نجريج، مصر - في مدخل ترابيّ غير ممهّد جيّداً، ومن دون وجود أيّ لافتة توحي بأنّها القرية المقصودة، تقع قرية نجريج في مركز بسيون بمحافظة الغربيّة، في وسط الدلتا، على بعد ساعتين ونصف ساعة من القاهرة، فليس سهلاً الوصول إليها لشخص من خارج المنطقة، لكنّ أهالي القرى المحيطة اعتادوا خلال الآونة الآخيرة على وجوه جديدة، بعضها أجنبيّة تمرّ وتسأل عن طريق الوصول، ويسألون على الفور: "هل تريد الذهاب إلى قرية محمّد صلاح؟".
لقد نجح محمّد صلاح، وهو نجم نادي ليفربول الإنكليزيّ واللاّعب الأفضل والهدّاف في دوريّ أبطال أوروبا الـChampions League في أن يخرج قريته من طيّ النسيان ويجعلها معروفة من قبل الجميع في مصر والكثيرين حول العالم. ويبدو المنظر مختلفاً تماماً عن الصورة الذهنيّة التي رسمت عنها في وسائل الإعلام ولدى الناس، إذ وصلت صحافيّة أجنبيّة للتوّ إلى القرية، وصدمت بما رأت، فسألت: "هل هذه قرية محمّد صلاح؟ فردّ الشرطيّ أحمد سيّد قائلاً: "نعم هذه هي القرية". لا تصدق، إذ لا صور لصلاح على واجهات المحلاّت التجاريّة الموجودة في مدخل القرية، فتتقدّم إلى الأمام وتسأل مجدّداً، ليأتيها الجواب نفسه. إنّ المباني قديمة، حال الفقر واضحة في كلّ مكان، وذلك الشغف بـ "ابن نجريج" الذي تتحدّث عنه وسائل الإعلام ليس ملحوظاً.
تتحدّث وسائل إعلام مصريّة وأجنبيّة أنّ "الملك المصريّ" – كما يصفه جمهور ليفربول غيّر قريته تماماً من خلال مشاريع عدّة نفّذها، لكنّ الصورة على أرض الواقع تبدو مغايرة.
يحظى صلاح بشعبيّة جارفة في أكبر بلد عربيّ، وأصبح فخراً وطنيّاً. ورغم عدم اختلاف أحد عليه، يبدو الوضع مختلفاً قليلاً في مكان نشأته، لا سيّما بين أجيال الشباب، فهناك مشاعر فخر بابن قريتهم، ممزوجة باستياء عدم وجود إنجازات كبيرة تغيّر من وجه القرية أو تحقّق الصورة التي يردّدها الإعلام.
"تعتقدون أنّ القرية أصبحت قطعة من أوروبا؟"، سأل محمود بهنسي (28 عاماً) "المونيتور" عند مدخل القرية، بابتسامة مشوبة بلمحة حزن، وهو شاب حاصل على بكالوريوس تجارة، وعاطل عن العمل.
في الجانب الشماليّ من القرية، يعكف العمّال على بناء معهد (مدرسة دينيّة أزهرية) ضخم بتكلفة 8 ملايين جنيه. وتحدّث مساعد مدير "جمعيّة محمّد صلاح الخيريّة" حسن بكر لـ"المونيتور" فأشار إلى أنّ الأرض اشتراها أهالي القرية منذ عام ونصف عام لبناء المعهد، لكنّ صلاح تكفّل بالبناء، لافتاً إلى أنّ المعهد سيلعب دوراً مهمّاً في تخفيف الضغط على المدرسة الوحيدة في القرية.
ومنذ أسبوع، افتتح عمدتها الملعب "الخماسيّ"، الذي بني على مدخلها بتمويل من "مو"، كما يطلق عليه الإعلام الأجنبيّ.
وإلى جانب المعهد، يخصّص صلاح مبلغاً قدره 50 ألف جنيه شهريّاً يوزّع عبر جمعيّته ما بين 150 و300 جنيه لكلّ مطلقة وأرملة وأسرة فقيرة في القرية.
إنّ هذه المشاريع لم تغيّر الواقع الصعب في نجريج. وفي هذا السياق، قال العمدة ماهر شتيه لـ"المونيتور": "نعاني من مشكلات عدّة، الشوارع والمداخل ليست مرصوفة، فهناك مدرسة واحدة فقط للمرحلتين الابتدائيّة والإعداديّة، وفيها ما يقرب من 3 آلاف طالب. وليس لدينا أيضاً صرف صحيّ".
وبحسب ماهر شتيه، تضمّ القرية أكثر من 15 ألف نسمة، 65 في المئة منها يعانون من الفقر، والأهالي بغالبيّتهم يعملون في الزراعة، لا سيّما في زراعة البصل.
وقال شتيه: "إنّ 90 في المئة ممّا ذكرته الصحف عارٍ تماماً من الصحّة، فلم يجهّز 25 عروساً، ولم يدفع 5 ملايين جنيه تكاليف زواج 70 عريساً من شباب القرية، مثلما نشرت الصحف، ولا يذبح عجلاً مع كلّ هدف، ولا مشروع للصرف الصحيّ يموّله".
ورغم ذلك، اعتبر شتيه أنّ صلاح ليس ملزماً بهذه المشاريع، فهو يقوم بما يستطيع. وفي النهاية، إنّه لاعب ويتقاضى راتباً، وليس مسؤولاً حكوميّاً.
وأوضح شاب في القرية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور" أنّ الكثير من أقرانه يرفضون الحديث للإعلام ويلقون اللوم عليه في رسم صورة خاطئة عن القرية وإنجازات صلاح، معتبراً أنّ وجوده أضرّ بالقرية أكثر ممّا نفعها، إذ رفعت الدولة يدها عن عمليّات تطويرها فى اعتقاد أنّ صلاح سيملأ هذا الفراغ، وقال: "الأهالي كانوا ينتظرون من صلاح أكثر من ذلك، حتّى لو لم ينفق على تطوير القرية، لكنّه يحظى بعلاقات وكلمة مسموعة كان من الممكن أن تخدمهم".
ومن المشكلات التي تعاني منها القرية أيضاً، نقص الخدمات الطبيّة، حسب ما أوضح شتيه، وقال: "إنّ الوحدة الصحيّة صغيرة جدّاً، ولا توفّر الخدمات اللاّزمة. ويجد المواطنون أنفسهم مضطرّين للذهاب إلى المدينة (بسيون) من أجل تلقّي العلاج وإجراء الفحوص الطبيّة".
مصدر مقرّب من صلاح في القرية وأحد المسؤولين عن نشاطاته، أشار في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ نجم ليفربول الإنكليزيّ كان ينوي بالفعل بناء مستشفى صغير في القرية، لكنّه قرّر تخصيص هذه الأموال لبناء المعهد الدينيّ.
يبقى تأثير صلاح غير المباشر أكبر من المباشر في نجريج، إذ أشار محمود بهنسي إلى أنّ الآباء بدأوا يسمحون لأبنائهم بممارسة الرياضة وحتّى إلحاقهم بأكاديميّات للتدرّب على لعب الكرة إلى جانب التعليم، مثلما كان يفعل والد صلاح معه خلال طفولته، وقال: "في الماضي، كان الآباء من الطبقات الفقيرة يرون أنّ طريقة النجاح والصعود الاجتماعيّ هي التعليم فقط. ولذا، كانوا يعاقبون الأطفال الذين يلعبون ويتركون دراستهم، لكنّ النجم الأبرز في منتخب مصر أثبت أنّ النجاح يمكن أن يكون بطرق مختلفة".
أضاف: "إنّ صلاح بالفعل غيّر العقلية في القرية خصوصاً، وفي مصر عموماً. انظر إليّ، أنا حاصل على بكالوريوس تجارة، قضيت حياتي بين الكتب، والآن ما زلت من دون عمل، وانظر إليه نجح بموهبته لا بالتعليم".