أولت الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي اهتمامًا كبيرًا لشكل جديد من أشكال الاحتجاجات ضد إلزامية ارتداء الحجاب في إيران في الأسابيع الأخيرة. إنّ الحملة الجريئة التي لوّحت فيها نساء، لا يبدو أنّهن ينتمين إلى أي حركة، بالحجاب على العصى لم تُثر التساؤلات وردود الفعل بين السياسيين فحسب، بل دفعت أيضًا بالناشطات إلى التعبير عن مواقفهن بوضوح. لم يأتي الترحيب بالاحتجاجات العامة من جميع الناشطات، وعلى الأخص من اللواتي يتمتّعن بتاريخ طويل من النضال في مجال النهوض بحقوق المرأة. لا بل عبّرت هؤلاء عن مخاوف كثيرة.
وفي حين عبّرت بعض [النساء] عن خشيتهن من أن توضع مشاكل أخرى تعاني منها المرأة جانبًا، يساور البعض الآخر القلق من أن يتم اختطاف الجهود المبذولة ضد إلزامية ارتداء الحجاب، وهي ممارسة كانت قد استُهلّت في الأشهر الأولى التي أعقبت الثورة الاسلامية في العام 1979. ويقول بعضهن بأنهن لا يرغبن بأن يتم تصنيفهن على أنهن جزء من حملتي "حرّيتي المستترة" أو "الأربعاء الأبيض" المناهضة لإلزامية ارتداء الحجاب بقيادة مسيح علي نجاد، وهي ناشطة مقيمة في الولايات المتحدة وإعلامية في إذاعة صوت أمريكا الفارسية التي تُعتبر خارجة عن القانون في إيران.
وتقدّم نرجس حسيني، المعتقلة في مركز اعتقال كهريزاك لأنها خلعت الحجاب في مكان عام الشهر الماضي، مثالًا على ذلك. قالت في مقابلة في 12 شباط \ فبراير من داخل المركز، إنها قررت الاحتجاج يوم الاثنين لتقول أنها ليست جزءًا من حملة "الأربعاء الأبيض". وأشارت حسيني إلى أنها كانت تدرك تمامًا عواقب فعلتها، إلاّ أنها أرادت التعبير عن اعتراضها على إلزامية ارتداء الحجاب. كما أنها اعترفت بالتزامها بأهداف التحرّك الأخضر، وكشفت عن شاركتها في الحملة [الانتخابية] لصالح المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي في انتخابات العام 2009 الرئاسية، والذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية منذ العام 2011.
وفي ظل الانتقادات والادعاءات بمحاولة اختطاف الحراك المناهض لإلزامية ارتداء الحجاب في إيران، تصرّ علي نجاد على أن ذلك غير صحيح. قالت للمونيتور "إن نساء أخريات هنّ من سلّمنها راية الاحتجاج ضد إلزامية ارتداء الحجاب". "وهي الطريقة نفسها التي استلمت فيها الفتيات في شارع إنقلاب [الثورة] الراية"، في إشارة منها إلى الجادة في وسط طهران حيث خلعت نساء عديدات، ومنهنّ حسيني، الحجاب علنًا.
تقول علي نجاد إن شيرين عبادي، الموجودة في المنفى والحائزة على جائزة نوبل للسلام، كانت إلهامًا لجهودها الحالية، عندما كانتا لا تزالان تقتنان في إيران. فكانت عبادي في حينها تشارك في مؤتمرات دولية من دون أن تضع الحجاب على رأسها، مما كان سببًا وراء إثارة الغضب والانتقادات داخل إيران. وكانت إجابة عبادي المعتادة [ردًا على الانتقادات] بأن الحجاب غير ملزم خارج البلد، وذلك لأن قانون العقوبات الإيراني لا يسري سوى داخل الحدود الجغرافية للدولة.
وقالت علي نجاد للمونيتور، "لقد كنت أكتب في الصحف الإصلاحية في حينها، وكنت أريد تحقيق [أهداف] أكبر". "وكان الكشف عن الفساد داخل البرلمان أكثر أهمية بالنسبة لي من إرتداء الحجاب". استمرّت علي نجاد في تغطية شعرها من خلال وضعها قبعة على رأسها وذلك بعد مغادرتها إيران في العام 2009. وعندما تخلّت نهائيًا عن تغطية رأسها، قررت أن تشارك الآخرين تجربتها الشخصية. وقد ضربت كتاباتها الشخصية على الوتر بين الشابات والنساء اللواتي تشاركنها المخاوف نفسها.
ترى ناشطات عديدات أنه على الرغم من الانزعاج التي تتسبب به إلزامية ارتداء الحجاب لنساء كثيرات، إلاّ أن إلغاء القانون في ظل الجمهورية الإسلامية لن يتم. وبناءً عليه، اتّخذن منذ وقت طويل قرارًا استراتيجيًا يقضي بتكريس طاقتهن ووقتهن ومواردهم لمحاربة القوانين التمييزيّة ضد المرأة في مجالات يمكن فيها تحقيق نتائج إيجابية، كالطلاق والميراث وإدلاء المرأة بشهادتها.
وتُعتبر "حركة المليون توقيع"، والتي تمّ تأسيسها في العام 2006، الحملة الأكثر أهميّة في وجه القوانين التمييزية ضد المرأة، بما في ذلك في مجالات مختلفة [كحق اعطاء] الجنسية والحضانة والميراث والإدلاء بالشهادة والزواج والميراث. [إلاّ أن قضية] الحجاب الإلزامي لا تندرج على قائمة القضايا التي تعارضها هذه الحملة وذلك لسبب واضح.
ترى الناشطات ومؤسسات الحملة أنه كان من المستحيل الطعن بفعالية بالزامية ارتداء الحجاب في ظل التعقيدات السياسية في حينها، بما في ذلك ممارسة الرئيس محمود أحمدي نجاد للسلطة، وإنه لم يكن هناك أمل بتاتًا في إضفاء تغيير على القانون. ولذلك، بحثن عن ثغرات للطعن بالقوانين التمييزية في مجالات أخرى ضمن الهيكلية القانونية القائمة ولتغييرها، نظرًا إلى السياق السياسي الذي كان سائدًا. ومع ذلك، تشكّل المقاربة الجديدة لمكافحة اللباس الإلزامي الموحّد — وإن كانت بسيطة — دليلًا على أن إلزامية ارتداء الحجاب لا تزال مصدر قلق أساسي بالنسبة لنساء إيرانيات كثيرات.
وقد ولّدت حملة "حرّيتي المستترة" — والتي بدأت كحركة أرسلت نساء إيرانيّات من خلالها صورًا وفيديوهات لهنّ أثناء تواجدهّن خارج حدود منازلهنّ من دون حجاب إلى علي نجاد لتقوم بتنزيلها على الانترنت — حملة ثانية أطلقتها علي نجاد بعنوان "الأربعاء الأبيض" والتي تقضي بأن تغطي النساء رؤوسهن بوشاح أبيض أو أن يرتدين ملابس بيضاء احتجاجًا على إلزامية اللباس الموحّد. تكمن الاستراتيجية التي بُنيت عليها مبادرتي علي نجاد في التواصل حول أحداث وأنشطة تحثّ الجميع على الانضمام إليها بغض النظر عن الانتماءات السياسية. وتستند الحملتان إلى أحدث التقنيّات: أي الهواتف الذكية — وهي الأداة البسيطة والفعالة الموجودة بين أيدي معظم الإيرانيات.
يجب ألاّ ننسى أن الحركة النسائيّة في إيران غير متناغمة. إنّها كثيرة التنوّع وتعتمد مكوّناتها المختلفة استراتيجيات مغايرة في معالجة قضايا المرأة. وقد أدت المقاربات المختلفة في بعض الأحيان إلى انقسامات داخلية أساسية بين الناشطات، مما عزز من احتمال إغفال الهدف الأول والمتمثل في تحرير المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين.
ليس مهمًا في هذه المرحلة أيّ من المجموعات أو الحملات تحمل راية النضال ضد اللباس الإلزامي الموحد. وبدلًا من الحديث المطوّل والصاخب والحار حول الجهة التي يعود لها الفضل في النهوض بحقوق المرأة، ينبغي القلق من أن تسقط هذه الراية أرضًا بسبب الخلافات حول الآراء والاستراتيجيات. إنّ نساء إيران جميعهن في القارب نفسه، اليوم أكثر من أي وقت مضى.