شهد يوم السبت في 22 آب/أغسطس وقوع اشتباكات مسلّحة في مخيّم عين الحلوة للّاجئين الفلسطينيّين جنوب لبنان، بين مسلّحين إسلاميّين وعناصر من حركة فتح، أسفرت عن سقوط قتيلين و15 جريحاً. واستمرّت الاشتباكات حتّى 29 آب/أغسطس، وشملت أحياء الطوارئ، الطيرة، حطين، الزهور، وغيرها، على الرغم من فترات التهدئة التي سرعان ما تمّ خرقها من قبل كلا الطرفين.
اغتيالات وتفجيرات
تبلغ مساحة مخيّم عين الحلوة، كيلومترين مربّعين، وهو يضمّ 100 ألف نسمة، وينتشر السلاح فيه بكثرة، كما يهرب إليه بعض المطلوبين الجنائيّين للقضاء اللبنانيّ من الفلسطينيّين واللبنانيّين، ويحظون بحماية بعض التنظيمات المسلّحة.
ليست الاشتباكات المسلّحة في الأيّام الأخيرة في عين الحلوة وليدة اللحظة. فقد اغتال مسلّحون في 25 تمّوز/يوليو في الطرف الجنوبيّ للمخيّم العميد الفتحاويّ طلال بلاونة، من دون أن تعلن جهّة مسؤوليّتها عن اغتياله، ممّا استدعى استنفارات واسعة ضمن التنظيمات الفلسطينيّة في المخيّم، وبقيت الأوضاع غير مستقرّة.
علم "المونيتور" من مسؤول أمنيّ فلسطينيّ في لبنان، رفض ذكر اسمه، أنّ "الاشتباكات اندلعت في عين الحلوة بين طرفين هما حركة فتح التي تريد التخلّص من الجماعات الإسلاميّة داخل المخيّم، لأنّها ترتبط بجهّات خارجيّة، وتغتال قيادات فتحاويّة، وهذه الجماعات الإسلامية التي ترى أنّ حركة فتح تستهدفها بالملاحقة والاغتيال، وتحاول استئصالها".
أبلغ ممثّل حماس في لبنان علي بركة "المونيتور" أنّه "بين يومي 22 و25 آب/أغسطس، اجريت اتّصالات حثيثة مع الأطراف اللبنانيّة والفلسطينيّة لوقف التدهور الأمنيّ في عين الحلوة، واتصلت بمدير مخابرات الجيش اللبنانيّ العميد خضر حمّود، وقمت بالتحدّث مع السفير الفلسطينيّ في بيروت أشرف دبّور، وقيادة فصائل منظّمة التحرير وتحالف القوى الفلسطينيّة، والقوى الإسلاميّة، والفعاليّات الشعبيّة في المخيّم".
بسبب الصراعوأكد ممثّل الجهاد الإسلاميّ في لبنان أبو عماد الرفاعي، في 25 آب/أغسطس، أنّ ما يجري في عين الحلوة، يأتي في سياق ضرب حقّ العودة للّاجئين، وإبقاء المخيّم تحت الضغط لتفريغه من السكّان.
يمكن القول إنّ القوى الفلسطينيّة ربّما استطاعت تطويق أحداث مخيّم عين الحلوة بصورة موقّتة، من خلال وقف الاشتباكات المسلّحة، وانسحاب المسلّحين من الشوارع، وعودة الحركة إلى المخيّم مساء 30 آب/أغسطس، لكنّ يبدو أنّ المعركة لم تنته بعد، بل إنّ الاشتباكات قد تعتبر بداية سلسلة جديدة من المعارك، بسبب الصراع الحقيقيّ الفلسطيني الداخلي بين حركة فتح والمجموعات الإسلاميّة لفرض نفوذها في المخيّم
تهدئة موقّتة
وأوضح المسؤول الأمنيّ الفلسطينيّ ذاته لـ"المونيتور" أنّ "مخيّم عين الحلوة تحوّل إلى صندوق بريد للأجهزة الأمنيّة الإقليميّة، فلا يمرّ أسبوع إلّا ويجري فيه اغتيال أو محاولة اغتيال، عبر مجموعات إسلاميّة على صلة بالقاعدة أو تنظيم الدولة الإسلاميّة، أو مرتبطة بإيران والنظام السوريّ، وكان من آخر المتورّطين في اشتباكات عين الحلوة تيارا القيادي الفتحاويّ محمّد دحلان والرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، حيث يتبادل الطرفان، دحلان وعباس، الاتهامات في كيفية مواجهة المجموعات الإسلامية، ففريق دحلان يتهم فريق عباس بأنه غير جاد في مقاتلة المسلحين الإسلاميين، ولا يبدي تجاههم الحزم الكافي، لكن كليهما، عباس ودحلان، يريد إثبات حضوره في ساحة مخيّمات لبنان، ويسعيان إلى إذكاء الصراعات في المخيّم بدل إطفائها، للاستفادة من التناحر الذي يصيب الجميع".
لذلك، اتّهم القائد السابق للكفاح المسلّح الفلسطينيّ في لبنان، والحليف الأقرب لدحلان العميد محمود اللينو، في 25 آب/أغسطس، السلطة الفلسطينيّة بعدم إعطاء أحداث عين الحلوة الاهتمام المطلوب.
وكشف المسؤول الإعلاميّ لحماس في لبنان رأفت مرّة لـ"المونيتور" عن إجراءات اتّخذتها حماس لتطويق اشتباكات المخيّم، شملت "تكليف حماس عدد من مسؤوليها بالتواجد في المخيّم للمتابعة على مدار الساعة، والمشاركة في جهود التهدئة بين المسلّحين، ووقف النار بين المتصارعين، وتجنيب المخيّم وأهله العنف، لمنع حصول كارثة سياسيّة وأمنيّة وإنسانيّة في المخيّم ومحيطه، وساهمت المؤسّسات الإنسانيّة والاجتماعيّة التابعة إلى حماس بإخلاء مئات العائلات المهدّدة، ونقل عشرات المحاصرين تحت النار إلى مناطق آمنة".
تتمثّل المخاوف التي يبديها بعض الفلسطينيّين في مخيّم عين الحلوة في إمكان تكرار مأساة مخيّم نهر البارد شمالي لبنان، الذي شهد اندلاع اشتباكات مسلحة بين شهري أيار/مايو وأيلول/سبتمبر 2007، وأسفرت عن مقتل 158 من أفراد الجيش اللبناني، و20 مدنياً، و60 من فتح الإسلام، وما زال المخيّم بعد مرور 8 سنوات يعيش حالة من الدمار، وعدم الإعمار.
ولذلك، لم تقتصر تأثيرات اشتباكات مخيّم عين الحلوة على الجانب العسكريّ الأمنيّ، بل صاحبتها نتائج إنسانيّة قاسية تمثّلت في حركة نزوح كبيرة للّاجئين من المخيّم في 26 آب/أغسطس، خوفاً على حياة أطفالهم، ولجأ العديد منهم إلى مخيم "المية ومية"، ومدينة "صيدا" اللبنانية.
وأبلغ أحد سكّان المخيّم جهاد راضي "المونيتور" هاتفيّاً أنّ "أضراراً كبيرة لحقت بالممتلكات والمدنيّين في المخيّم بسبب الاشتباكات العنيفة، التي استخدم فيها المسلّحون الأسلحة الصاروخيّة والرشّاشة، وشهد المخيّم خلال أيّام الاشتباكات وضع سواتر ترابيّة على محاور القتال التي قسّمت المخيّم إلى قسم شرقيّ خاضع إلى سيطرة حركة فتح، وقسم غربيّ خاضع إلى مجموعة "جند الشام" الإسلاميّة".
أخيراً... تزداد مخاوف الفلسطينيّين على مصير مخيّم عين الحلوة، مع تزايد وصول اللاجئين السوريّين إلى مخيّمات لبنان، وانخراط حزب الله في الحرب الدائرة في سوريا، ومعارضة العديد من المنظّمات الإسلاميّة تدخّله، وحالة العجز التي تصيب بعض التنظيمات الفلسطينيّة للتعامل مع الاشتباكات بهدوء وحذر، بعيداً عن استخدام القوّة المسلّحة. وهي كلّها عوامل قد تجعل من الاشتباكات المتقطّعة التي شهدها مخيّم عين الحلوة في الأيّام الأخيرة مقدّمة إلى اشتعال حرب شوارع، لا يقوى على تحمّل أثمانها عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيّين.