تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"اللامنتمون" وسط الأجواء الطائفيّة المشحونة في العراق

فشلت الحكومة العراقيّة في التوصّل إلى برنامج إجماع وطني يمثّل الهويّة العراقيّة، كهويّة جامعة. و"اللامنتمون" وُضعوا خارج الإطار السياسي والاجتماعي للعراق، لأنهم يحاولون البحث عن هويّة إنسانيّة تفصلهم عن الهويات المذهبيّة والقبليّة الضيّقة المحصورة والمتخاصمة في البلاد.
A man on his bicycle passes near the site of a car bomb attack in Baghdad, January 14, 2014. Four car bombs killed at least 25 people in Shi'ite Muslim districts of Baghdad on Monday, police said, in violence that coincided with a visit to the Iraqi capital by U.N. Secretary-General Ban Ki-moon. Although no group claimed responsibility, the bombings appeared to be part of a relentless campaign by al Qaeda-linked Sunni Muslim militants to undermine Prime Minister Nuri al-Maliki's Shi'ite-led government. REUT

يشهد العراق تفاقماً مستمراً في الصراع الطائفي الذي يذهب في اتجاهات مختلفة، ما يجعل من الصعب البقاء على الحياد بالنسبة إلى من لا يريد أن يكون جزءاً من المعركة. وفي آخر تطوّرات هذا الصراع، أشعلت عمليات الأنبار العداء الطائفي بشكل مختلف وبشدّة أكبر بين العراقيّين. ويمكن القول إن ما نشهده اليوم في العراق هو ظهور تركيبة معقّدة من الأحقاد المتراكمة بين المذاهب والمناطق والعشائر العراقيّة، لم يسبق له نظير في تاريخ العراق. فقد اندمجت مشاعر انتقاميّة متنوّعة أضيفَت إلى الشعور الطائفي بين السنّة والشيعة.

لا يحتاج المتابع اليوم إلى جهد كبير لرؤية الشرخ المتفاقم بين العراقيّين. فالحدود الجغرافيّة والقبائليّة والمذهبيّة أصبحت في غاية الوضوح. جغرافياً، أصبحت كلمة "الغربيّة" تستخدم للإشارة الى السنّة المتعاونين مع الإرهاب من قبل عدد كبير من أهل الجنوب. كذلك فإن كلمة "الجنوب" تستخدم للإشارة إلى الشيعة المتعاونين مع إيران العدوّة اللدودة للعراق. وقبائلياً، انقطعت أواصر القربى بين العشائر المنقسمة بين سنّة وشيعة، بالإضافة إلى عزلة القبائل ذات الغالبيّة المطلقة السنيّة أو الشيعيّة. إلى ذلك، ما زال المذهب يلعب دوراً بارزاً في الخصومات بين الأطراف.

وفي أجواء مشحونة مماثلة، ثمّة فئة غير منتمية إلى هذه التقسيمات، وهي منبوذة وتواجه ضغطاً من قبل الجميع. فقد أصبح صوت أهل تلك الفئة مكتوماً وصت أصوات البنادق والمدافع والتصريحات العدائيّة. فقسم منهم غاب عن الساحة تماماً والقسم الآخر محاصر ومهدّد من قبل بيئته الاجتماعيّة الأصليّة والبيئات الاجتماعيّة الأخرى.

تحوّل العراق إلى ساحة صراع بين انتماءات طائفيّة كبرى، وقد انقسم بشكل محدّد إلى ثلاثة كيانات أساسيّة: الشيعة والسنّة والأكراد. هكذا بقي الآخرون خارج اللعبة. فثمّة فئات متنوّعة من الأقليات الدينيّة والعرقيّة التي لا تصنّف نفسها ضمن المثلّث المذكور، لكنها لا تجد نافذة للظهور سوى من خلال أحد الكيانات الثلاثة. فقد تكتّل المسيحيّون مع الأكراد لأنهم وجدوا بيئة أكثر أماناً لهم في إقليم كردستان العراق، وما زال الكثيرون منهم من بين أقليات أخرى يبحثون عن ملجأ لهم في خارج البلاد يمثّل لهم وللعراق "هجرة اللاعودة". وثمّة أعداد كبيرة من الشيعة والسنّة غير المنتمين إلى الهويات الطائفيّة. هم ينتمون إلى هويّة المواطنة العراقيّة، لكنهم مهدّدون من قبل بيئتهم قبل أن يكونوا مهدّدين من قبل غيرهم. فهم يُعتبَرون من قبل أبناء هويّتهم خونة لأنهم لا يهرولون تلبية لنداء طبول الحرب. وما حدث في الأنبار نموذج واضح لمدى صعوبة موقف هذه الشريحة.

فقد وجد الشيعة المنتقدون للعمليات أنفسهم مرفوضين ومنبوذين في الشارع الشيعي، في حين وجد السنّة المنتقدون للجماعات المسلحة السنيّة أنفسهم متّهمين بخيانة منطقتهم. وبدأت التصريحات والشعارات الناريّة تطلَق من كلّ مكان وفقاً لقاعدة: كن معي أو أنت عدوي.

وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد شحن خطابه للإعلان عن عمليات الأنبار بمفاهيم الثأر الدينيّة، مستحضراً الإرث القديم لنزاعات التاريخ الإسلامي. فقال "الذين قتلوا الحسين لم ينتهوا بعد، ها هم اليوم موجودون، والحسين بلون آخر لا يزال موجوداً وهو نفسه الذي يُستهدف من قبل هؤلاء الطغاة، إذن أنصار الحسين وأنصار يزيد (الخليفة الذي أمر بقتل الإمام الثالث للشيعة حسين بن علي) مرّة أخرى وعلى طول الخط يصطدمون في مواجهة شرسة عنيدة". وقد كتب الناشط والباحث العراقي نبراس الكاظمي على صفحته على موقع "فيسبوك"  منتقداً استغلال المشاعر الدينيّة في إدارة الدولة، ومعتبراً أن الثارات الدينيّة غالباً ما استُغلت من قبل السلاطين للوصول إلى السلطة، مضيفاً أن تجارة الثارات ما زالت رائجة لدى قادة العراق اليوم.وما زاد الطين بلّة، قضيّة قتل أربعة من الجنود العراقيّين الأسرى على يد الإرهابيّين في 11 كانون الثاني/يناير الجاري. فقد ظهرت قصص ثأر عشائريّة بخصوص كيفيّة قتل الجنود، من دون توفّر أي وثائق تدعمها، وذلك على أساس أن عشائر الدليم أكبر قبيلة عراقيّة في الأنبار قامت بأسر وقتل الجنود الأربعة الذين ينتمون إلى العشائر الجنوبيّة.    

وفي ظلّ أجواء مماثلة مشحونة بثارات دينيّة وعشائريّة، لم تجد المبادرات الحكيمة إقبالاً بل اعتبرها الشارع غدراً وتخاذلاً من قبل من أطلقها. فلم يمضِ وقت طويل على مبادرة رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عمّار الحكيم بخصوص حلّ أزمة الأنبار، حتى واجهت رفضاً من قبل الحكومة العراقيّة على أساس أن المبادرات يجب أن تأتي بعد النصر والحسم العسكري. وشهد الشارع العراقي ظهور مجموعات متشدّدة تنتقد المبادرات غير العسكريّة وتساوي ما بين الإرهابيّين وأهل الأنبار كافة. وقد جاء في بيان لإحدى هذه المجموعات: "إلى السيّد عمّار الحكيم والسيّد مقتدى الصدر وإلى أنبارنا وبرلماننا... ماذا يقول السيّد عمّار بعد قتل الأبرياء الأربعة، وماذا يقول السيّد مقتدى بقتل أعز الشباب من أبناء العراق (...) هل يعلمون أن هديّة الأنبار إلينا هي قتلهم للأبرياء الأربعة، هل يعلمون أن البيانات والمبادرات التي بعثوا بها إلى أهل الأنبار جوابها قتل أربعة من أبطال جيشنا".

ومن الغريب أن منطق الثأر العشائري قد ساد حتى أجواء المثقفين العراقيّين الذين امتلأت صفحاتهم على موقع "فيسبوك" بمواد تستند إلى قيم قبليّة تؤكّد على فضائل عشائر الجنوب في مقابل رذائل عشائر الغربيّة، أو تجعل الشيعة في دور الضحيّة في مقابل إلصاق دور الجلاد بالسنّة. ويشاهد العكس أيضاً على صفحات بعض مثقفي السنّة من الأنبار، الذين يبرزون فضائل عشائرهم في مقابل رذائل عشائر الجنوب أو يجعلوا السنّة في دور الضحيّة في مقابل إلصاق دور الجلاد بالشيعة.

وفي موقف حرج مماثل، لم يبقَ فضاء لـ"اللامنتمين" من الطائفتَين كي يبدوا آرائهم ويعبّروا عن هويّتهم المدنيّة الرافضة للانتماءات المذهبيّة والعشائريّة الإقصائيّة. فقد كتب الناشط والإعلامي العراقي "علي اينوما" على صفحته على موقع "فيسبوك" بصفته ابن الأنبار، أن أهالي الأنبار ليسوا كتلة واحدة، والمتشددون لا يمثلون عدداً كبيراً منهم وأن "عقولنا تفكّر بالحب والسلام والتعايش". وأوضح أن ما يقال ويكتب عنهم يعكس فقط "الأخبار السيّئة".

من جهته، توقّف الإعلامي عمر الشاهر عن نشر تقاريره اليوميّة حول الوضع في محافظات الأنبار والتي كان ينشرها مباشرة من داخل المنطقة. وأتى ذلك على خلفيّة المشاجرات العدائيّة العنيفة التي كانت تنشأ عن تعليقات أصدقائه الافتراضيّين على صفحته على "فيسبوك". وكتب عمر تعليقاً على آخر ما نشره: "أتمنى أن يغادر الموتورون إلى الأماكن التي تليق بهم، ويتركوننا نحزن بسلام".ما يظهر من دراسة موقف الانتماءات الطائفيّة المتوسّعة في العراق هو أن الحكومة العراقيّة قد فشلت في التوصّل إلى برنامج إجماع وطني يمثّل الهويّة العراقيّة، كهويّة جامعة. و"اللامنتمون" وُضعوا في خارج الإطار السياسي والاجتماعي للعراق لأنهم يحاولون البحث عن هويّة إنسانيّة تفصلهم عن الهويات المذهبيّة والقبليّة الضيّقة المحصورة والمتخاصمة في البلاد.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise AI-driven

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

All premium Industry Newsletters - Monitor the Middle East's most important industries. Prioritize your target industries for weekly review:

  • Capital Markets & Private Equity
  • Venture Capital & Startups
  • Green Energy
  • Supply Chain
  • Sustainable Development
  • Leading Edge Technology
  • Oil & Gas
  • Real Estate & Construction
  • Banking

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in

Start your PRO membership today.

Join the Middle East's top business and policy professionals to access exclusive PRO insights today.

Join Al-Monitor PRO Start with 1-week free trial