وكانت اعترافات عباس قد كشفت عن مكان سيارة مفخّخة في مرآب للسيارات في بيروت، فككها الجيش اللبناني وكانت تحوي نحو مئة كليوغرام من المواد المتفجرة. كما اعترف بتوجّه سيارة مفخخة ثانية من منطقة يبرود السورية باتجاه بيروت وفيها ثلاث نساء، حيث نجح الجيش بتوقيف السيارة وتفكيك العبوة.
وكان يفترض أن تكون هذه العملية مركبة بحيث يتم تفجير سيارتين من خلال انتحاريين، وتفجير انتحّاري ثالث بحزام ناسف بعد تجمع الناس حول التفجير الأول، إضافة إلى إطلاق صواريخ كاتيوشا باتّجاه مجمع سيّد الشهداء خلال الاحتفال بذكرى "يوم الشهيد" في الضاحية. وقد تمكن الجيش اللبناني من العثور على مخزن الصواريخ والمتفجرات في بلدة الدبّية جنوب بيروت.
وتكمن خطورة عباس أنه كان ينتمي لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية التي تركها قبل سنوات وانضم إلى "القاعدة"، وكان قد تدرّب في إيران ويعرف جيداً الضاحية الجنوبية وبيئة عمل حزب الله.
مصدر قريب من حزب الله تحدث للمونيتور، طالباً عدم الكشف عن اسمه، برغم أهمية الإنجاز الأمني لمخابرات الجيش، إلا أنه يجب الحذر والعمل للقضاء على كل البؤر الأمنية الحاضنة للإرهابيين في لبنان من البقاع إلى الشمال وصولاً إلى المخيمات الفلسطينية، مشيراً إلى ضرورة تحرك الفصائل الفلسطينية بصورة أنشط للكشف عن هذه الشبكات الإرهابية داخل المخيمات وتسليم المتهمين للأجهزة الأمنية اللبنانية.
الإعلامي حسين شمص إعتبر في حديث للمونيتور أن ما قامت به مخابرات الجيش اللبناني من عملية وقائية هجومية في آنٍ هي إنجاز كبير يُسجّل للمؤسسة العسكرية انعكس على الشارع اللبناني بشكل عام وأهل الضاحية بشكل خاص ارتياحاً كبيراً، ولكن هذا الارتياح العام ترافق مع ذعر وحذر كبيرين نظراً للتطور الحاصل في حجم المفخخات وما قيل عن نية إطلاق صواريخ على الضاحية. ولا يعتبر شمص الحواجز الأمنية كافية لكنها قد تحد من هذه العمليات ولكن لا تستطيع منعها خاصة في ظل تفتيش بدائي وافتقارنا الى أجهزة متطورة. ويضيف أن مواجهة هذه العمليات الإرهابية تحتاج الى عمل استخباراتي جبار وإلى تعاون شعبي مع هذه الأجهزة وعدم تأمين بيئة حاضنة لهم خاصة في المخيمات الفلسطينية التي أصبحت مأوى لهؤلاء المتطرفين.
الإعلامية لبنى يحيى قالت للمونيتور إن الإجراءات الأمنية للقوى الأمنية في الضاحية غير كافية وتحتاج إلى أساليب أفضلٍ، مشيرة إلى ضرورة وجود أدوات لاكتشاف التفجيرات والسيارات المفخخة. فيما توضح الإعلامية زينب جمول للمونيتور أن القلق والخوف عادا بعد تفجيري بئر حسن. وتضيف: "لن نشعر بارتياح كلي إلا عند انتهاء الأزمة السورية.