بيروت — فازت في الانتخابات النيابيّة التي جرت في لبنان للمرّة الأولى وفق القانون النسبيّ في 6 أيّار/مايو 2018، 6 نساء بمقاعد نيابيّة في البرلمان المؤلّف من 128 مقعداً، وهو عدد قليل مقارنة بعدد المرشّحات، وهو 111 امرأة من أصل 976 ترشّحوا إلى هذه الانتخابات.
هذا العدد الضئيل من النساء اللواتي حجزن مقاعد لهن في البرلمان، مقارنة بعدد المرشحات الكبير، ليس سوى دليل على صعوبة وصول المرأة الى البرلمان في لبنان، ففي الانتخابات السابقة كان عدد الفائزات قليل لكن عدد المرشحات ايضاً كان ضئيل جداً، ولذلك كان يعتقد البعض ان المشكلة في النساء اللواتي لا يخضن هذه الانتخابات، فتأتي انتخابات 2018 لتؤكد ان المرأة تريد ان تصبح في مراكز القرار في السلطة لكن هناك اعتبارات كثيرة تمنعها من ذلك.
ثلاث نساء من اللواتي رشّحهنّ تيّار المستقبل فزن بمقاعد في البرلمان هنّ: بهيّة الحريري التي فازت عن المقعد السنّيّ في دائرة جنوب الأولى، وهي نائب في البرلمان منذ عام 1992، وشقيقة رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، عملت في التدريس حتّى عام 1979، كمعلمة وبرز اسمها في الشؤون السياسيّة والاجتماعيّة بعد دخولها البرلمان، رولا الطبش جارودي فازت عن المقعد السنّيّ في دائرة بيروت الثانية، وهي محامية متخصّصة في مواضيع الأعمال والتجارة، وكانت جزءاً من اللجان البرلمانيّة وساهمت في صياغة العديد من القوانين، وديما جمالي التي فازت عن المقعد السنّيّ في دائرة الشمال الثانية، وهي متخصّصة في السياسة الاجتماعيّة وبروفيسورة في كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية ومساعدة العميد لشؤون البحث وتطوير الكلية.
وقد فازت ستريدا جعجع، وهي ممثّلة حزب القوّات اللبنانيّة وزوجة رئيس الحزب سمير جعجع، عن المقعد المارونيّ في دائرة الشمال الثالثة، وهي نائب في البرلمان منذ عام 2005، حائزة على شهادة علوم سياسيّة، قادت حزب القوّات حين كان زوجها مسجوناً وإلى أن خرج من السجن في عام 2005، وناشطة على المستوى الاجتماعيّ. وفازت عناية عزّ الدين مرشّحة حركة أمل عن المقعد الشيعيّ في دائرة صور الزهراني، وهي عضو المكتب السياسيّ لدى أمل والمرأة الشيعيّة الأولى والوحيدة التي تدخل البرلمان، وهي وزيرة دولة لشؤون التنمية الادارية في الحكومة الحاليّة وصاحبة مختبر للتحاليل الطبّيّة والأنسجة ومديرته في بيروت. وفازت بوليت يعقوبيان عن مقعد الأرمن الأرثوذكس في دائرة بيروت الأولى، وهي إعلاميّة سابقة على تلفزيون المستقبل، انضمّت إلى حزب سبعة، سبعة هي حزب سياسي جديد في لبنان ظهر في تشرين الأول/أكتوبر 2017، يعرف عن نفسه بأنه نقيض لسائر الأحزاب اللبنانية التقليدية، وترشّحت إلى الانتخابات على لائحة كلّنا وطني.
عدد النساء القليل في البرلمان ليس بأمر جديد، فمنذ عام 1992 وحتّى اليوم، أيّ منذ انتهاء الحرب الأهليّة اللبنانيّة، ما زال تمثيل المرأة في البرلمان اللبنانيّ ضعيفاً جدّاً، إذ في الانتخابات الأخيرة التي حصلت في عام 2009 ترشّحت 12 امرأة فقط ووصل إلى البرلمان 4 نساء. ممّا يؤكّد أنّ المرأة اللبنانيّة كانت وما زالت لا تعدّ شريكة أساسيّة في البرلمان إلى جانب الرجل. الفارق الوحيد في هذه الانتخابات أنّ عدد المرشّحات كان مرتفعاً جدّاً مقارنة بالانتخابات السابقة، وعلى الرغم من ذلك، كانت حظوظ المرأة قليلة في الوصول إلى البرلمان.
في هذه الانتخابات، كان لافتاً عدم انتماء غالبيّة المرشّحات إلى أيّ حزب، إذ من بين المرشّحات إعلاميّات، حقوقيّات وناشطات في المجتمع المدنيّ قدّمن ترشيحهنّ للمرّة الأولى، ولم يلقين دعماً من الأحزاب التي لديها أكثريّة أصوات الناخبين، فيما استبعد بعض الأحزاب النساء، كحزب الله مثلاً، إذ قالت عضو المجلس السياسيّ في حزب الله ريما فخري في كانون الثاني/ يناير 2018: "إنّنا في حزب الله، نتحفّظ عن مشاركة المرأة في الانتخابات النيابيّة، لأنّ ذلك سيكون على حساب عائلتها". وفي الماضي، كان معروفاً أنّ غالبيّة النساء وصلن إلى البرلمان عبر التوريث السياسيّ، إمّا لأنّ المرأة إبنة رجل سياسيّ، أم زوجته، أم شقيقته، وتبلور ذلك منذ وصول أول نائبة لبنانية الى البرلمان في العام 1963 حيث انتخبت بالتذكية ميرنا البستاني خلفاً لوالدها النائب اميل البستاني، وأصبح هذا التوريث أشبه بعرف داخل المجلس النيابي يحكم وصول معظم النساء الى البرلمان. في انتخابات عام 2009، فازت بهية الحريري (شقيقة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري) ستريدا جعجع (زوجة رئيس حزب القوات اللبنانية)، نايلة تويني (إبنة النائب جبران تويني) وجيلبيرت زوين (إبنة الراحل النائب موريس زوين).
تجمع الفائزات اللواتي تواصل معهنّ "المونيتور" على أنّ من أهمّ الأسباب التي تمنع وصول المرأة إلى البرلمان هو عدم وجود كوتا نسائيّة، تؤمّن لها حصّة مسبقة للوصول إلى البرلمان، وتقول يعقوبيان لـ"المونيتور": "يمكن أن تكون الكوتا مرحليّة لمرّة أو إثنتين حتّى يعتاد الناس على انتخاب سيّدة، وحتّى يعتاد الرجال أيضاً على رؤية السيّدات بجزء من صورة في مواقع القرار". وتضيف: "هناك سبب آخر لعدم وصول المرأة إلى البرلمان هو أنّ الطبقة السياسيّة تعد ولا تفي بوعودها، ليس لأنّها عديمة الوفى والإيفاء، بل أيضاً لأنّ الشعب لا يحاسبها. لو أنّ الرجال والنساء المتنوّرين يقاطعون اللوائح التي لا تتضمّن النساء، كانوا ليجبروهم على أن تكون المشاركة وصحّة التمثيل كاملتين وصحيحتين في حقّ الجنسين. كما أنّ أكثريّة الأحزاب التي رشّحت نساء للتعبير عن صورة حضاريّة أوعزت إلى الناخبين بإعطاء صوتهم إلى المرشّح الرجل، فكان عدم فوز النساء حتميّاً، من أعطى فعلاً للمرأة دوراً وحجماً هو تجمّع كلنّا وطني، حيث وصلت نسبة المرشّحات لديه من النساء إلى أكثر من 30%".
من جهتها، قالت جمالي لـ"المونيتور" إنّ "المرأة في لبنان لا تزال تواجه صعوبة في أن يتقبّلها المجتمع بدور النائب، وصعوبة في تمويل حملتها الانتخابيّة، وفي تبنّيها من قبل تيّار قويّ، كلّ هذه العناصر تلعب دوراً حتّى يصبح وصول المرأة إلى الندوة البرلمانيّة غير سهل"، ممّا يعني أنّ الأنماط الاجتماعيّة السائدة تفضّل الرجل على النساء في الخيارات السياسيّة.
وقالت عزّ الدين لـ"المونيتور" إنّ "معرفة الأسباب تتطلّب دراسة علميّة ودقيقة تتناول هذه النقطة تحديداً، وفي انتظار هذا الأمر يمكن الحديث عن انطباعات واستنتاجات، وانطباعيّ أنّه في الانتخابات الأخيرة، يمكن تسجيل نقطة إيجابيّة وهي العدد المرتفع للمرشّحات، هذا مؤشّر إيجابيّ إلى أنّه من المطلوب انتشار ثقافة ترشّح النساء، ولكنّ للأسف عدد الناجحات كان قليلاً والأسباب عديدة، منها ثقافيّ حيث لا نزال في لبنان نفتقد إلى ثقافة انتخاب النساء، لهذا السببب طالبنا بإقرار الكوتا النسائيّة، وأنا على قناعة بأنّ القوانين تساهم في تغيير سلوك الأفراد إلى حدّ بعيد، هناك سبب آخر وهو أنّ ترشيحات السيّدات لم تأت من ضمن الأحزاب، فالترشّح من ضمن حزب يعطي فرصاً أكثر للنجاح".
وكخطوة أولى لتعزيز وجود المرأة في لبنان، تتّفق الفائزات على ضرورة العمل من أجل إيجاد كوتا نسائيّة في أيّ قانون انتخابيّ جديد، مثلما أكّدت عزّ الدين لـ"المونيتور"، قائلة: "سأعمل، إلى جانب الوصول إلى الكوتا، على تشريعات تساهم في إيقاف أيّ نوع من أنواع التمييز ضدّ النساء في لبنان على مختلف المستويات". وقالت يعقوبيان: "سأقترح أن تكون الكوتا إلزاميّة في أيّ قانون انتخابيّ، أقلّه 30% كوتا جندريّة مرحليّة".
أمّا جمالي فقد أعربت لـ"المونيتور" عن تمنّياتها في وصول عدد أكبر من النساء إلى البرلمان، كي تتواجد كتلة نسائيّة تعمل على مشاريع قوانين تخصّ المرأة، وقالت: "نحن ككتلة تيّار المستقبل، وصلنا ثلاث نساء إلى البرلمان، سنعطي أولويّة لقضايا المرأة، وبالتالي هناك الكثير من مشاريع القوانين التي سنعمل عليها، من بينها، فرض الكوتا النسائيّة في كلّ المؤسّسات العامّة والخاصّة، وفي الحكومة، وفي الشأن العامّ أيضاً، والسعي لكي تتمكّن المرأة اللبنانيّة من منح الجنسيّة لأولادها، والحدّ من العنف ضدّ المرأة، ومشاريع مشاريع قوانين أخرى لتغيير النظرة النمطيّة السائدة في المجتمع تجاه المرأة".