حلب، سوريا – انفجرت جبهات القتال في حلب، بعد هدوء نسبي دام قرابة الشهر، الطائرات لم تفارق سماء المدينة وريفها، كما أنّ الاشتباكات لم تكد تهدأ رغم الأحوال الجوية السيئة وتساقط الثلوج أحياناً.
قوات النظام وبدعم غير مخفي من حزب الله وإيران أرادت حسم المعركة في حلب وتحديداً في ريفها الشمالي، المعقل الأكبر للمعارضة، وبالرغم من التقدم المفاجئ الذي حققته قوات النظام، لكن يمكن القول بأنّ الخطة التي كان يُعدّ لها شهوراً قد فشلت في تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، وتكبد النظام وحلفاؤه خسائر كبيرة في الهجوم.
الأحداث بدأت منذ يوم الثلاثاء 17 شباط/فبراير، إذ شنّت قوات النظام عند الساعة السادسة صباحاً هجوماً مباغتاً على قوات المعارضة. وقد تفرّدت قناة المنار التابعة لحزب الله بتغطيته، ما يؤكد الدور الكبير للحزب في هذه المعركة، وجاء الهجوم من عدة محاور في ذات الوقت، بهدف إرباك وتشتيت قوات المعارضة عن الهدف الرئيسي للهجوم.
وشهدت حينها جبهات "عزيزة" و"الراشدين" و"الزهراء" اشتباكات عنيفة جداً، لم تسفر عن أيّ تقدم أو تراجع لكلا الطرفين. غير أنّ الهجوم الرئيسي والأعنف كان على ريف حلب الشمالي ومن محورين. خلال جوّ من الضباب وبمساعدة عملاء تمكنت قوات النظام وحزب الله من خرق دفاعات المعارضة والتسلل إلى بلدات "باشكوي" و"حردتنين" و"رتيان" والسيطرة عليهم.
هذا التقدم المفاجئ أربك قوات المعارضة، فهو يعني فصل الريف الشمالي المفتوح على تركيا عن مدينة حلب وريفها الغربي، ما يؤدي إلى خنق طرق الإمداد العسكرية، وكانت تهدف قوات النظام من خلال هذا التقدم فتح طريق إلى قواتها المحاصرة في بلدتي نبل والزهراء. سارعت المعارضة من جهتها إلى تجميع قواها وتمكنت في ذات اليوم من استرجاع بلدة رتيان، باستثناء مبنى مؤلف من طابقين تحصن فيه العشرات من الجنود.
محور الهجوم الثاني في ريف حلب الشمالي كان على منطقة "الملاح". الهدف هو حصار مدينة حلب، إذ أنّ منطقة الملاح تشرف مباشرة على طريق "الكاستلو"، وسيطرة قوات النظام عليها تعني قطع المنفذ الوحيد إلى الأحياء "المحررة" في مدينة حلب.
غير أنّ هذا الهجوم فشل فشلاً ذريعاً، هو أشبه بـ "محاولة انتحار" كما قال الثوار المرابطين هنالك لـ "المونيتور"، فقتل خلاله ما يزيد عن 75 عنصراً من قوات النظام وكان بينهم إيرانيون ولبنانيون، بحسب هيئة الطبابة الشرعية التي سحبت جثث القتلى.
المونيتور دخلت الأربعاء 18 شباط/فبراير إلى خطوط المواجهات في الملاح ورتيان، وقد كانت آثار الدمار الهائلة في منطقة الملاح شاهدة على ضراوة القصف الذي شهدتها خلال الأشهر الماضية، ويقول أحد عناصر الثوار المرابطين هناك متحدثاً لـ "المونيتور": " كانت هنالك مسافة شاسعة تفصل بين نقاطنا ونقطاهم، فإنّ أيّ محاولة للتقدم من طرفنا أو طرفهم كانت تعني الانتحار لأن التحركات ستكون مكشوفة للآخر".
وأضاف مشيراً إلى نقاط قوات النظام في حندرات:" لقد اقتحموا (قوات النظام) علينا من هذه الجهة (حندرات) .. لكن أحداً منهم لم يعد على قيد الحياة، وكان واضحاً أنهم مدفوعون لتحقيق تقدم مهما كانت التكلفة".
محاولة قوات النظام الحثيثة لحصار مدينة حلب، تأتي لكسبه ورقة الضغط مع تعثر المفاوضات الرامية لتجميد القتال في حلب، التي يرعاها المبعوث الأممي لسوريا، ستيفان دي ميستورا، الذي أعلن الأربعاء عن قبول النظام بـ "هدنة مؤقتة" تشمل وقف القصف الجوي والمدفعي على حلب لمدة ستة أسابيع.
لم تكد تهدأ الاشتباكات في بلدة رتيان عندما تحدثنا إلى المقدم أبو بكر، إذ كانت المعارضة تحاول السيطرة على المبنى الأخير الذي يتحصن فيه عناصر النظام.. استمرت الاشتباكات حتى المساء، ليستسلم الجنود الـ 48 داخل المبنى بعد أن نفذت ذخيرتهم ووقعوا جميهم أسرى بيد الثوار، وقد كان بينهم سوريون منتسبون إلى حزب الله.
وبدت المعارضة متمسكة بموقفها، ويقول المقدم أبو بكر، القائد العسكري للجبهة الشامية، أكبر فصائل الثوار في سوريا، أكبر فصائل الثوار في سوريا، عندما التقينا به في بلدة رتيان: "إنّ دي ميستورا لم يعد مفاوضاً نزيهاً" في إشارة منه إلى تصريحات دي ميستورا بأنّ الأسد جزء من الحل في سوريا، وأضاف أبو بكر:" إنّ خطة النظام باءت بالفشل، وخسر خلال اليومين الماضيين 300 عنصراً من جنوده في مختلف جبهات حلب (..)هذه الأرض التي نقف عليها الآن ستكون مقبرة لكل من يحاول غزوها".
خلال جولتنا في رتيان، كانت تصل تباعاً تعزيزات جديدة للثوار، في حين أنّ من بقي من رجال البلدة حمل السلاح دفاعاً عن دياره من هجوم قوات النظام وحزب الله، ويقول السكان هنا إنّ ما يجري هو محاولة احتلال إيرانية بالتعاون مع حزب الله والنظام لأراضيهم، وقد اكتشف الدفاع المدني جثث 34 شخصاً مدنياً اعدموا بالرصاص من قبل عناصر النظام والميلشيات الأجنبية قبل انسحابهم من البلدة، لا يمكن تفسير هذا إلا بكونه تصفيه مذهبية.
وتواصلت الاشتباكات حتى يوم الجمعة، ليتمكن الثوار من استعادة بلدة "حردتنين" التي كان يحتجز عناصر النظام داخل مدرستها 200 مدني جعلوا كدروع بشرية. أسرت المعارضة خلال هذه المعركة 9 عناصر من قوات النظام وقتل نحو عشرة آخرين، حسبما قال قائد ميداني للمونيتور، فيما أُسر آخرون أثناء محاولتهم الهروب بزيّ مدني.
لم تقف المعارضة عند موقف الدفاع، بل شنّت هجوما معاكساً تمكنت خلاله من السيطرة على منطقة "عرب سلوم" التي كان يسيطر عليها النظام منذ 14 كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وبعد تقدمهم هذا تتجه عيون الثوار إلى "حندرات" و"باشكوي" بغية تأمين طريق الكاستلو، وإبعاد شبح الحصار عن مدينة حلب، وفيما خسرت قوات النظام وحلفاؤها العديد من القتلى والأسرى فإنها انتقمت بذلك من المدنيين، ليتكشف عن 14 جثة أخرى أعدمتها قوات النظام وحزب الله رمياً بالرصاص في حردتنين، تضاف إلى مجزرة رتيان، ليكون إجمالي الضحايا 49 مدنياً وثقوا بالاسم كان بينهم تسع أطفال وخمس نساء.