حلب، سوريا – يشنّ تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" هجمات واسعة على مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الشماليّ، منذ بدء الحديث في 5 آب/أغسطس عن اتّجاه تركيا والتحالف الدوليّ الذي تقوده الولايات المتّحدة الأميركيّة إلى التعاون مع قوّات المعارضة بهدف إنشاء "منطقة آمنة"، تمتدّ قرب الحدود السوريّة-التركيّة من مدينة جرابلس شرقاً إلى جنوب مدينة مارع. وتكون هذه المنطقة خالية من "داعش" ونظام بشّار الأسد ومقاتلي حزب الاتّحاد الديمقراطيّ الكرديّ PYD على حدّ سواء.
بدأت الهجمات الأحد في 9 آب/أغسطس، عقب أربعة أيّام فقط من إعلان وزير الخارجيّة التركيّ مولود تشاووش أوغلو، عن معركة شاملة ستشنّها بلاده ضدّ "داعش" بدعم من التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة.
إنّ قيام المنطقة الآمنة في حال حدوثه، يعني إنهاء وجود التنظيم من ريف حلب الشماليّ ومن معاقل مهمّة له مثل الباب ومنبج في ريف حلب الشرقي. لذلك يسعى "داعش" إلى خلط الأوراق وعرقلة قيام منطقة آمنة على أرض سيطرته. وقالت وكالة "أعماق" التابعة إلى "داعش" في 11 آب/أغسطس إنّ مقاتلي التنظيم صعّدوا من هجماتهم ضدّ المعارضة شمال حلب، بعد إعلان أنقرة حرباً شاملة وقريبة ضدّ "داعش"، تهدف إلى إنشاء منطقة آمنة تكون قوّات المعارضة الحارس لها على الأرض، بحسب الوكالة.
كانت أولى هجمات "داعش" على قرية "أمّ حوش" (7 كلم جنوب مدينة مارع) وتمكّنت من السيطرة عليها في 9 آب/أغسطس، بعد استهدافها بعربة مفخّخة مقرّ عمليّات المعارضة في القرية، ممّا أدّى إلى مقتل 38 عنصراً من المعارضة، كما سيطر "داعش" في 14 آب/أغسطس على قرية تلالين (4 كلم شمال مارع). أمّا أوسع هجوم له كان في 27 آب/أغسطس حيث تمكّن من السيطرة على قريتي دلحة وحرجلة قرب الحدود التركيّة، وعلى بلدة حربل (5 كلم جنوب غرب مارع) في حين استعادت المعارضة قرية سندف (4 كلم شمال غرب مارع) بعد ساعات من سيطرة "داعش" عليها.
يتّبع "داعش" استراتيجيّة ثابتة تتمثّل في الهجوم على القرى الصغيرة والاستحواذ عليها، من ثمّ الانقضاض على البلدات والمدن الأكبر بعد تضييق الخناق عليها ومحاصرتها. وتتمحور معظم هجمات "داعش" الأخيرة على مدينة مارع، المعقل الأكبر للمعارضة في المنطقة، والتي باتت محاصرة من ثلاث جهّات، لكنّ "داعش" واجه مقاومة شرسة في هجومه على المدينة في 27 آب/أغسطس، حيث قتل حوالى 50 من عناصره في هذا الهجوم.
في مقابل ذلك، إنّ المناطق التي يسيطر عليها "داعش" ويتثبّت فيها لأيّام عدّة، لا تتمكّن المعارضة من استعادتها بسهولة. ففي 28 آب/أغسطس، شنّت المعارضة هجوماً كبيراً على قرية تلالين بهدف استعادتها، وقتل للمعارضة خلال هذا الهجوم 19 عنصراً نشر "داعش" في اليوم التالي صوراً مروعة لهم، من دون أن تتمكّن المعارضة من استعادة ما خسرته. ، وفي 28 آب/أغسطس أيضاً شنّت المعارضة هجوماً على بلدة حربل من دون أن تتمكّن كذلك من استعادتها.
ويضع "داعش" كلّ ثقله في هذه المعركة، حيث أحصى "المونيتور" تفجير "داعش" ثماني سيّارات مفخّخة في ريف حلب الشمالي خلال آب/أغسطس فقط، كما استخدم الغازات السامّة في قصف مدينة مارع، في 21 آب/أغسطس، سعياً منه إلى التقدّم في المدينة.
هذا ما يوحي بإصرار "داعش" على التقدّم في ريف حلب الشماليّ مهما كانت التكاليف، وعدا هدفه في إفشال مشروع المنطقة الآمنة، فثمّة ثأر قديم بين "داعش" ومقاتلي المعارضة في ريف حلب الشماليّ، حيث قتلت قوّات المعارضة في كانون الثاني/يناير 2014 في مدينة تلّ رفعت الرجل الثاني في "داعش" حجّي بكر، والذي يوصف بأنّه العقل المدبّر للتنظيم.
كان هناك قلّة من المدنيّين في مدينة مارع عندما دخلها "المونيتور" في 23 آب/أغسطس، وعلى الرغم من مرور يومين على قصفها بقذائف تحوي موادّاً سامّة، إلّا أنّ رائحة الغاز وهي أشبه برائحة العفن كانت واضحة بالقرب من الأماكن التي سقطت فيها القذائف.
في المشفى الميدانيّ في المدينة، قابلنا مدير المشفى طارق نجّار الذي قال لـ"المونيتور": "وصلتنا حتّى الآن أكثر من حوالى 15 حالة إصابة بالمواد السامّة". وأضاف: "معظم المصابين كانوا يعانون من تقرّحات في الجلد وإحمرار في العينين (..) أجرينا لهم الإسعافات الأوّليّة ومن ثمّ نقلوا إلى المشافي التركيّة".
يشعر مقاتلو المعارضة أنّ تركيا وضعتهم في مأزق وفتحت عليهم "عشّ الدبابير" أي "داعش"، من خلال تصريحاتها الناريّة عن المنطقة الآمنة. "تريد تركيا تنفيذ أجنداتها على حساب دمائنا"، يقول أحد مقاتلي المعارضة المحلّيّين لـ"المونيتور" عندما التقينا به في مارع، ويتساءل: "أين طائرات التحالف التي من المفترض أن تدعمنا"؟
خسرت المعارضة حليفاً قويّاً لها على جبهات القتال مع "داعش"، هو جبهة النصرة، عندما ضغطت المعارضة على جبهة النصرة للانسحاب من ريف حلب الشماليّ، رضوخاً عند شروط الولايات المتّحدة الأميركيّة لقيام المنطقة الآمنة. إلّا أنّه في مقابل ذلك، ما زالت غارات التحالف الدوليّ على خطّ تماس المعارضة مع "داعش" خجولة ومحدودة جدّاً، الأمر الذي يفسّر التقدّم الكبير الذي يحرزه "داعش".