يرى رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو في زيارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب إلى إسرائيل في 22 أيار/مايو فرصة استراتيجيّة لتقوية العلاقات وتعزيز التنسيق بين البلدين، وأيضاً فرصة لتقوية موقعه السياسيّ في بلده وداخل تحالفه اليمينيّ. وسيكون نتنياهو لبقاً في ضيافته وسيغدق على ضيفه وابلاً من الثناء. وستكون الرسالة الداخليّة المتعلّقة بالعلاقات العامّة كما يأتي: وحده نتنياهو يستطيع بناء علاقة تعاون وثيقة مع ترامب والحؤول دون ممارسة الرئيس الأميركيّ الذي يصعب توقّع تصرّفاته ضغوطاً في ما يتعلّق بحلّ الدولتين.
منذ وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة، يحرص البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء على التواصل بشكل دائم ومستمرّ، خصوصاً عبر السفير الإسرائيليّ إلى واشنطن رون ديرمر ومستشار ترامب المقرّب وصهره جاريد كوشنر. ويشعر نتيناهو والمقرّبون منه بارتياح كبير لأنّ عهد باراك أوباما قد انتهى، لكنّهم يشعرون أيضاً بخيبة أمل بسبب سياسة ترامب المتعلّقة بالمستوطنات. فرسالته المعارضة للتوسّع الاستيطانيّ كانت أكثر حزماً ممّا توقّعت القدس، إذا إنّها تضمّنت مطالبة بحصر المستوطنات. ويعني ذلك حصر أعمال البناء بشكل خاصّ ضمن المناطق الاستيطانيّة الموجودة أصلاً. يمكن القول إذاً إنّ ترامب ليس بمستوى توقّعات زعيم حزب "البيت اليهوديّ" نفتالي بينيت.
وتحدّث دبلوماسيّ إسرائيليّ بارز يترأس ممثّلي وزارته في الفريق المشترك المعنيّ بالتحضير للزيارة التابع لوزارة الخارجيّة ومكتب رئيس الوزراء إلى "المونيتور"، طالباً عدم الكشف عن اسمه. وقال إنّ القدس تعلّق آمالاً كبيرة على نجاح الزيارة، مضيفاً: "خلافاً لأوباما، ينظر ترامب في رأينا نظرة إيجابيّة إلى إسرائيل. وهو يحبّ قصص النجاح". وقال المسؤول أيضاً إنّ إسرائيل تأمل، بالإضافة إلى تقوية العلاقات الشخصيّة والانسجام بين ترامب ونتنياهو، تحقيق أهداف متعدّدة أثناء هذه الزيارة.
في الدرجة الأولى، تريد إسرائيل أن تبيّن هذه الزيارة للفلسطينيّين والدول العربيّة أنّ المحور الإسرائيليّ الأميركيّ غير قابل للكسر. وفي الوقت نفسه، تريد إسرائيل أن يفهم ترامب حجم الضغوط التي يمارسها اليمين الإسرائيليّ ضدّ حلّ الدولتين. ولا شكّ في أنّ بينيت سيتعاون في هذه المسألة.
وعلى الصعيد الإقليميّ، تريد إسرائيل تعزيز التنسيق مع الولايات المتّحدة بشأن إيران، من ناحية مراقبة الصفقة الإيرانيّة وكبح الرعاية الإيرانيّة لإرهاب حزب الله وحركة حماس. وتأمل إسرائيل، في ما يخصّ إيران أيضاً، إقناع ترامب بزيادة قدرة إسرائيل على المناورة في سوريا، ضدّ إرسال إيران الأسلحة إلى حزب الله، خصوصاً في ما يتعلّق بروسيا. وتريد إسرائيل أن تعترف الولايات المتّحدة بالوضع الراهن في هضبة الجولان (أي الحكم الإسرائيليّ الحاليّ في الجولان).
وفي ما يخصّ التدخّل الدوليّ في المنطقة، تأمل إسرائيل الاستفادة من زيارة ترامب لتفادي أيّ مبادرة من الاتّحاد الأوروبيّ بخصوص حلّ الدولتين، ولا سيّما مبادرة بقيادة فرنسا. فمع انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً لفرنسا، ونظراً إلى شغف فرنسا بهذا النوع من المبادرات، تتوقّع إسرائيل تحرّكاً أوروبيّاً في هذا الاتّجاه. وتريد إسرائيل أيضاً الحؤول دون اعتماد المجتمع الدوليّ مبادرة السلام العربيّة كأساس للمفاوضات.
وممّا لا شكّ فيه أنّ نتنياهو وترامب سيتطرّقان في محادثاتهما إلى مسألة الحرب العالميّة على الإرهاب الإسلاميّ، وأنّ نتيناهو سيشدّد على أنّ إسرائيل ستساهم في تقوية التحالف العربيّ البراغماتيّ ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة، من خلال الموافقة على مقاربة إقليميّة لعمليّة صنع السلام الإسرائيليّة الفلسطينيّة.
ومن المتوقّع أن يعبّر نتنياهو لترامب عن استعداده لعقد اجتماع في واشنطن مع الرئيس الأميركيّ والرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، من دون شروط مسبقة.
أمّا الهدف الإسرائيليّ الأخير، والذي ليس أقلّ أهميّة من الأهداف الأخرى، فهو نيل الاعتراف الأميركيّ بالقدس كعاصمة لإسرائيل.
وفيما تحضّر إسرائيل استراتيجيّتها من أجل زيارة ترامب، يحرص الفلسطينيّون على التحرّك بدورهم. فقد عاد عبّاس من اجتماعه في 3 أيار/مايو في البيت الأبيض مفعماً بالتفاؤل، وهو يحضّر استقبالاً لائقاً لترامب في بيت لحم. وقد تحدّث وزير رفيع المستوى في السلطة الفلسطينيّة إلى "المونيتور"، طالباً عدم الكشف عن اسمه، عن النتيجة الأكثر أهميّة التي تأمل القيادة الفلسطينيّة تحقيقها من خلال هذه الزيارة. وقال إنّ رام الله تأمل أن يتعهّد ترامب بإطلاق دبلوماسيّة مكوكيّة تهدف إلى استكشاف المواقف المحتملة من المسائل المتعلّقة بالوضع الدائم. ومن شأن هذه الدبلوماسيّة المكوكيّة أن تسفر في الأشهر المقبلة عن اقتراح لاتّفاق إطار.
وسيطالب الجانب الفلسطينيّ أثناء فترة الدبلوماسيّة المكوكيّة هذه بتجميد إسرائيل بناء المستوطنات وبسحب الولايات المتّحدة طلبها بوقف المدفوعات لعائلات الفلسطينيّين الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابيّة.
وبحسب المصدر الفلسطينيّ، ستكون مبادرة السلام العربيّة التي صدرت في العام 2002 أساس الموقف الذي سيعبّر عنه الفلسطينيّون لترامب أثناء زيارته، مطالبين باعتراف الولايات المتّحدة بالدولة الفلسطينيّة وحقّ الفلسطينيّين في تقرير مصيرهم. وستشدّد القيادة الفلسطينيّة أيضاً على أهميّة تنسيق جميع هذه الخطوات بشكل وثيق مع مصر والأردن والمملكة العربيّة السعوديّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ السعوديّة ستستضيف ترامب أوّلاً. في هذا السياق، قال المصدر الفلسطينيّ لـ "المونيتور" إنّ عبّاس دعي إلى الرياض لهذه المناسبة، بالإضافة إلى قادة عرب ومسلمين آخرين.
وأضاف المسؤول أنّ الفلسطينيّين توقّعوا في البداية أن تكون إدارة ترامب موالية تماماً لإسرائيل، لكنّهم يسمعون في المجالس الخاصّة كلاماً ومواقف تشبه إلى حدّ كبير كلام إدارة أوباما-جون كيري ومواقفها. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون ترامب أكثر صراحة ومزاجيّة من سلفه، ما قد يعود بالنفع على الفلسطينيّين. وقال المصدر إنّه في حال فشلت الزيارة، فستطلب القيادة الفلسطينيّة عقد اجتماع لجامعة الدول العربيّة على الفور من أجل محاولة كسب تأييد الاتّحاد الأوروبيّ لقرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة بشأن دولة فلسطينيّة على أساس حدود 1967.