ولد الشاعر الفلسطينيّ محمود درويش في 13 آذار/مارس 1941 في قرية البروة في الجليل. وحلّت مكان مسقط رأسه لاحقاً مستوطنات يهوديّة. وتقع مستوطنتا موشاف أهيهود وكيبتوز ياهور اليوم في المكان نفسه الذي كانت القرية الفلسطينيّة تحتلّه في شمال إسرائيل، شرق مدينة عكا الساحليّة. واليوم، في ذكرى ميلاد محمود درويش الخامسة والسبعين، يتمّ الاعتراف به كأيقونة أدبيّة عربيّة دوليّة.
يدير الناقد الأدبيّ الفلسطينيّ فيصل درّاج جائزة محمود درويش للإبداع التي أطلقتها مؤسسة محمود درويش. وقال درّاج لـ "المونيتور" إنّ المؤسسة تقدّم جوائز سنويّة بقيمة 25 ألف دولار إلى فنّانين أدبيّين فلسطينيّين وعرب ودوليّين تكريماً لدرويش.
وقال درّاج: "كان رمزاً للنضال الفلسطينيّ وانعكاساً للثقافة العربيّة. وشملت أعماله وقيمه حبّه لفلسطين والدفاع عنها، لكن أيضاً نظرته العربيّة والعالميّة".
جسّد درويش الثورة الفلسطينيّة أكثر من أيّ شاعر آخر، وكان على علاقة وثيقة بمنظّمة التحرير الفلسطينيّة وقائدها ياسر عرفات. وعكست قصيدته "لماذا تركتَ الحصان وحيداً" التي أصدرها سنة 1982 المرارة الفلسطينيّة تجاه التخلّي العربيّ بعد الاجتياح الإسرائيليّ للبنان. وتمّ انتخابه كعضو في اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة سنة 1987، لكنّه استقال سنة 1993 بعد توقيع اتّفاق أوسلو.
وفسّر دوريش استقالته بالقول إنّه لا يعارض السلام مع إسرائيل، بل غياب آلية من أجل سلام واستقلال حقيقيّين. واشتكى من عدم وجود صلة بين الفترة الانتقاليّة ووضع نهائيّ ومن عدم التزام إسرائيل بشكل واضح بالانسحاب من الأراضي المحتلّة.
ومع أنّ درويش أصبح شاعر الثورة وأيقونة ثقافيّة عربيّة، إلا أنّ أعماله كانت إنسانيّة في الدرجة الأولى، على حدّ قول درّاج. وقد تمّ تحويل إحدى أشهر قصائد درويش، وهي قصيدة "أمّي" التي يتحدّث فيها الشاعر عن حنينه إلى خبز أمّه وقهوتها، إلى أغنية شعبيّة للفنّان اللبنانيّ مارسيل خليفة.
وأضاف درّاج: "لم يشأ يوماً أن يكون محصوراً بفلسطين والعالم العربيّ، بل أراد أن يعكس قيمة عالميّة أكبر بكثير".
وكانت جوائز مؤسسة محمود درويش الأدبيّة للعام 2016 من نصيب الشاعر الفلسطينيّ غسان زقطان والأديب اللبنانيّ الياس خوري والكاتبة الأميركيّة أليس ووكر. يًعرف عن زقطان قدرته المميّزة على ربط الثقافة الفلسطينيّة الشعبيّة بالأدب الدوليّ والحديث. وغالباً ما تتطرّق روايات خوري، التي تُرجمت عشر منها إلى لغات أجنبيّة، إلى فلسطين. أمّا ووكر، الحائزة جائزة "بوليتزر"، فتعالج في أعمالها المبدعة مسائل تتعلّق بالتمييز العنصريّ.
بين فترة تأسيس إسرائيل وسنة 1966، عاش المواطنون الفلسطينيّون في إسرائيل في ظلّ حكم عسكريّ صارم تخلّله المرور باستمرار في نقاط تفتيش أمنيّة. وكتب درويش قصيدة "بطاقة هويّة"، وهي من القصائد الأولى التي لمع اسم درويش بفضلها في العالم العربيّ، سنة 1964 وتطرّقت إلى الحكم العسكريّ الذي عانى منه المواطنون الفلسطينيّون في إسرائيل. وتحدّثت القصيدة عن مطالبة الضبّاط الأمنيّين الإسرائيليّين الدائمة للعرب في إسرائيل بإبراز بطاقات هويّتهم.
غادر درويش إسرائيل متوجّهاً إلى موسكو سنة 1970، لكنّه سرعان ما استفاق من الوهم وابتعد علناً عن الشيوعيّة قبل فترة طويلة من سقوط الدولة السوفياتيّة. وانتقل لاحقاً للإقامة في القاهرة وبيروت وباريس. وقد شاء القدر أن يكون اتّفاق أوسلو، الذي استقال درويش بسببه من منظّمة التحرير الفلسطينيّة، بطاقة عودته إلى فلسطين. عاد درويش إلى فلسطين سنة 2007 وأقام في رام الله لكنّه لم يمضِ فيها وقتاً طويلاً.
توفّي درويش في 9 آب/أغسطس 2008 في هيوستن في ولاية تكساس أثناء خضوعه لجراحة قلب مفتوح كان يدرك أنّها خطرة. وأعلنت فلسطين ثلاثة أيّام من الحداد، وأنشئت مؤسسة محمود درويش في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2008 بموجب مرسوم رئاسيّ "للحفاظ على إرث درويش الثقافيّ والأدبيّ والفكريّ وترويج قيمه النبيلة: حبّه لوطنه واحترامه الكبير للكرامة البشريّة وإجلاله المطلق للحياة".
وترأس مؤسسة محمود درويش زميل الشاعر وصديقه ياسر عبد ربه الذي تولّى أمانة اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة منذ العام 1971. وفي تموز/يوليو 2015، أقال الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس، رئيس اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، عبد ربه من منصبه. وبعد مرور ستّة أشهر وبعد عجز عباس عن تعديل هيكليّة اللجنة التنفيذيّة لطرد عبد ربه منها، أخرج عبد ربه و24 عضواً آخر في مجلس الأمناء من مؤسسة محمود درويش.
في تلك الفترة، نقلت صحيفة "الحياة" اليوميّة العربيّة التي يقع مقرّها في لندن عن عبد ربه قوله إنّ القرار كان "انتهاكاً سياسياً وقانونياً ووطنياً وستكون له عواقب". وعلّقت عائلة درويش على هذه المسألة أيضاً، معتبرة أنّه كان ينبغي استشارة العائلة قبل اتّخاذ قرار تغيير المجلس.
وعُيّن زياد أبو عامر، وزير الثقافة الفلسطينيّ السابق، رئيساً للمؤسسة في كانون الأول/ديسمبر 2015 بدلاً من عبد ربه.
وقال الشاعر الفلسطينيّ الشهير ومؤسس بيت الشعر في رام الله، المتوكل طه، لـ "المونيتور" إنّ المرسوم الرئاسيّ الذي أنشئت بموجبه مؤسسة محمود درويش ينصّ على تناوب أعضاء مجلس الأمناء بانتظام. وشرح طه أنّ المجلس السابق استمرّ لولايتين مدّة كلّ منهما 3 سنوات ولم يطبّق نظام تناوب.
لكنّه شدّد على أنّ المشكلة لم تكن في تناوب أعضاء المجلس، بل في معايير العضويّة، قائلاً: "يتألف مجلس الأمناء القديم والجديد في مؤسسة محمود درويش في أغلبيّته من شخصيات من مجالي السياسة والأعمال، لا من شخصيات من المجالين الثقافيّ والأدبيّ".
في السنوات الخمس والسبعين الماضية، امتلأت مكتبات الأدب العربيّ والمكتبات العالميّة بأعمال فلسطينيّ ولد في قرية لم تعد موجودة. ويشير أحد كتب درويش، وعنوانه "في حضرة الغياب"، إلى الفلسطينيّين الذين هربوا من منازلهم سنة 1948 لكنّهم بقوا ضمن المنطقة التي أصبحت دولة إسرائيل وهم يعامَلون شرعياً على أنّهم "غائبون".
بفضل إبداع درويش، تبقى القضيّة الفلسطينيّة حاضرة في أذهان وقلوب الناس حول العالم. وعلى الرغم من مرور السنين، لا يزال طلاب الأدب العربيّ ينبهرون بالإنتاج الوافر والتأليف المميّز اللذين ساهما في جعل درويش واحداً من الشعراء الأكثر شعبية في العالم العربيّ.