تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

أزمة الأحزاب الإسلاميّة وفشلها يرشّحان صعود تيّار علمانيّ في العراق

تشهد الأحزاب الإسلاميّة أزمة كبيرة، فهي فقدت دعم المؤسّسة الدينيّة. كما تواجه حركة احتجاجات ضدّها في الشارع تسهم فيها قوى إسلاميّة. إذن، هي تعاني من ضعف الشرعيّة الدينيّة والشعبيّة في آن معاً، وهذا ما يطرح إمكان صعود وتبلور خطاب علمانيّ في العراق ينافس الأحزاب الإسلاميّة في المستقبل.
Iraq's Vice President Nouri al-Maliki attends a parliament session in Baghdad September 8, 2014. Iraq's parliament approved a new government headed by Haider al-Abadi as prime minister on Monday night, in a bid to rescue Iraq from collapse, with sectarianism and Arab-Kurdish tensions on the rise. REUTERS/Hadi Mizban/Pool (IRAQ - Tags: POLITICS) - RTR45G3J

النجف — هيمنت الأحزاب الإسلاميّة في العراق منذ إجراء الإنتخابات الأولى بعد سقوط صدّام حسين في عام 2005. وجاءت هذه الهيمنة كردّ فعل إزاء تاريخ طويل من قمع نظام صدّام لها، فضلاً عن قمع الاتّجهات اليساريّة والليبراليّة، لكنّ التجربة الفاشلة الّتي قدّمتها تلك الأحزاب في إدارة البلد أعطت رصيداً كبيراً للتيّارات العلمانيّة والمدنيّة. ويشهد الشارع العراقيّ حاليّاً نموّاً كبيراً لتلك التيّارات من خلال حركة الاحتجاجات المستمرّة منذ العام الماضي.

والحال، بدأت الأحزاب الإسلاميّة تخشى من خسارة رصيدها الإنتخابيّ في الشارع العراقيّ. ومن هنا، أظهرت نوعين من ردود الفعل: مرّة بالإقتراب من التيّارات المدنيّة بتبنّي خطابها واحتجاجاتها، ومرّة أخرى بتبنّي خطاب تخويفيّ من العلمانيّين لإبعاد جماهيرهم عنهم.

وصعّد بعض الأحزاب الإسلاميّة كحذب الدعوةأخيراً من خطاب التخويف من العلمانيّين، زاعماً أنّهم يستهدفون الدين قاصدين تهديمه في المجتمع. وفي كلمته بمحافظة بابل في 9 نيسان/إبريل، قال زعيم حزب الدعوة الإسلاميّة نوري المالكي: إنّ الهدف من الاحتجاجات الجارية ليس الإصلاح، بل "إنّما يستهدفون المشروع الإسلاميّ، إنّما يستهدفون الإسلام، ويتحدّثون أنّ هؤلاء الإسلاميّين يجب أن يرحلوا عن مواقع المسؤوليّة ليذهبوا إلى مساجدهم وحسينيّاتهم".

وجاء هذا الخطاب، ردّاً على المطالبات الأخيرة في الشارع العراقيّ بتشكيل حكومة تكنوقراط، بدل حكومة المحاصصة الطائفيّة والحزبيّة الحاليّة. وعبّر نوري المالكي عن قلقه من تلك المطالبات الّتي من شأنها أن تطيح بنفوذ الأحزاب الإسلاميّة لصالح شخصيّات تكنوقراط ذات اتّجاهات علمانيّة، وقال محاججاً: "وإذا تحدّثنا عن تشكيل الدولة خرجوا علينا بمقولة التكنوقراط، ويقولون إنّ المستقلّين هم الّذين ينبغي أن يقودوا البلد، ولكن أليس في الإسلاميّين تكنوقراط وأصحاب شهادات عليا ومهنيّون؟ بل عندنا أكثر!".

ويبدو من مقارنة خطاب المالكي مع واقع الأحداث في العراق أنّه يستخدم ورقة التخويف من العلمانيّين في صراعه مع كلّ من العلمانيّين ومنافسيه من التيّارت الإسلاميّة المتعاطفة مع مشروع الإصلاح، الّذي طرحه العلمانيّون.

والحال، إنّ التيّارات العلمانيّة هي الّتي طرحت مشروع حكومة التكنوقراط ، فإذا برئيس الوزراء الحاليّ حيدر العبادي نفسه يعيد طرحه.

ينتمي حيدر العبادي إلى حزب الدعوة الإسلاميّة. وبعد تسلّمه منصب رئاسة الوزراء في تنافس مع المالكي، بدأ الصراع بين الشخصين، ممّا أدّى إلى وجود مخيّمين داخل حزب الدعوة. وقد ذهب العبادي خلال فترة رئاسته الحكومة إلى موقف أقرب إلى العلمانيّين منه إلى الإسلاميّين، وحصل على دعم زعيم التيّار الصدريّ السيّد مقتدى الصدر ذي التوجّهات الإسلاميّة والمحبّذ لفكرة حكومة التكنوقراط. وكان مقتدى الصدر قد دعا إلى مظاهرات أمام أبواب المنطقة الخضراء، وقام بنفسه بالاعتصام هناك لتمرير حكومة التكنوقراط.

ولم ينس المالكي في خطابه الإشارة إلى تقارب الإسلاميّين مع العلمانيّين، وقال متأسّفاً: إنّ العلمانيّين وجدوا من يردّد خلفهم مقولة التكنوقراط. ثمّ راح يخوّف هذا الفريق من الإسلاميّين من تثبيت رؤية تفويض الأمور إلى التكنوقراط المستقلّين.

أضاف: "إذا نفّذت مؤامرة إعطاء المسؤوليّة والدولة إلى التكنوقراط المستقلّ، فسيوضع الإسلام والمشروع الإسلاميّ تحت الاستهداف، ويتمّ تسقيطه".

والمثير في المشهد السياسيّ العراقيّ أنّه لا يثبت على حال واحدة، وإنّ فكرة واحدة تتقاسمها تيّارات عدّة تعيد تشكيل اصطفافات سياسيّة جديدة من دون أن تتحقّق. فبعد أن طرح العبادي قائمة مرشّحيه من التكنوقراط، وجّه عدد من الأحزاب الإسلاميّة، ومنها حزب الفضيلة، اتّهامات عدّة إلى المرشّحين، منها أنّ بعضهم بعثيّ أو سلفيّ، وفي النهاية، هم غير صالحين لتسلّم المناصب الوزاريّة. وقد أدّت الاعتراضات على قائمة التكنوقراط إلى توافق داخليّ بين عدد من الأحزاب الإسلاميّة منها: كتلة بدر والمجلس الأعلى وتحالف القوى العراقيّة، على تقديم قائمة جديدة لوزراء على أساس المحاصصة الحزبيّة في ما بينها.

وقد عرف الإتّفاق المذكور بوثيقة الشرف، الّتي وقّعت عليها الرئاسات الثلاث، إضافة إلى زعماء الأحزاب ذات التوجّهات الإسلاميّة: عمّار الحكيم، هادي العامري، أسامة النجيفي، حسين الشهرستاني، صالح المطلك، جمال الكربولي، هاشم الهاشمي، وفالح الفيّاض.

وبعد الإعلان عن التّوافق الجديد، قام نوّاب من إئتلاف دولة القانون، الّذي يتزعّمه المالكي ونوّاب آخرون بالاعتصام في قاعة مجلس النوّاب، مطالبين بإقالة الرئاسات الثلاث، تمهيداً لتوافقات جديدة بين الكتل البرلمانيّة تضمن حصّة الإئتلاف في الحكومة المقبلة.

لقد بدا واضحاً أنّ دفاع المالكي عما أسماه بالمشروع الإسلاميّ كان في حقيقته الحفاظ على النفوذ والسلطة لكتلته النيابيّة في الحكومة ومنع صعود منافسيه، سواء أكانوا من العلمانيّين أم غيرهم. والحال، لم يشهد العراق في سنوات حكومة المالكي وخلفه العبادي نمط إدارة حكوميّاً يتميّز بسمات خاصّة يمكن أن نسمّيه مشروعاً إسلاميّاً مقابل المشروع العلمانيّ. الفشل وحده كان هو السمة البارزة، هذا ما أدركته المرجعيّة الشيعيّة في النّجف، فكفّت عن دعم الأحزاب الإسلاميّة كافّة، وحزب الدعوة خصوصاً، بل إنّ المرجعيّة انتقدت هذه الأحزاب وحمّلتها مسؤوليّة تردّي الوضع الأمنيّ والأزمة الماليّة الّلذين يمرّ بهما البلد.

وفي الواقع، إنّ العلاقة بين المرجعيّة والمالكي خصوصاً، شهدت أزمة طويلة بدأت منذ الولاية الثانية للأخير حتّى الآن، إذ امتنعت المرجعيّة عن اللقاء به منذ ذلك الحين، ووجّهت انتقادات لاذعة له، وعملت بوضوح على إبعاده من الولاية الثالثة، فجاء العبادي للحكم إثر ذلك.

تشهد الأحزاب الإسلاميّة أزمة كبيرة، فهي فقدت دعم المؤسّسة الدينيّة. كما تواجه حركة احتجاجات ضدّها في الشارع تسهم فيها قوى إسلاميّة. إذن، هي تعاني من ضعف الشرعيّة الدينيّة والشعبيّة في آن معاً، وهذا ما يطرح إمكان صعود وتبلور خطاب علمانيّ في العراق ينافس الأحزاب الإسلاميّة في المستقبل.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in