مدينة غزّة ورفح – اختلط الرعد بصوت القصف الإسرائيلي، فلم يعد أهالي قطاع غزّة يدركون أي منهما هو انفجار السماء وأيهما انفجار القنابل فوقهم على علوّ جويّ منخفض.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عبارات تجمع ما بين الخوف من حرب جديدة وبين الفرحة من جرّاء هطول الأمطار، وذلك عقب تصعيد عسكري ما بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينيّة. وقد بدأ التصعيد باغتيال الطائرات الإسرائيليّة ثلاثة عناصر من "سرايا القدس" الجناح العسكري لـ"حركة الجهاد الإسلامي" الثلاثاء في 11 آذار/مارس الجاري في جنوب القطاع، فردّت عليه "سرايا القدس" بإطلاق عمليّة أسمتها "كسر الصمت" مساء اليوم التالي في 12 آذار/مارس. وقد أطلقت في خلالها 130 صاروخاً وقذيفة على المدن الإسرائيليّة. وفي تغريدة على موقع "تويتر"، كتب سعد الوحيدي "بالأمس في #غزّة تداخل صوت القصف بأصوات صواريخ العزّة والرعد زخات المطر.. سيمفونيّة رائعة لا تتكرّر".
إلى ذلك عبّر مواطنون لـ"المونيتور" عن خوفهم من حرب جديدة. فقالت ختام الحمايدة (36 عاماً) "أصابنا الرعب ليلة أمس بعد إطلاق الصواريخ المحليّة، وانتظرنا الردّ الإسرائيلي. لذلك اعتقدنا صوت الرعد قصفاً. لكن في كلّ مرّة كانت تضاء فيها السماء أو تمطر، كنت أتأكد أنه رعد فأتنفّس الصعداء".
وتوافقها إيمان مرتجى (35 عاماً) الرأي فتقول "اعتقدنا أن الحرب بدأت. ومع كلّ رعد كنا نصغي جيداً كي نتأكد إذا كان ذلك قصفاً أم لا. فقد خفقت قلوبنا خوفاً لأننا لا نريد حرباً جديدة".
أما ميسون (32 عاماً) فتقول ساخرة "اعتقدت أن الحرب بدأت. لكن حين استيقظت صباح الخميس رأيت الدنيا هادئة. بصراحة تمنّيت الحرب لتغيير روتين الحصار والأزمات في غزّة". وتلفت إلى أنه بمجرّد انتشار أخبار عن حرب جديدة، ازدحمت محطات الوقود بالسيارات وتزاحم كذلك المواطنون أمام أبواب المخابز.
وفي مقابلة مع أحد العاملين في مخبز كندا بمدينة رفح طاهر الخالدي (23عاما) قال للمونيتور "خلال التصعيد العسكري تزاحم أهالي المنطقة لشراء الخبز على الرغم من أنهم عادة ما يخبزون في البيت".
وأضاف "مع أخبار الحرب والمنخفض الجميع خرج ليشتري الخبز وقد بعت في اليوم الواحد 25 حزمة خبز رغم أنني في الأيام العادية أبيع 15 حزمة فيها 23 رغيفاً".
المواطن إياد الكدش (43عاماً) من مدينة رفح قال أن العديد من المواطنين خرجوا بالفعل ليشتروا الخبز بكميات كبيرة مع انتشار أخبار العدوان الاسرائيلي وأصوات القصف، مضيفاً للمونيتور" أنا في بيت عائلتي هناك أكثر من خمسة وخمسين امرأة ورجل وطفل ومن الصعب أن نشتري حزمات الخبز فهي مكلفة للغاية، لذلك قمنا بإعطاء المخبز الدقيق ليخبز لنا".
وكانت إسرائيل قد أعلنت، مساء الأربعاء 12 آذار/مارس الجاري، إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري. ويقول رئيس لجنة تنسيق البضائع في قطاع غزّة رائد فتوح لـ"المونيتور" إن "إسرائيل أبلغتنا بشكل رسمي عبر الإدارة العامة للمعابر أنه تمّ إغلاق معبر كرم أبو سالم حتى إشعار آخر، لأسباب أمنيّة تتعلق بالتطوّرات الأخيرة". ويرى أن الأزمة الأكبر التي ستواجه القطاع تكمن في نقص المحروقات في ظلّ عدم توفّر أي مخزون للوقود.
ويأتي هذا التصعيد العسكري في ظلّ حصار مشدّد على القطاع بعد إغلاق معبر رفح البرّي من قبل السلطات المصريّة منذ ما يزيد عن الشهر وفتحه فقط أمام المعتمرين القاصدين مكّة في السعوديّة.
ويقول هنا المتحدّث باسم "حركة حماس" سامي أبو زهري لـ"المونيتور" إن "هذا الحصار لن يمنع المقاومة من الردّ وبقوّة في حال حدوث عدوان إسرائيلي جديد". يضيف أن "الاحتلال يتحمّل مسؤوليّة التصعيد القائم في غزّة لأنه بدأ باغتيال ثلاثة عناصر من الجهاد الإسلامي"، موضحاً أن المقاومة في حال دفاع عن النفس.
وينبّه أبو زهري إلى أن تهديدات الاحتلال لن تخيف فصائل المقاومة، وإذا فُرضت عليها المعركة فإنها ستحمي أبناء الشعب الفلسطيني، رافضاً التحدّث عن تفاصيل خطّة المقاومة لـ"عدم إثارة مخاوف أهالي القطاع" بحسب ما يقول.
وعن إمكانيات المقاومة في ظلّ الحصار، يقول "صحيح أن ثمّة فارقاً ضخماً في الإمكانات بيننا وبين الاحتلال، لكننا نمتلك إرادة قويّة".
وفي السياق نفسه، يقول الكاتب السياسي إبراهيم المدهون لـ"المونيتور" إن السيناريوهات جميعها مفتوحة، وقد تؤول الأوضاع إلى تدهور خطير.
يضيف "أعتقد أن الاحتلال لا يريد تطوير المواجهة إلى حرب، كذلك فإن حماس حريصة على ألا تدخل المواجهة بشكل مباشر. لذلك أعتقد أن الاحتلال سيوجّه ضربات قاسيّة إلى حركة الجهاد والمقاومة".
ويرى المدهون أن واقع "حماس" صعب ومعقّد، وثمّة رأي مسموع في داخلها يقول إن ضرر الهدنة أصبح أكبر من منفعتها، في ظلّ الحصار وتفاقم الأزمة الماليّة ومعاداة الدول العربيّة المتصاعدة لوجودها، ومحاولة تغيير الواقع في غزّة.
وكان القيادي في حركة "الجهاد" خالد البطش قد كتب على صفحته على موقع "فيسبوك" بعد ظهر يوم 13 آذار/مارس الجاري أنه "بعد جهود واتصالات مصريّة حثيثة، تمّ تثبيت التهدئة وفقاً لتفاهمات 2012 التي تمّت في القاهرة برعاية مصريّة كريمة، شرط أن يلتزم العدو بتفاهمات التهدئة وعدم خرقه للاتفاق..".
لكن المدهون يرى أن هذه الهدنة ربما تكون خدعة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إذ كتب "الاحتلال خدع المقاومة أكثر من مرّة بحديثه عن التهدئة وقام باصطياد هدف كبير. هو يريد للمقاومة التراخي ليسهّل استهداف شيء يبدأ به العدوان".
ولم تكد أخبار التهدئة تنتشر بعد خطاب الأمين العام لـ"الجهاد الإسلامي" رمضان شلح الذي قال في خلاله "نلتزم بالتهدئة، طالما التزم بها العدو الإسرائيلي"، حتى عادت طائرات الاحتلال الإسرائيلي فجر الجمعة 14 آذار/مارس الجاري لقصف أهداف لفصائل المقاومة في جنوب القطاع وشماله.
ومع عودة القصف الإسرائيلي، عادت تعليقات أهالي القطاع على موقع "فيسبوك"، لتتوقّع من جديد احتمال حدوث حرب ثالثة وتسخر من التهدئة. وعلى سبيل المثال، كتب حاتم عفانة "التهدئة طلعت مش حاطة مُثبِّت!".
وتخبر عبير أبو هاشم من مدينة رفح أنها أغلقت النوافذ بسبب البرد الشديد والأمطار. وتقول لـ"المونيتور" إنه كان من المفترض أن تفتحها كي لا تتحطّم من شدّة القصف وضغطه، لكنها تفضل آثار القصف على البرد. لكن محمد أبو إياد فعل العكس، إذ هو يفضّل البرد والمطر على أن تنفجر النوافذ في وجهه. ويخبر أن "النوافذ تهتزّ تارة من جرّاء الانفجارات وتارة من جرّاء الرياح".
واحتارت المواطنة عبير أبو هاشم(25عاماً) من مدينة رفح، بين أن تغلق النوافذ لتحمي ابنها ايوان (3سنوات ونصف) وابنتها إنجي (سنة وثلاثة شهور) من البرد والمطر أم تفتحها كي لا تتكسر من القصف، وقالت للمونيتور صباح يوم الجمعة "أغلقت النوافذ بسبب البرد الشديد والأمطار خوفاً على ابني وابنتي، وحين بدأ القصف لم أفتحهم، ولكن حين يزداد أفتحهم خوفاً من تحطم النافذة".