شكّلت المصالحة المجتمعيّة بين "حماس" و"فتح" نقطة مركزيّة في تفاهمات "حماس" مع القياديّ المفصول من فتح محمّد دحلان برعاية مصر في حزيران/يونيو، والتي تضمّنت بنداً واضحاً محدّداً يدعو إلى التعويض ودفع الديّة لمن تضرّر أو قتل أو أصيب في الاشتباكات المسلحة بين فتح وحماس عام 2007 وأسفرت عن الانقسام، ويتكفّل دحلان بجلب الدعم الماديّ لهذا الملف.
كما أن خطاب دحلان في المجلس التشريعي الفلسطيني الذي عقد بغزة بمشاركة نواب حماس وفتح الموالين لدحلان، يوم 27 يوليو، تطرق لهذه المصالحة مع حماس، وقال أننا "بذلنا جهدا مشتركا، وخضنا حوارا مباشرا وصولا لتفاهمات تمكننا من إعادة الأمل لأهلنا في غزة، لتخفيف معاناتهم، وبدأت التفاهمات تعطي ثمارها".
وتعود أهميّة المصالحة المجتمعيّة لأنّها تغلق نهائياً صفحة دامية من صراعات الفلسطينيّين، حين خاض مسلّحو "فتح" و"حماس" اشتباكات عنيفة قتلت المئات بين 10 و15 حزيران/يونيو من عام 2007، وهي الفترة التي تسمّيها "فتح" بالانقلاب، وتصفها "حماس" بالحسم العسكريّ، وبقي هذا الملف جرحاً مفتوحاً من دون إغلاق أو معالجة، ويتأمل الجانبان، فتح وحماس، بإغلاق هذا الملف.
وفي هذا السياق، قال وزير الأوقاف السابق في حكومة "حماس" وممثّلها الحالي بلجنة المصالحة المجتمعيّة إسماعيل رضوان يوم 24 يوليو لـ"المونيتور": "إنّ حماس وجدت استجابة كبيرة للصلح لدى العائلات الثكلى لتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنيّة، وقدّمت نموذجاً طيّباً في المسامحة، وهي تتطلّع في الفترة المقبلة إلى التوسّع بالمصالحة المجتمعيّة في إطار وطنيّ شامل، ولديها رغبة وإصرار على إنهاء هذا الملف بشكل كامل، وصولاً إلى المصالحة العامّة، والأيّام المقبلة ستشهد انطلاقة عمليّة للجنة المصالحة المجتمعيّة لإنهاء قضيّة ضحايا الانقسام وتعويضهم".
الجدير بالذكر أن لجنة المصالحة المجتمعية تم تشكيلها عقب توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية عام 2011، وشاركت فيها جميع الفصائل الفلسطينية، فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وباقي الفصائل، ولكن تم تجميد عمل اللجنة بسبب تعثر المصالحة بين فتح وحماس، حتى جاءت تفاهمات دحلان وحماس الأخيرة في يونيو/حزيران، فتح إعادة تفعيل اللجنة.
وعلم "المونيتور" من أوساط لجنة المصالحة المجتمعيّة أنّ غالبية العائلات الثكلى وافقت على استلام التعويضات المالية تعويضا عن مقتل أبنائها، وإنهاء الخلاف، مقابل الصفح والعفو عمّن شارك في عمليّات القتل، وأخرى لم تردّ حتّى الآن، وقسم ثالث رفض التسوية، لكنّ عدده على أصابع اليد الواحدة، ويعود رفضه لإصراره على القصاص، ليأخذ القانون دوره في المحاكم بعيداً عن التعويضات الماليّة.
مع العلم أنّه سيتمّ منح التعويضات الماليّة للعائلات الثكلى فور وصول الأموال من حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، لأنها هي من تبرعت بهذه الأموال، خلال الأسابيع القليلة القادمة، حيث ستقوم لجنة المصالحة المجتمعية بتسليم الأموال للعائلات الثكلى بحضور تنظيميّ فلسطينيّ وعشائريّ وأمام حشد من الفلسطينيّين، قبل أن يتمّ إعلان إنهاء الخلافات.
من جهته، قال عماد محسن، وهو المتحدّث باسم التيّار الإصلاحيّ الديمقراطيّ في "فتح" بقيادة دحلان، ، يوم 24 يوليو لـ"المونيتور": "إنّ لجنة المصالحة المجتمعيّة ستشرع في الأسابيع المقبلة في التحرّك مع منظّمات حقوق الإنسان والقضاة ووجهاء العشائر للبحث في آليّات صرف التعويضات الماليّة. لقد وجدنا مستوى عالياً لجهة تجاوب العائلات الثكلى البالغ عددها 700 موزّعة على 380 قتيلاً من فتح و320 من حماس، و800 جريح من الجانبين، وسيتمّ تقديم تعويض مجزٍ لها بقيمة 50 ألف دولار لعائلة القتيل، أما الجريح فسيحصل على مبلغ أقل لم يحدد بعد، وبلغت موازنة الصندوق الماليّ للتعويضات 50 مليون دولار من الإمارات العربيّة المتّحدة".
وعقدت لجنة المصالحة المجتمعيّة أول اجتماع لها في غزّة بـ23 تمّوز/يوليو بحضور ممثلين عن تيّار "فتح" بقيادة دحلان، "حماس"، الجهاد الإسلاميّ، منظّمة الصاعقة، المبادرة الوطنيّة، الجبهة الشعبيّة-القيادة العامّة، حركة المقاومة الشعبيّة، وقرّرت دعوة باقي الفصائل إلى المشاركة فيها، لكنّ "فتح" بقيادة محمود عبّاس نفت في 23 تمّوز/يوليو مشاركتها في الاجتماع.
وفي يوم 29 يوليو، عقدت اللجنة اجتماعا جديدا لتشكيل لجان المصالحة الفرعية بالمحافظات الخمسة بالقطاع وهي: رفح، خانيونس، دير البلح، غزة، وجباليا، واختارت اللجنة خضر حبيب، أحد قادة حركة الجهاد الإسلامي رئيساً لها في قطاع غزة.
وفيما أكّد دحلان في 23 تمّوز/يوليو صرف أموال لأسر ضحايا الانقسام في غزّة كجزء من التعويضات المقدّمة عبر صندوق ماليّ بملايين الدولارات بدعم من الإمارات العربيّة المتّحدة، لضمان الهدوء الذي يتماشى مع التقاليد الفلسطينيّة، أكّد نائب رئيس المكتب السياسيّ لـ"حماس" في غزّة خليل الحيّة بـ19 حزيران/يونيو الاتّفاق مع دحلان على إعادة تفعيل لجنة التكافل (المصالحة) والسير بالمصالحة المجتمعيّة.
أمّا المحلّل السياسيّ الفلسطينيّ مؤمن بسيسو فقال لـ"المونيتور": "لا يخفى على أحد حجم العداوة والبغضاء التي ميّزت علاقة حماس وتيّار دحلان قبل الانقسام عام 2007، فهي مرحلة مجلّلة بالقتل وسفك الدماء وتخريب الممتلكات والمقدّرات، وفيما اتّهم دحلان وأنصاره خلال السنوات الماضية حماس بممارسة أعمال القتل بحقّهم إبان الانقسام، فإنّ حماس اتّهمت دحلان وتيّاره بالشروع في تنفيذ انقلاب عسكريّ ضدّ شرعيّتها الدستوريّة، وتشكيل فرق ومجموعات خاصّة لقتل كوادر حماس وتصفيتها، تمهيداً لإقصائها عن المشهد السياسيّ، وسيكون من السذاجة تصوّر طيّ صفحة الماضي بين ليلة وضحاها، أو الاعتقاد بأنّ المصالحة المجتمعيّة قادرة على مداواة الجروح وإغلاق ملف الدمّ بشكل نهائيّ، فالمشكلة لا تكمن في قيادات وكوادر الطرفين، بل بوجود عدد لا بأس به من عناصرهما المشحونة، فهناك من أولياء الدمّ من يأبى العفو وينادي بالقصاص، ومن يرى دحلان عدوّاً تتوجّب مواجهته، وهذا يجعل الأمر محفوفاً بالمخاطر ومفتوحاً على احتمالات سيّئة خلال المرحلة المقبلة".
وقال عضو مجلس إدارة مركز "حماية" لحقوق الإنسان في غزّة عمر قاروط لـ"المونيتور": "إنّ المصالحة المجتمعيّة الحاصلة بناء على توافقات عائليّة وعشائريّة لا تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والمحاكمة العادلة، فالقتلى سقطوا في خلافات سياسيّة واشتباكات تنظيميّة، وليست عائليّة، ونحن كمؤسّسات حقوقيّة ندعم هذا التوجّه لأنّ من شأنه طيّ صفحة مؤسفة من تاريخ الفلسطينيّين، خصوصاً في غزّة".
وأخيراً، يعتبر ملف العائلات الثكلى في غزّة من أخطر القضايا العالقة بين "حماس" و"فتح"، كونه جرحاً نازفاً، فالكثير من أبناء القتلى وإخوانهم يلتقون بصورة يوميّة في شوارع القطاع، وإمكانيّة تنفيذ الثأر والانتقام من بعضهم واردة، الأمر الذي يجعل إنهاء الملف مطلباً شعبيّاً ملحّاً، فضلاً عن تأثيراته الإيجابيّة لجهة المزيد من التقارب بين "حماس" ودحلان، مع أن بقاء فتح التي يقودها محمود عباس خارج هذه المصالحة قد لا يكتب لها النجاح، إلا إذا وافقت جميع العائلات الثكلى على الحصول على التعويضات المالية، كما تأمل حماس ودحلان، علما بأن إلقاء دحلان لخطابه في المجلس التشريعي وسط استماع نواب حماس إليه، قد يعطي المصالحة المجتمعية خطوة كبيرة للأمام، علما بأن إلقاء دحلان لخطابه في المجلس التشريعي وسط استماع نواب حماس إليه، قد يعطي المصالحة المجتمعية خطوة كبيرة للأمام، لأن مصالحة قادة الجانبين، والتقائهما بجلسة برلمانية أمام الفلسطينيين، قد يشجع عائلات قتلى الجانبين على الموافقة على الحصول على التعويضات المالية، وإغلاق هذا الملف وإلى الأبد.