ريف حلب، سوريا – تحت وطأة قصف طيران النظام وقذائف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يعيش سكان ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة الثوار. ويقع على عاتق "الجبهة الشامية" أكثر الفصائل انتشاراً شمال حلب تحد كبير. فمنذ يوم السبت 31 أيار/مايو يشنّ تنظيم داعش هجومه الأعنف على المنطقة، بغية السيطرة على البلدات الخاضعة لسيطرة الثوار، يترافق ذلك مع غارات غير مسبوقة لطيران النظام الحربي والمروحي على البلدات شمال حلب (مثل مارع، تل رفعت وحربل).
كان متوقعاً هجوم داعش على ريف حلب الشمالي، بعد هجماتها بالسيارات المفخخة في 7 أبريل/نيسان على مقار للجبهة الشامية، أحد أكبر فصائل الثوار في حلب، ما أدى لمقتل قيادي فيها بالإضافة إلى 31 عنصراً.
وخلال هجوم مباغت تمكنت داعش في 31 أيار/مايو من السيطرة على بلدة صوران وقرى: الطوقلي، البل وغزل اللواتي تقع بالقرب منها. كما سيطرت يوم الاثنين 1 حزيران/يونيو على قريتي أم القرى وحساجك (جنوب مدينة مارع).
المونيتور توجهت يوم الأحد 31 أيار/مايو إلى ريف حلب الشمالي، حيث كانت تندلع المواجهات بين تنظيم داعش من جهة وخليط من كتائب الثوار من جهة أخرى.
وخلال اسبوع قضته المونيتور شمال حلب، كان النهار هادئً إلا من غارات طيران النظام على البلدات الخاضعة لسيطرة الثوار، وبعض قذائف داعش التي تتساقط بين الحين والآخر، متسببة بحرائق واسعة في المحاصيل الزراعية. أما مع مغيب الشمس ما تلبث الاشتباكات أن تشتعل في محاولة داعش التسلل إلى نقاط الثوار والتقدم تحت جنح الظلام.
داخل مدينة مارع، أحد أكبر معاقل "الجبهة الشامية" في حلب، قلة من العائلات نزحت من المدينة بفعل الاشتباكات، وتبدو الحياة هنا شبه طبيعية رغم أنّ المدينة تعتبر الخط الأول لجبهة القتال مع داعش، ويبدو أن الأهالي على ثقة بقدرة الثوار على منع داعش من اجتياح مدينتهم.
وتصل على مدار اليوم تعزيزات عسكرية ترسلها العديد من كتائب الثوار (من ريف حلب الغربي ومن إدلب) إلى الريف الحلبي الشمالي. ويجري توزيع هذه التعزيزات على طول خط جبهة القتال مع داعش ابتداءً من الحدود التركية حتى مشارف المدينة الصناعية الشيخ نجار، شمال شرق مدينة حلب.
نجحت هذه التعزيزات في إيقاف تقدم التنظيم إلا أنها لم تفلح حتى الآن في استعادة البلدات التي سيطرت عليها داعش، ولا يزال التنظيم هو من يبادر بالهجوم رغم الخسائر التي يتكبدها، إذ دارت اشتباكات عنيفة بين الثوار و"داعش" في قرية "الشيخ ريح" قرب الحدود التركية، في الخامس من حزيران/يونيو، وقالت حركة أحرار الشام، إحدى فصائل الثوار في سوريا، إن 30 عنصراً من تنظيم داعش قتلوا خلال هذه الاشتباكات كما دمرت دبابتين وسيارة همر للتنظيم.
عند نقاط التماس بين الثوار وتنظيم داعش، يرابط مقاتلو الثوار في نقاط عسكرية بين الحقول الزراعية، والتقت المونيتور بالعقيد أبو أحمد، القائد الميداني في تجمع ألوية "فاستقم كما أمرت"، وقال للمونيتور:" لن نسمح لداعش التقدم أكثر في ريف حلب الشمالي، فقد أصبحت المعركة مصيرية بالنسبة لنا"، إذ أن تقدم داعش يهدد بخسارة الثوار معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، الذي يعتبر كشريان حياة بالنسبة للثوار.
وأثناء لقاءنا بالعقيد أبو أحمد، كانت مروحية لقوات النظام تحوم في الأجواء، قبل أن تلقي براميل متفجرة على قرية إحرص (16 كم شمال مدينة حلب) وفي هذا الشأن يقول أبو أحمد:" تقدم قوات النظام لدعم لتنظيم داعش الإرهابي في معركتنا هذه، فهو يهدف لإضعاف قوة الثوار لتأخير معركة تحرير حلب".
ولا يمكن تفسير غارت النظام على ريف حلب الشمالي بأنها غارات اعتيادية على المناطق الخارجة عن سيطرته، في الحقيقة إنها غارات مكثفة على بلدات وقرى ريف حلب الشمالي تزامناً مع هجوم داعش عليه. يوم الخميس 4 حزيران/يونيو قصف طيران النظام 8 بلدات ومدن تقع على خط التماس بين الثوار وداعش، أو تشكل طريق إمداد للثوار.
كما أن قصف النظام يأتي على بلدات لم تقصف منذ مدة طويلة، فعلى سبيل المثال لم تقصف طائرات النظام قرية إحرص منذ شباط/فبراير وهي قد قصفتها يوم الأربعاء 3 حزيران/يونيو، كما أن قرية تلالين (شمال مارع) لم تقصف منذ تموز/يوليو 2014 وتأتي طائرات النظام لتقصفها يوم الخميس 4 حزيران/يونيو مع محاولات داعش للتقدم إليها.
وكانت عدة فصائل من المعارضة شكلت في الثالث من أيار/مايو غرفة عمليات "فتح حلب" بغية السيطرة على كامل مدينة حلب، التي لا زال يسيطر النظام على نحو نصف أحيائها. ومع هجوم داعش على ريف حلب الشمالي فيبدو أن الثوار لن يتمكنوا من فتح معركتهم مع النظام في مدينة حلب. ويقول للمونيتور، العقيد محمد الأحمد، المتحدث باسم "الجبهة الشامية": " بالتأكيد إن هجوم داعش على ريف حلب سيأخر معركة فتح حلب، لكن المعركة مع النظام جرى التجهيز لها، ربما قد تتأخر لكنها لن تلغى".
ولا توحي المحاولات المستمرة لداعش بالتقدم على بلدات الريف الشمالي أنها حققت هدفها المبتغى بالسيطرة على بلدة صوران والقرى الأخرى، ويتوعد عناصر التنظيم في إصدارات داعش بالثأر من الثوار في مدينتي مارع وتل رفعت اللتان طردوا منها في آذار/مارس 2014 عندما هاجمتهم فصائل الثوار.