يصف الكاتب والمحلل السياسي صفاء خلف في حديث إلى "المونيتور" "المبادرة الوطنيّة للسكن" التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي بأنها تنسجم مع "عقليّة المكارم والهبات".
ويبدو أن الحملة الانتخابيّة الخاصة بانتخابات مجلس النواب العراقي المزمع إجراؤها في موعد أقصاه 30 نيسان/أبريل المقبل بدأت مبكراً في العراق. وهذه المرّة تستعمل بعض الكتل السياسيّة شتّى أنواع الإغراءات للمواطنين بغية الحصول على أصوات تدرّ على الكتل السياسيّة مقاعد في المجلس.
والمالكي كان أوّل من بدأ هذه الحملة بإعلان توزيع 420 قطعة أرض في ناحية الرشيد، في إطار مبادرة أطلق عليها "المبادرة الوطنيّة للسكن"، لكن خصوم المالكي اعتبروا الخطوة إيذاناً ببدء الحملة الانتخابيّة لكتلته مذكّرين بما قاله في مؤتمر صحافي شهير في العام 2009 عن عدم توزيع الأراضي على المواطنين: "نحتاج من أجل تطبيق ذلك إلى أراضي الدول المجاورة لأن مساحة أرض العراق لا تكفي لذلك".
ويقول خلف إنه "حين تهزم الحكومة أمام مواطنيها تقوم باستغلال حقوقهم ومنحها إياهم على أنها هبات". ويشير إلى أنه "لطالما كرّست السلطة هذا المفهوم طيلة عقود مضت. والآن تعيد السلطة الجديدة إنتاج الأمر ذاته، عبر شراء الأصوات الانتخابيّة".
ويلفت خلف إلى أن "المالكي جرّب في الانتخابات السابقة شراء الأصوات، حين أعلن من البصرة أن المتجاوزين على أراضي الدولة (الحواسم) لن يخرجوا منها. وكان ذلك قراراً ارتجالياً أمام الحشود المصفّقة، لم يُحاسَب عليه". ويوضح أن "المالكي عاد الآن ليلعب اللعبة ذاتها عبر هبات يخصّصها لنقابة الصحافيّين. وفي الشقّ الثاني قطع أراضٍ للمواطنين".
ويتّهم محافظ بغداد عن التيار الصدري علي التميمي القائمين على مبادرة توزيع الأراضي بالمحاباة والمحسوبيّة في توزيع هذه الاراضي، ويقول إن عدداً كبيراً ممن استلمكوا تلك الأراضي هم من المياسير الذين يملكون بيوتاً.
ويوضح التميمي أن توزيع الأراضي في بغداد هو من صلاحيات محافظ بغداد باعتباره رئيس الحكومة المحليّة وليس من صلاحيات الحكومة المركزيّة، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء لم يستشره في أمر التوزيع ولم يستفد من خبرات المحافظة في هذا الشأن.
وبعيداً عن التوزيع المباشر للأراضي على المواطنين، فإن المالكي يستقطب النقابات المهنيّة من خلال الوعود بتوزيع الأراضي على منتسبيها. ويقول رئيس فرع نقابة المعلمين في النجف محمد البديري إن رئيس الوزراء أمر بتخصيص قطع أراضٍ سكنيّة لجميع المعلمين والمدرّسين الذين لم يستلموا واحدة بعد في بغداد والمحافظات "تقديراً وعرفاناً لجهودهم في صناعة الأجيال". يضيف أن "موافقة رئيس الوزراء جاءت بعد لقائه مع رئيس فرع المعلمين في الرصافة محمد سعيد الساعدي، الذي أثمر عن تخصيص أراضي سكنيّة لجميع المعلمين والمدرّسين في العراق". لكن عدداً كبيراً من هؤلاء في بغداد، ينفون تخصيص أراضٍ سكنيّة لهم.
وتقول بسمة إسماعيل وهي معلمة في مدرسة تابعة لمديريّة تربية الكرخ في حديث إلى "المونيتور"، إن تعليمات وصلت إلى إدارة مدرستها تطلب منها ومن زملائها ممن لم يستلموا أراضٍ من الدولة سابقاً مراجعة دوائر التربية المختصّة لملء الاستمارات الخاصة من أجل الحصول على الأراضي الخاصة بالمعلمين". لكنها تلفت إلى أنه "عندما راجعنا أنا والمئات من زملائي المعلمين دائرة التربية، أخبرونا أن الاستمارات قد نفذت من دون أن نعلم متى بدأ التوزيع ووفق أي آليّة". تضيف "حين سألت الموظف المختص، أخرجوني عنوة مع عدد من المعلمين والمعلمات الذين لم يحصدوا سوى وعود انتخابيّة".
من جهتها ترى إيمان فاضل في حديث إلى "المونيتور" أن "توزيع الأراضي دعاية انتخابيّة فارغة لا تختلف عن أكاذيب الكهرباء والخدمات والأمن التي لم نجد لها تطبيقاً على الأرض". ويتدخل زوجها كريم الربيعي وهو صحافي يعمل في إحدى الصحف اليوميّة، قائلاً "تعوّدنا أن نستمع إلى اهتمام المسؤولين بمعاناة المواطنين كلما اقتربت الانتخابات البرلمانيّة".
وإذا كانت أراضي المعلمين مجرّد وعود، فإن الصحافيّين وصلوا إلى مرحلة القرعة في توزيع ألف قطعة أرض في بغداد. وعلى الرغم من مرور أكثر من شهرَين على ذلك، إلا أن ما من أحد يدري ما هو مصير تلك الأراضي. وإذا لم يتمّ تمليكها قبل الانتخابات، فإنها ستكون مجرّد تواطؤ من النقابة مع المسؤولين من أجل الاستحواذ على الأصوات الانتخابيّة.
ويرى مدير مرصد الحريات الصحافيّة في بغداد زياد العجيلي أن الحكومة العراقيّة تعمل وفق خطط عشوائيّة لتوزيع الأراضي على المواطنين والصحافيّين. ويوضح لـ"المونيتور" أن "الحكومة بخاصة رئيس الوزراء يحاول من خلال توزيع هذه الأراضي إسكات الصحافيّين أو رشوتهم". يضيف "لكن الصحافيّين لن يسكتوا عن إخفاقات الحكومة التي تتفاقم يوماً بعد آخر على المستوى الخدمي والسياسي".