تتوالى منذ فترة المؤتمرات حول مسيحيّي الشرق الأوسط. وليس في ارتفاع وتيرة انعقادها سوى دليل قاطع على حالة القلق التي تعتري هذا المكوّن الأساسي من المجتمع العربي والذي يعود وجوده إلى مرحلة ما قبل الإسلام. فالأخطار التي تهدّد هذا الوجود كثيرة، منها القديم من قبيل تراجعهم (المسيحّيون) على المستوى الديموغرافي. ويعود ذلك إلى أسباب هيكليّة مثل انعدام الحريات السياسيّة وتراجع النمو، أو إلى الأزمات السياسيّة والحروب المتعاقبة، أو إلى اعتماد سياسات اقتصاديّة تحدّ من فرص النجاح وتقلّل من فرص العمل مثل موجات التأميم الاقتصادي التي كانت رائجة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ومن تلك الأخطار أيضاً ما هو جديد-قديم، فرضته بشكل درامي إرهاصات الثورات العربيّة وما واكبها من صعود للتيارات الإسلاميّة.
والحقّ يقال إن بروز نجم الحركات الإسلاميّة ليس بالعامل الذي تطمئنّ له المجموعات التي لا تعتنق الدين الإسلامي، وحتى شرائح عديدة من المجتمع العربي التي وإن كانت ملتزمة بمبادئ الإسلام وطقوسه وشعائره إلا أنها تتطلّع إلى الحداثة بما تعني من تغليب لحقوق الأفراد على أي قيم أخرى ويكون الضامن لها دولة مدنيّة ديمقراطيّة. فما شهدته مصر مع وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة ومحاولاتهم للاستئثار بالسلطة إن لجهة خوضهم الانتخابات النيابيّة منفردين رافضين التحالفات ومدّ جسور مع بقيّة مكوّنات المجتمع المصري أو لجهة حصر عمليّة كتابة الدستور بفريق موال لهم خاضع كلياً لعقيدتهم، لم يشكّل عنصر طمأنة للمسيحيّين. ولا شكّ في أنه أضعف من حماستهم للربيع العربي بعدما كانوا في طلائعه، لما حمل من بذور تغيير باتجاه الحداثة وتكريس حقّ المشاركة وتقرير المصير.