القاهرة - منذ عام 2014، اعتاد فريق إنقاذ السلاحف البحريّة والحياة البريّة في الإسكندريّة على ملاحقة بائعي لحم ودم السلحفاة البحريّة "الترسة" وشرائها منهم قبل ذبحها، وهو الأمر الذي يتمّ أسبوعيّاً في أسواق السمك بالإسكندريّة، وخصوصاً سوق الميدان، اعتقاداً من بعض السكّان بأنّ أكل لحمها وشرب دمائها يعملان على تعزيز القدرة الجنسيّة، ويقضيان على النحافة، فضلاً عن شيوع استخدامهما في أعمال السحر والشعوذة، ويأتي ذلك رغم إدراجها ضمن الأنواع المهدّدة بالانقراض في إتفاقيّة "السايتس".
"شاركت في إنقاذ 41 سلحفاة من الذبح خلال 3 سنوات وإعادة تأهيلها وإطلاق سراحها في البحر الأبيض المتوسّط"، هذا ما أكّدته مسؤولة فريق إنقاذ السلاحف البحريّة في الإسكندريّة مي حمادة خلال حديثها لـ"المونيتور"، وقالت: "ما زلت أشعر بالذنب تجاه إحدى السلاحف التي تخلّيت عنها وتمّ ذبحها وبيع لحمها في الحال".
وروت قصّة هذه السلحفاة، التي شاهدتها مع 6 سلحفاة بحريّة كبيرة الحجم في سوق المعهد الدينيّ بمنطقة العصافرة - شرق الإسكندريّة في كانون الثاني/يناير الماضي, ولم يكن في حوزتها وفريقها المبلغ المطلوب لشراء كلّ السلاحف، فدفعت إلى بائعها لشراء 5 سلاحف، وطلبت منه إرجاء ذبح السلحفاة السادسة حتّى تحضر بقيّة المبلغ، فرفض نظراً لوجود آخرين حجزوا ثمن شراء لحمها بعد الذبح مسبقاً.
ويتراوح سعر السلحفاة بين 800 و1200 جنيه أيّ "حوالى 45 و67 دولاراً", بحسب مي حمادة.
من جهته، قال أحد أصحاب محلاّت بيع الأسماك في الإسكندريّة محمّد زريق في حديثه لـ"المونيتور": يقتصر أمر شرب دم السلحفاة الطازج على المسنين وبعض النساء الراغبات في الإنجاب بعد ذبحها مباشرة في بعض أسواق السمك بالمناطق الشعبيّة فقط، ولا يقبل عليها الشباب، ولم تعد تقدّم في المطاعم".
وتقوم حمادة وفريقها المكوّن من حاتم مشير، باربرا جرين، أحمد أشرف، عامر محمود، وأيمن حسين بحملات توعية من أجل الحفاظ على فصائل السلاحف البحريّة النادرة الممنوع اصطيادها، وقالت: "نعمل بالجهود الذاتيّة وندبّر الأموال المطلوبة لشراء السلاحف ذاتيّاً".
ظاهرة ذبح السلاحف مستمرّة في الإسكندريّة، رغم ما تقوم به الأجهزة الحكوميّة من حملات تفتيش على أسواق بيع الأسماك.
وقال رئيس جهاز حماية الطبيعة في وزارة البيئة بمصر أحمد سلامة خلال حديثه لـ"المونيتور": "ما نقوم به من حملات ليس كافياً في إطار عدم وجود تشريع مصريّ رادع".
أضاف: "انتهينا من إعداد تشريع بعقوبات تصل إلى السجن وغرامات ماليّة تصل إلى مليون جنيه لكلّ من يعرّض الكائنات المهدّدة بالانقراض للخطر".
في العالم هناك 7 أنواع من السلاحف البحريّة، يوجد منها 4 في مصر بالبحرين الأبيض المتوسّط والأحمر، وهي: السلحفاة الخضراء وسكريّة المنقار وجلديّة الظهر وكبيرة الرأس، وذلك وفقاً لتقرير بعنوان "برنامج الرصد البحريّ وحماية السلاحف من بورسعيد حتّى الإسكندريّة"، والصادر عن محميّات المنطقة الشماليّة التابعة لجهاز شؤون البيئة، وحصل "المونيتور" على نسخة منه.
وأشار التقرير إلى أنّ الشريط الساحليّ للبحر المتوسّط فيه مناطق مهمّة لخروج السلاحف لوضع البيض من منتصف حزيران/يونيو حتّى أيلول/سبتمبر سنويّاً، وتضع السلحفاة حوالى 120 بيضة، ويستمرّ البيض داخل العشّ لمدّة 66 يوماً، ويخرج صغار السلاحف للعودة إلى مياه البحر.
وتستعدّ وزارة البيئة المصريّة لإطلاق الخطّة الوطنيّة لحماية السلاحف في منتصف صيف عام 2017، وذلك بحسب مسؤول محميّات المنطقة الساحليّة الشماليّة بمصر الدكتور محمّد عيسوي خلال حديثه لـ"المونيتور"، والذي أكّد أنّ الخطّة تعتمد على آليّات عدّة، أهمّها تشكيل فرق عمل للتدخّل السريع تكون مهمّتها متابعة الشواطىء وجمعيّات الصيّادين والأسواق لرصد ومنع بيع وتداول الحيوانات البحريّة المهدّدة بالانقراض، وعلى رأسها السلحفاة البحريّة وإعادة إطلاق سراحها في أقرب بيئة طبيعيّة مناسبة.
وقال محمّد عيسوي: "البرنامج يتضمّن حملات توعية لروّاد الشواطىء وتوزيع مطبوعات حول كيفيّة التعامل مع أعشاش بيض السلاحف والحفاظ عليها".
وأوضح الباحث في محميّة العميد الطبيعيّة بالإسكندريّة أحمد جاد لـ"المونيتور" أنّه تمّ اختيار مدينة الإسكندريّة لعقد مؤتمر نقاط الإتّصال للمناطق المتمتّعة بحماية خاصّة في دول حوض البحر المتوسّط، بالتّعاون مع مركز النشاط الإقليميّ للمناطق المتمتّعة بحماية خاصّة RAC/SPAفي 9 أيّار/مايو المقبل، وتتناول أعماله مؤشّرات عمليّات الرصد للسلاحف البحريّة والخطط المستقبليّة لحمايتها.
وكانت القاهرة قد نجحت في تأمين وضع السلاحف البحريّة بمنطقة شريط البحر الأحمر المصريّة، ومن خلال مبادرة حماية أطلقتها في عام 2016.
وقال مدير محميّات البحر الأحمر أحمد غالب في حديث لـ"المونيتور": تمّ وقف عمليّات الصيد الجائر للسلاحف البحريّة، والتي انتشرت بكثرة في أعقاب الانفلات الأمنيّ خلال عام 2011. وأدّى الصيد الجائر إلى تدمير موائلها الطبيعيّة، خصوصاً أثناء خروج السلاحف للتعشيش ووضع البيض في جزر البحر الأحمر، لا سيّما على جزيرتيّ الجيفتون الكبير والصغير، حيث تعيش السلحفاة الصقريّة المنقار.
ووفقاً لتقرير رسميّ صادر عن قطاع محميّات البحر الأحمر، حصل "المونيتور" على نسخة منه، فتمّ من خلال مبادرة حماية السلاحف تسجيل 104 سلحفاة خرجت لوضع البيض من أيّار/مايو إلى أيلول/سبتمبر الماضي في جزر البحر الأحمر، وترقيم 81 منها، ورصد أكثر من 2000 عشّ في جزيرة "الزبرجد"، التي تعدّ أهمّ أماكن تجمّع السلاحف الخضراء.
ووفقاً لما أكّده شيخ الصيّادين في محافظة البحر الأحمر بمصر غريب صالح خلال حديث لـ"المونيتور"، بات هناك عرف بين الصيّادين في المنطقة يمنع صيد السلاحف، نظراً لأهميّتها كعامل للجذب السياحيّ"، وقال: "إنّ السكّان في المنطقة لا يحبّون أكل لحمها، ولا يشربون دماءها، بينما كانت تستخدم في صناعة الديكورات والحليّ".
صعوبات بالغة تنتظر التطبيق الفعليّ للمبادرة المصريّة لحماية السلاحف في ساحل البحر المتوسّط، أمام هذا الشغف لدى بعض سكّان الإسكندريّة بأكل لحومها طمعاً بتحسين قدراتهم الجنسيّة وشرب دمائها أملاً في التخلّص من الأمراض.