ما تزال العديد من التفاصيل حول التحالف الإسلامي منذ أعلنت المملكة العربية السعودية عنه، يوم 15 ديسمبر 2015، غامضة، حيث اكتفى الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، بالإعلان عن تأسيس التحالف من 34 دولة إسلامية لمحاربة الإرهاب في العالم الإسلامي.
إسلامي أم سني؟
لم يرد في قائمة الدول المؤسسة للتحالف أي دولة إسلامية تحكمها تيارات شيعية وعلى رأسها إيران، العراق، وسوريا، إلا أن بن سلمان أكد في مؤتمره الصحفي أن التحالف مفتوح لكافة الدول الإسلامية، وهو ما أكده وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في تصريحات صحفية له على هامش مشاركته في المؤتمر الدولي حول سوريا يوم 19 ديسمبر.
وقال اللواء أنور ماجد عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية بالرياض، في مداخلة هاتفية على قناة "الغد العربي"، يوم 15 ديسمبر، أن التحالف مفتوح أمام إيران بشرط إثباتها أنها لا تدعم التنظيمات الإرهابية "لأن الدول الغربية تتهمها بأنها تمول الإرهاب"، على حد وصفه، إلا أنه تجاهل عضوية تركيا وقطر والسودان في التحالف، رغم تعدد الاتهامات ضدهم بدعم الإرهاب وكان أبرزها اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صراحة لتركيا بدعم داعش عن طريق شراء نفط العراق منها، وكذلك اتهام وزارة الدفاع الروسية لتركيا بمقايضتها السلاح مع داعش نظير النفط، وهو ما يعني أن الاتهامات بدعم الإرهاب بين الدول الإسلامية لا تكيل إلى إيران وحدها وإنما لبعض الدول الأعضاء بالفعل في التحالف وما ربما يشير إلى أن الخلافات الطائفية والسياسية بين السعودية وإيران لعبت دورا في تشكيل التحالف الإسلامي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التحالف ربما يرفض فقط الدول المشتبه في دعمها لتنظيم الحوثيين في اليمن أو الرافضة لعمليات التحالف العربي ضدهم مثل إيران، والعراق، وسوريا، إلا أنه في السياق ذاته ضم لبنان التي يسيطر على البرلمان فيها الشيعة ويترأسه نبيه بري (شيعي)، وربما يـأتي ذلك لأن لبنان لم ترفض بشكل رسمي عمليات التحالف العربي، وانتقد بري حسن نصر الله، أمين عام حزب الله الشيعي، لهجومه على السعودية بعد عملية "عاصفة الحزم" الموجهة ضد الحوثيين، وأشاد بري في أكثر من مناسبة بدور مصر في المنطقة العربية، إلا أن الموقف النهائي للبنان من الانضمام للتحالف الإسلامي لم يتحدد بعد وتشهد الحكومة حالة من الانقسام حول الأمر.
عسكري أم أيديولوجي؟
لم يكن التحالف الإسلامي قد أتم يومه الثاني، عندما قررت بعض الدول إصابته بنوبة من التوتر، عندما أعلنت وزارتي الخارجية الباكستانية والإندونيسية، أنهما لم يقررا الانضمام إلى التحالف بعد، رغم أنهما كانتا من بين الدول المذكورة في بيان محمد بن سلمان.
فيما أصابت دول أخرى المشهد السياسي والإعلامي بالارتباك بشأن دور التحالف أو دور الدول الأعضاء فيه، حيث أعلن هشام الدين حسين، وزير الدفاع الماليزي، دعمه للتحالف أيديولجيا وسياسيا، مستبعدا أي مشاركة عسكرية من قبل ماليزيا، مؤكدا أن المبادرة السعودية لا تشمل أي التزام عسكري.
أما متحدث وزارة الخارجية التركية، طانجو بيلجيج، فقال: "يمكنني القول أنه لن يكون هناك بنية عسكرية لهذا التحالف، فهذا ليس على الأجندة، والتعاون الاستخباراتى والعسكرى ضد داعش ضرورى، ولكن هناك بعداً أيديولوجياً فى المعركة ضد الإرهاب، ويجب التعاون فى مواجهة هذه التحديات حتى لا يتم ربط الإرهاب بالإسلام"، ويأتي ذلك رغم تصريحات رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، يوم 15 ديسمبر، عن تقديم تركيا ما في وسعها للتحالف دون التعليق على كونه "عسكريا".
وقال اللواء هشام الحلبي المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، لـ"المونيتور" أن بالفعل عضوية التحالف لا ترتب التزام عسكري محدد على الأعضاء، وأن السعودية تركت للدول حق المشاركة بما تستطيع، "ومن بين المشاركات على سبيل المثال الدعم المعلوماتي، الدعم اللوجيتستي، توفير التسليح، التدريبات، الدعم المالي للجيوش المشاركة"، على حد تعبيره، نافيا ما ذكر عن كون التحالف غير عسكري، ومؤكدا أن الهدف الأساسي منه عسكري، حتى لو لم يرتب على كل أعضائه التزام عسكري وترك دعمهم للتحالف بالوسائل السابقة.
تركيا وقطر
تعرض التحالف لانتقادات خبراء ومراقبين مصريين، بسبب مشاركة تركيا وقطر فيه، وعلى رأسهم الخبيرين العسكريين عبد الرافع درويش، وطلعت مسلم، والنائب البرلماني، سمير غطاس، مشيرين في تصريحات صحفية لهم أن التحالف لن يكون جادا وفعالا في ظل وجود الدولتين "وهما دولتين داعمتين للإرهاب"، على حد وصفهم.
فيما قال الحلبي لـ"المونيتور" أن المشاركة في التحالف ستكون كاشفة للدول الغير جادة في محاربة الإرهاب، وأنه لا تخوف من إمداد أي دولة للتحالف بمعلومات خاطئة لأن المعلومات يتم تحريها من أكثر من مصدر.
روسيا
أعلن سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، في مؤتمر صحفي يوم 16 ديسمبر، أن روسيا منفتحة على أي جهود لمكافحة الإرهاب، وأنهم يدرسون التأثيرات والدور المحتمل للتحالف، فيما قال بوتين أنه لا يتوقع أن يكون للتحالف دور معادي لروسيا، حتى في ظل الخلاف في وجهات النظر بين روسيا والسعودية حول الأزمة السورية.
ولم يستبعد الحلبي التنسيق لاحقا بين التحالف الإسلامي وروسيا ضد داعش، موضحا أن روسيا ليست عضوا في التحالف وهي تضم أكثر من 20 مليون مسلم، لأنها ليست إلا عضو مراقب في منظمة التعاون الإسلامي، إلا أنها يمكن أن تكون شريك وحليف قوي للتحالف بالدعم المعلوماتي.
ومن الأدلة على عدم معاداة التحالف لروسيا، هو إعلان بن سلمان أنه لن يكون هناك أي عمليات عسكرية في سوريا إلا بالتنسيق مع الشرعية (في إشارة إلى السلطة الشرعية ممثلة في نظام بشار الأسد)، ومع المجتمع الدولي، وتعتبر روسيا أكثر القوى الدولية تأثيرا في سوريا حاليا، في ظل غاراتها الجوية على داعش.
كما أن عضوية مصر في التحالف، وهي الحليف الاستراتيجي الأهم لروسيا في الشرق الأوسط حاليا، ترجح أن التحالف لن يعادي روسيا، خاصة في ظل التقارب السعودي الروسي وتوقيع اتفاقية التعاون النووي بينهما، في سبتمبر 2015.
إذن فالهدف الأقرب للتحالف حاليا هو تنظيم الحوثيين في اليمن، خاصة بعد تنامي محاولات تسلل مقاتليه إلى السعودية، وفي ظل استبعاد كافة الدول الرافضة لمحاربة الحوثيين من التحالف، وانتظار أي نشاط عسكري للتحالف في العراق وسوريا حتى يتم التنسيق مع السلطات الشرعية والمجتمع الدولي، وهو أمر مستبعد حاليا في ظل التوتر بين السعودية والنظام الحالي في سوريا.
وفي ظل صراع القوات المسلحة المصرية مع ولاية سيناء (فرع داعش في مصر)، لا يرجح أن الإدارة المصرية ستنهك الجيش في صراعات جوية أو برية مع الحوثيين بعد تراجع خطرهم وتهديداتهم بإغلاق مضيق باب المندب، كما يرجح أن تكتفي بمشاركتها الحالية المتمثلة في حماية المضيق، ويذكر أن سامح شكري، وزير الخارجية المصري، قال في تصريحات له، أن عدم إرسال مصر قوات برية لليمن لم يكن محل خلاف مع السعودية أو الإمارات.
وربما يقتصر دور مصر في التحالف، خلال الفترة الحالية، على الدعم المعلوماتي والتدريبي والتنسيق بين أجهزة الأمن للحد من عمليات الذئاب المنفردة لداعش في دول التحالف، كالعمليات التي نفذتها داعش في السعودية والكويت واستهدفت مساجد الشيعة في القديح والدمام.
وسيزداد دور التحالف وضوحا في مواجهة داعش، بعد انتهاء العملية السياسية التي نص عليها قرار مجلس الأمن رقم 2253، بخصوص سوريا، الصادر في 19 ديسمبر، والتي من المفترض أن تتم خلال 18 شهرا، وفقا للقرار، أو بمشاركة العراق مشاركة جادة في التحالف للتخلص من داعش، خاصة في ظل تحسن العلاقات السعودية العراقية، منذ إعلان السعودية، في ديسمبر 2015، اعتزامها إعادة فتح سفارتها في العراق بعد 25 عاما من القطيعة.