أعلن القياديّ في المجلس الأعلى الإسلاميّ في العراق الشيخ جلال الدين الصغير انسحابه من المجلس في 30 حزيران/يونيو الماضي ليكون بذلك القياديّ الثالث، الذي يعلن الانشقاق، بعد نائب رئيس الجمهوريّة السابق عادل عبد المهدي ووزير المال السابق باقر الزبيدي خلال العام الجاري لأسباب تتعلّق بالخلاف حول طريقة قيادة المجلس.
واللاّفت أنّ هذه القيادات هي من أبرز وجوه "المجلس الأعلى"، الذي تأسّس في إيران على يدّ محمّد باقر الحكيم في ثمانينيّات القرن الماضي ومن أهمّ الشخصيّات التي شاركت في عمليّة التأسيس، الأمر الذي يعني أنّ هذا الحزب الشيعيّ (المجلس) بدأ بتغيير جلده وفق رؤية زعيمه الحاليّ عمّار الحكيم، الذي أطلقها قبل حوالى عام لتجديد دماء المجلس بالشباب.
وإذ امتنع أعضاء "المجلس الأعلى" عن الحديث إلى وسائل الإعلام عن الانسحابات الأخيرة، أكّد جلال الدين الصغير في تصريح لـ"المونيتور" أنّه استشار المرجعيّات الدينيّة في النّجف واستأنس بآرائها منذ أكثر من سنة قبل اتّخاذ إعلان قرار الانسحاب من المجلس الأعلى، مشيراً إلى أنّه كان قد اتّخذ ذلك القرار، لكنّه أرجأ إعلانه بسبب حالة التسقيط السياسيّ، التي تعرّض لها عقب حديثه عن التقشّف، والذي تمّت فبركته وتقطيعه وتشويهه في ما يعرف بقضيّة النستلة، ولكن هذه الحالة أدّت به إلى التريّث كي لا يحسب قراره ناجماً عن ضغوط الجهة التي نظّمت عمليّة التسقيط وقادتها.
وعن أسباب الانسحاب، رفض الصغير الخوض في التفاصيل، وقال: "لاحظنا خروجاً عن نهج شهيد المحراب (السيّد محمّد باقر الحكيم) وعزيز العراق (السيّد عبد العزيز الحكيم)، ولم نعد قادرين على الاستمرار في النهج الجديد، الذي يمثل مفارقة كبيرة مع نهج المجلس الأعلى وأسسه، وقرارنا هذا نابع من موقف فقهيّ واضح، ولا رجعة فيه".
وأكّد أنّ "هناك شخصيّات مهمّة عديدة خرجت وأخرى ستخرج من المجلس". وعن وجهته الجديدة، قال الصغير: "من السابق لأوانه التفكير بتشكيل قائمة أو تكتّل سياسيّ جديد، نحن ننتظر حسم تشكيل مفوضيّة إنتخابات جديدة وتشريع قانون إنتخابيّ عادل ومنصف، وما تسفر عنه ظروف الوضع السياسيّ الميدانيّ."
وأردف: "إن لم نستطع التخلّص من الروح الحزبيّة، التي تسبّبت بالمحاصصة الحزبيّة وإبعاد الكفاءات لصالح الولاء الحزبيّ ومنح العراقيّين حقّهم في تكافؤ الفرص، فمن الأفضل صرف النظر عن ذلك". وأشار إلى أنّ ما "يجري فعلاً هو إعادة تعليب الفشل والخيبة بصياغات جديدة".
وذكر مصدر مقرّب من "المجلس الأعلى" أنّ "الكثيرين من قيادات المجلس الكبار يشعرون بالانزعاج من توجّهات رئيس المجلس الأعلى عمّار الحكيم بتقريب الشباب وعزل القادة المخضرمين، الأمر الذي أدّى إلى انشقاقات داخليّة عديدة".
وبيّن المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ "القيادات المخضرمة التي يمثّلها عادل عبد المهدي وجلال الدين الصغير وباقر الزبيدي، كانت تعترض خلال السنوات القليلة الماضية على إشراك الأعضاء الجدد من الشباب في اتّخاذ القرارات المهمّة وتهميش دور القيادات المؤسّسة للحزب، وأنّ الحكيم حاول رأب الصدع لكنّ قرب موعد الإنتخابات وبدء تسجيل الكيانات السياسيّة لدى المفوضيّة المستقلّة العليا للإنتخابات أدّيا إلى تسريع خروج بعض القادة من المجلس".
وبالفعل، فإنّ الشرارة الأولى لإشعال غضب قادة الصفّ الأوّل في "المجلس الأعلى" كانت تشكيل ما يعرف بـ"تجمّع الأمل"، وهو مجموعة من الشباب اعترض باقر الزبيدي علانيّة على ضمّهم إلى "المجلس". وفي 22 كانون الثاني/يناير الماضي، قال الزبيدي: "هناك خلاف كبير داخل قيادة المجلس الأعلى حول الأوضاع السياسيّة وكيفيّة إدارة شؤون الحزب واتّخاذ القرار وكيفيّة توزيع المهام على قيادات المجلس الأعلى." وأوضح أنّ "تشكيل ما يسمّى بــتجمّع الأمل داخل المجلس الأعلى غير مرغوب به من أغلب قيادات المجلس، وقال مخاطباً أعضاء "تجمّع الأمل": "ليس لكم الحقّ بامتلاك العضويّة داخل المجلس الأعلى" .
والسؤال المهمّ اليوم، هو: كيف ستؤثّر هذه الانسحابات أو الانشقاقات الكبيرة على حزب بحجم "المجلس الأعلى الإسلاميّ"، الذي يترأسه زعيم "التحالف الوطنيّ" الحاكم في العراق عمّار الحكيم ويمتلك 29 مقعداً في البرلمان العراقيّ، لا سيّما أنّ الزبيدي حصلت في الإنتخابات الأخيرة عام 2014 على 62 ألف صوت جرى توزيعها على أعضاء كتلة "المواطن" التابعة للمجلس الأعلى.
وتوجّه "المونيتور" بهذا السؤال إلى العضو السابق في "حزب الدعوة"، (والذي كان أحد الأحزاب المنضوية في المجلس الأعلى)، غالب الشابندر، الذي قال: "إنّ المجلس الأعلى لا يمتلك شعبيّة، وهو غير قادر على تحريك مظاهرة من ألف مواطن، لكنّ الشخصيّات التي غادرته هي من كانت تحصد الأصوات في الإنتخابات، وليست شعبيّة المجلس. وبالتّالي، فإنّ الضرر الكبير سيتّضح في الإنتخابات المقبلة".
وتابع غالب الشابندر، وهو أيضاً كاتب مختصّ في الأحزاب الإسلاميّة: "إنّ سبب انسحاب الصغير والزبيدي وعبد المهدي وغيرهم، جاء بعد تخلّي المجلس الأعلى عن الأسلوب الديموقراطيّ في اتّخاذ القرارات وإدخال عشرات القيادات الشابّة غير الكفوءة إلى المجلس".
ورجّح أن "يعمد كلّ من عادل عبد المهدي وباقر الزبيدي إلى تشكيل أحزاب جديدة غير دينيّة لمواكبة المطالب الشعبيّة في المدينة"، فيما توقّع أن "يقترب الصغير أكثر من المرجعيّة الدينيّة ويبقى في التيّار الإسلاميّ. أمّا المجلس فلم يعد له وزن سياسيّ كبير".
والحال، فإنّ الصغير يتزعّم بالفعل فصيل "أنصار العقيدة" المنضوي في مؤسّسة "الحشد الشعبيّ"، وربّما يكون نواة لحزب إسلاميّ جديد أو يستمرّ الصغير في العمل داخل الحشد. كما يدور الحديث عن نيّة الزبيدي تأسيس حزب سياسيّ جديد، فيما يلتزم عادل عبد المهدي الصمت حتّى الآن. ولعلّ تحديد موعد الإنتخابات المقبلة سيكون من شأنه معرفة الوجهة الحقيقيّة لكلّ هؤلاء. كما ستحدّد صناديق الاقتراع تأثير غيابهم عن "المجلس" ومستقبله في العمليّة السياسيّة.