مدينة غزّة، قطاع غزّة - لا يتوانى القادة العسكريّون والسياسيّون في حركة "حماس" عن تعظيم دور الأنفاق، الّتي باتت سلاح "حماس" الأساسيّ في مواجهة إسرائيل من قطاع غزّة، لا سيّما بعد انحسار تأثير الأسلحة الأخرى كالقذائف الصاروخيّة ومحدوديّة تهريب الأسلحة، بعد إغلاق الأنفاق الواصلة بين قطاع غزّة ومصر. وعاد الحديث عن سلاح الأنفاق، الّذي تملكه "حماس" ويستمرّ عناصرها في حفرها بشكل متسارع في قطاع غزّة وترميم الأنفاق الّتي تأثّرت نتيجة حرب عام 2014، إلى الساحتين الفلسطينيّة والإسرائيليّة، بعد مقتل 10 من عناصر كتائب القسّام في ثلاث حوادث منفصلة نتيجة انهيار انفاق في23و28 يناير و3 فبراير، شرق خانيونس، شرق مدينة غزة، وفي جنوب غرب غزة.
ولقد أطلق زعيم حركة "حماس" في قطاع غزّة ونائب رئيس مكتبها السياسيّ إسماعيل هنيّة على الأنفاق مسمّى "السلاح الاستراتيجيّ لتحرير الأسرى وفلسطين"، وقال خلال تشييع الشبّان السبعة الّذين قتلوا في انهيار نفق شرق غزّة الجمعة في 29 كانون الثاني/ يناير: "سلاح الأنفاق له الدور البارز في صناعة النّصر، حيث خرج المجاهدون من هذه الأنفاق، ونفّذوا عمليّة ناحل عوز، وأسر المجاهدون الجنديّ الإسرائيليّ شاؤول آرون، وقاتل المقاتلون جيش الإحتلال من نقطة الصفر، ونزلوا خلف خطوط العدو، وعادوا إلى قواعدهم بسلام".
أضاف: "الأنفاق الّتي قضى في حفرها الشهداء السبعة كانت السلاح الاستراتيجيّ (حرب 2014)... الأنفاق تحت الأرض كانت تحمل الموت للعدو، والنّصر والعزّة لشعبنا وأمّتنا".
وأشار إسماعيل هنيّة إلى "أنّ كتائب القسّام حفرت أنفاقاً، هي ضعف أنفاق حرب فيتنام الّتي يقرأ عنها العسكريّون ويخطّط من خلالها الاستراتيجيّون".
من جهته، قال الناطق باسم كتائب القسّام أبو عبيدة خلال حفل تأبين قتلى انهيار النّفق شرق غزة في 31 كانون الثاني/يناير: "كلّما سمع شعبنا الفلسطينيّ الصواريخ تنطلق نحو أرضنا المحتلّة، فليعلم أنّ لرجال الأنفاق بصمة فيها. وإذا سمع العالم عن عمليّة "زيكيم" البطوليّة فليكن حاضراً أنّ رجال الأنفاق لهم الباع الطويل فيها. وإذا تغنّت الأجيال بصفقة وفاء الأحرار (صفقة تبادل الأسرى مع الجنديّ الإسرائيليّ شاليط) فلتدرك أنّها أثر من آثار رجال الأنفاق الميامين. لقد صنع هؤلاء الرجال الفرق، وصاغوا بعرقهم وجهدهم وأظافرهم معادلة الردع مع المحتلّ".
أضاف : "رجال الأنفاق يستحضرون دائماً ببطولاتهم قضيّة الأسرى... المقاومة بفضل الله، ثمّ بفضل بطولات رجال الأنفاق، امتلكت من الأوراق الّتي ستجبر العدو على الإفراج عنكم، وسيحتفي بكم شعبنا قريباً بإذن الله في عرس الحريّة والنّصر الكبير .
وشكّل الجناح العسكريّ لـ"حماس" وحدة خاصّة، إلى جانب وحداته الأخرى بالأنفاق الّتي تتولّى مسؤوليّة حفرها وتجهيزها وتدريب عناصرها على استخدامها.
وأوضح مصدر في "حماس" لـ"المونيتور" أنّ الأنفاق الّتي يتم حفرها تنقسم إلى ثلاثة أنواع: الأنفاق الهجوميّة وهي الّتي تحفر على طول الحدود، الأنفاق الّتي تستخدم لإطلاق الصواريخ، إضافة إلى الأنفاق الّتي تستخدم من أجل تنقّل عناصرها وقياداتها بين المناطق المختلفة والاحتماء من القصف الإسرائيليّ والّتي تكون داخل المدن".
أضاف المصدر، طالباً عدم الكشف عن هويّته: "نجاح كتائب القسّام خلال الحرب الأخيرة في تحقيق نجاحات عسكريّة من خلال استخدام الأنفاق، وقبلها في عمليّات أخرى مثل خطف الجنديّ الإسرائيليّ شاليط، وبعض العمليّات الأخرى، شجعها على الاستثمار فيها بشكل واسع".
ومنذ انتهاء حرب صيف عام 2014 الّتي استمرّت 50 يوماً، أخذ الجناح العسكريّ لـ"حماس" بإصدار فيديوهات مصوّرة لعناصره من داخل الأنفاق. كما عرض بعضاً من إمكاناته في تقارير وأفلام وثائقيّة لقنوات تلفزيونيّة، وأظهر فيها نجاح عناصره في الوصول إلى الجنود الاسرائيليّين وإصابتهم بشكل مباشر.
ورأى الكاتب مصطفى إبراهيم أنّ كتائب القسّام اتّخذت من الأنفاق سلاحاً استراتيجيّاً تعمل على تطويره والاستثمار فيه بشكل واسع، بعد تجربة الحرب الأخيرة بين قطاع غزّة وإسرائيل، وقال في حديثه لـ"المونيتور": "حماس ترى أنّها نجحت خلال الحرب الأخيرة في تغيير مجرى الحرب، بعد استخدامها للأنفاق في تنفيذ عمليّات عسكريّة ضدّ المواقع الإسرائيليّة والجنود الإسرائيليّين ومعدّاتهم خلال العدوان البريّ، واستطاعت إيقاع عدد كبير من القتلى في صفوف الجنود الإسرائيليّين، ممّا جعلها تطوّر هذا السلاح الّذي أصبح سلاحاً استراتيجيّاً بالنّسبة إليها".
أضاف: "الصواريخ الّتي تطلق من قطاع غزّة باتّجاه البلدات الإسرائيليّة لها تأثير أيضاً ضدّ إسرائيل، ولكن في ظلّ وجود القبّة الحديديّة يصبح تأثيرها محدوداً، في حين كانت الأنفاق سبباً في إيذاء الجيش الإسرائيليّ بشكل كبير".
ونقل الخليج اونلاين وهو موقع الكتروني مقرب من حركة حماس عن أحد القادة في الأجنحة العسكريّة، ولقّبته بأبو حمزة قوله: "سلاح الأنفاق الحدوديّة بات من أقوى الأسلحة الّتي تعتمد عليها المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيليّ، والّتي ستكون لها الكلمة القويّة وقلب المعادلة العسكريّة مع جيش الاحتلال في حال فكّر بتنفيذ أيّ حرب جديدة على القطاع".
أضاف: "المفاجأة تكمن في مدى صلابة وتحمّل تلك الأنفاق للقصف الإسرائيليّ والقنابل الارتجاجيّة الّتي ستلقى على الأنفاق من الطائرات أو الدبّابات لتدميرها، في أيّ مواجهة مقبلة".
وتابع في حديثه: هناك "قدرة للأنفاق على استيعاب إطلاق عدد كبير من الصواريخ المتطوّرة وقذائف الهاون تجاه البلدات الإسرائيليّة المحيطة بالقطاع، والتخفّي عن أجهزة الرادار الإسرائيليّة، ومساعدة المقاومين على الهروب في داخلها من أيّ هجوم إسرائيليّ، وسرعة التخفّي في حال خطف جنود إسرائيليّين".
ولقد قتل منذ مطلع العام الماضي في قطاع غزّة 16 عنصراً من كتائب القسّام خلال حفرهم للأنفاق، 10 منهم خلال عام 2016 بحسب إحصائيّة "مركز الميزان لحقوق الإنسان" في غزّة.
سقوط عدد كبير من الضحايا في فترة اسبوعين في انهيار انفاق في قطاع غزة وتشكيل وحدة خاصة لتجهيزها، يعطي مؤشراً واضحاً على أن جناح حماس العسكري بات يعتمد الانفاق كسلاح مؤثر ومفاجئ لإسرائيل في أي مواجهة قادمة.