التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق الإيراني، ونعتُه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالشخص غير المرغوب فيه لأنه رفض الانخراط في مباحثات سلام مع إسرائيل برعاية أميركية، دقّت ناقوس الخطر في دوائر الاتحاد الأوروبي.
تحدّث مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي مع موقع "المونيتور" طالباً عدم الكشف عن هويته، حول المباحثات التي أجريت بين الموفدين الأوروبيين والمبعوث الأميركي جايسون غرينبلات على هامش الاجتماع الذي عقدته مجموعة المانحين الدوليين لفلسطين في بروكسل في 31 كانون الثاني/يناير الماضي. إشارة إلى أن الاجتماع الطارئ عُقِد بطلب من فيديريكا موغريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ووزيرة الخارجية النرويجية إينه ماري إريكسن سوريد، بعدما كانت الإدارة الأميركية قد هدّدت بخفض تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى النصف.
وفقاً للمسؤول الأوروبي، بدا غرينبلات أكثر اعتدالاً بالمقارنة مع التهديدات الأميركية. ففي معرض الحديث عن مسألة القدس وخطة السلام التي وضعها ترامب للشرق الأوسط، قال غرينبلات صراحةً إن حدود القدس يجب أن يقرّرها الطرفان عن طريق المفاوضات بينهما، وإنه على إسرائيل أن تسدّد ثمناً ما في المفاوضات المقبلة. وزعم أن واشنطن لا تزال تعمل لتحديد مندرجات خطة السلام ومضمونها وتوقيتها. ولفت غرينبلات أيضاً إلى أنه سيُعاد النظر في قرار خفض المساعدات الأميركية إلى الأونروا بواقع 65 مليون دولار أميركي. واعتبر أنه لدى واشنطن مصلحة في التخفيف من وطأة المشقات الاقتصادية في قطاع غزة من أجل الحؤول دون انطلاق جولة من العنف، وتجديد التعاون الاقتصادي الإسرائيلي-الفلسطيني بين وزير المال الإسرائيلي موشيه كحلون ورئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله.
قال المسؤول الأوروبي إن الحمد الله، الذي مثّل الحكومة الفلسطينية في المؤتمر، لم يتأثّر على الإطلاق بكلام غرينبلات. ثم لفت إلى أنه كان لوزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي تزاتشي هانيغبي، الذي مثّل إسرائيل في المؤتمر، موقفٌ بنّاء على الصعيد الاقتصادي، وإلى أن هانيغبي عبّر تحديداً عن استعدادٍ لتسهيل وصول المشاريع الدولية إلى قطاع غزة والضفة الغربية.
لا تزال القيادة الأوروبية قلقة، لا سيما من تعزيز المحور الموالي لإيران في المنطقة، نظراً إلى موقف ترامب الشديد العدوانية تجاه إيران، ومقاطعته للقيادة الفلسطينية. من الممكن حتماً قيام تحالف بين "حزب الله" و"حماس" وسوريا تحت إشراف طهران. وقد قرّر الاتحاد الأوروبي، سعياً منه إلى إيجاد مخرج من الخلافات حول الاتفاق النووي، الشروع في حوار مع واشنطن على أرفع المستويات، وكذلك محاولة الدخول في حوار مع إيران، بغية النظر في إدراج إضافات طفيفة ممكنة في الاتفاق النووي، لا سيما على صعيد الصياغة.
في موازاة ذلك، ينوي الاتحاد الأوروبي طرح مبادرة جديدة على واشنطن، من شأنها أن تقود إلى إطلاق مفاوضات جزئية بين إسرائيل والفلسطينيين، بدعمٍ من المجتمع الدولي.
من المرتقب أن تتضمن المبادرة، التي سيضعها مخطِّطون كبار للسياسة الأوروبية في بروكسل بمشاركة فرنسية ناشطة، العديد من العناصر، أبرزها أن تُستخدَم الرباعية – المؤلَّفة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا – بمثابة مظلّة للمحادثات. ومن العناصر الأساسية أيضاً أن تتطرّق المفاوضات إلى نقل الأحياء الفلسطينية في منطقة القدس الشرقية (خارج المدينة القديمة) من نطاق السيطرة الإسرائيلية إلى نطاق السيطرة الفلسطينية في إطار المنطقة "ب" (منطقة الضفة الغربية الخاضعة للسيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية). سوف يقترح الاتحاد الأوروبي أيضاً خطة دولية لتطوير أحياء القدس الشرقية.
تعتقد بروكسل أنه من شأن واشنطن القبول بنسخة ما من هذه الخطة، شرط أن يعمد عباس إلى استئناف جميع الاتصالات مع الإدارة الأميركية من أجل الانخراط في مباحثات سلام مع إسرائيل تحت رعاية أميركية.
عبّر مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الإسرائيلية عن رد فعل استعلائي مقلِّلاً من شأن الخطط الأوروبية. وفي هذا الإطار، قال لموقع "المونيتور" إنه مدرك لهذه المواقف الأوروبية، لكنه شدّد على أن إسرائيل سترفض رفضاً قاطعاً الشروع في أي مباحثات برعاية أوروبية، وكذلك في مباحثات حول مستقبل أحياء القدس الشرقية. وزعم أنه في المشاورات اليومية المكثّفة بين مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي والبيت الأبيض، لا سيما حول منع إيران من بناء منشآت لتصنيع الصواريخ في لبنان، جرى التعبير أكثر من مرّة عن تفاهم كامل في ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية.
لعل هذا المسؤول على حق. إنما يمكن أن ترتدي مبادرة أوروبية من هذا القبيل قيمةً كبيرة بالنسبة إلى إسرائيل لناحية إعادة إطلاق عملية ديبلوماسية مع البراغماتيين في السلطة الفلسطينية الذين يعارضون المحور الموالي لإيران.