يمكن الحديث عن قائمة طويلة من الاسباب والالتباسات التي قادت الى الانهيار السريع للقوات العراقية في الموصل ومدن اخرى جنوبها، ويمكن البحث في عوامل داخلية وخارجية تداخلت في تمكين مجموعات "داعش" من دخول المدن العراقية من دون مقاومة حقيقية من قوى الامن.
كل ذلك يتم البحث به في كل وسال الاعلام، لكن نقطة مركزية يتم اهمالها اليوم تتعلق بموقف السكان المحليين في الموصل ومعظم المناطق السنية الاخرى من كل هذه الاحداث.
الواقع يشير الى ان غالبية كبيرة من السكان السنة حاولوا الخروج من مناطق الازمة توقعاً لعمليات عسكرية كبيرة، وموجة النزوح السنية ليست جديدة، بل انها بدأت بشكل مكثف طوال الاعوام العشر الماضية سواء الى خارج العراق او داخله.
الواقع الذي يجب الاعتراف به من الاطراف السياسية العراقية مجتمعة، ومن الحكومة العراقية على وجه التحديد، يتعلق بسياسات خاطئة في ادارة المناطق السنية ، وفي التعامل مع سكانها، وفي احترام خصوصياتها.
فالمراجعة جزء اساسي من اي حل في العراق، ومن دونها يكون اي حل بمثابة دوران حول الحقائق.
المناطق السنية تشكو طوال السنوات الماضية من انها تعرضت الى سلوكيات مهينة على يد الاجهزة الامنية التي زاد من حساسيتها كون تلك الاجهزة "شيعية" في غالبيتها واستقدمت من جنوب العراق ويفتقر جنودها الى المهنية العسكرية.
وكان الحديث السني دائم عن قضية الاعتقالات العشوائية، والتجاوزات على حقوق الانسان في السجون، ومن عدم منح المحافظات السنية استحقاقاتها من الموازنة حسب نسب السكان.
هل هذه الاسباب كافية لتأييد نسبة من السكان لتنظيم متطرف مثل "داعش"؟.
واقع الحال ان من الصعب الحكم بتأييد السكان لتنظيم "داعش"، فهم اختبروا طوال سنوات ممارسات المجموعات المتطرفة، وكانوا مستعدين ومهيئين لقتال هذه التنظيمات ابتداء من عام 2006 والانتصار عليها، وطردها من معظم المدن السنية، فلا مخاوف من تأييدهم لها سواء اليوم او في المستقبل.
الخوف الحقيقي يتعلق بالسلوكيات السياسية الخاطئة التي فشلت في اجتذاب السنة في العموم، واقناعهم بان التجربة الجديدة في العراق تمثلهم، وانهم جزء من صناعتها.
والخوف الاكبر ان يقتنع السكان بطروحات تروج في مناطقهم تذهب الى ان التحالف مع "داعش" مؤقت ضد الحكومة، على هدف مشترك هو عزل مناطقهم عن بغداد.
مثل هذا الطرح يمكن ان ينطلي على البعض تحت وطأة الشعور بالحساسية والعدائية تجاه اجهزة الدولة في العموم والاجهزة الامنية بشكل خاص.
لكنه في نهاية المطاف طرح مضلل، فالتنظيمات المتشددة ومنها "داعش" و"النصرة" دخلت العديد من المدن السورية تحت ظل شعار الدفاع عنها ضد النظام، ثم سارعت الى تطبيق رؤيتها في حكم تلك المناطق، وهي رؤية قائمة على نصب محاكم التفتيش، والاعدام الكيفي، وتطبيق وجهة نظرهم تجاه الشريعة الاسلامية.
ما يحتاج اليه العراق هو مصارحة حقيقية تسبق مصالحة تقوم على اساس احترام الاطراف المختلفة، والتوافق على اسس الدولة واليات ادارتها، والحلول الامنية مطلوبة، لكنها يجب ان تكون باشراك السنة فيها وليس من دونهم.