لم يحدث شيء! مرّ الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري الذي دعت حركة "تمرّد-فلسطين" ليكون يوماً لإسقاط حكومة "حماس"، بسلام.. على الرغم من توقّعات عديدة بحدوث العكس.
في الصباح، كانت شوارع غزّة فارغة إلا من رجال الأمن عند تقاطعات الشوارع الرئيسيّة التي زيّنت بصورٍ جديدة في ميدان فلسطين وعند مفترق الجامعات.. صور لقائد كتائب القسّام السابق أحمد الجعبري الذي تقترب ذكرى استشهاده في حرب تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
يقول سائق سيارة أجرة لـ"المونيتور" وهو يشير إلى إحدى الصور، "هذه الصورة تمّ وضعها ليلة 11/11 لإغاظة تمرّد، حتى يتذكّر الجميع أمجاد حركة حماس. ويُقال أن الميدان سيتمّ تغيير اسمه من ميدان فلسطين ليصبح ميدان الجعبري". ثم راح يصف الصورة في الليل وسط الأضواء المحيطة بها.
وليس بعيداً عن صورة أخرى للجعبري عند بوابة مبنى العلوم في جامعة الأزهر، شهد "المونيتور" مشادة بين رجال الأمن الذين دخلوا ساحة المبنى والطلبة. أبو محمد (اسم مستعار) حارس من حراس الجامعة، يضع على صدره بطاقة توضح ذلك. يقول لـ"المونيتور" إن "هذه مشاجرة بين رجال الأمن وطلاب جامعيّين. وليس لها علاقة بتمرّد. في الصباح تشكّل تجمّع مؤيّد لتمرّد لكننا منعناه. لا نريد مشاكل اليوم، لأنها ستنعكس على المسيرة التعليميّة".
وكانت "تمرّد" قد أعلنت في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري إلغاء الفعاليات وعدم خروج مسيرات مناهضة لحكم "حماس" في القطاع بحسب ما كان مخططاً، وذلك نتيجة تقارير قالت "تمرّد" إنها حصلت عليها حول نوايا حركة "حماس" استخدام العنف ضدّ تحرّكاتها.
على عكس الشوارع الخالية، امتلأت صفحات المواقع الاجتماعيّة سخرية من هذا الهدوء. فيكتب المدوّن خالد الشرقاوي على موقع "تويتر" أن "تمرّد شكلها تريد التمرّد في الليل، في البَرَاد (البرد)"، في حين ينشر الفنان باسل المقوسي على حسابه على موقع "فيسبوك" "أنا سمعت بكذبة نيسان ولكن أوّل مرّة أسمع بكذبة 11/11". من جهتها سخرت ربا على "تويتر" مغرّدةً "#تمرد_غزة: الملايين في شوارع القطاع من المتمردين بس عاملين أوف لاين!!".
وعلى الرغم من أن هذا اليوم يصادف ذكرى وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، إلا أنه لم يشهد أي مسيرات. ويقول الكاتب السياسي عاطف أبو سيف إن "عدم قيام أي تظاهرات اليوم (11/11) يعود في الأساس إلى أنه لم يتمّ الإعلان رسمياً عن أي فعاليات لإحياء الذكرى التاسعة لرحيل عرفات، بخاصة بسبب التشويش الذي أحدثته دعوات تمرّد ورفض حماس إحياء فعاليات في ذكراه"، مضيفاً "ليس للأمر علاقة بقيمة عرفات عند الجماهير إنما بسوء إدارة قيادة فتح في غزّة".
ويوضح أبو سيف أن "عدم استجابة الجماهير لدعوات تمرّد يرجع إلى أن تمرّد حركة افتراضيّة أطلقتها مجموعات غير مؤثّرة لم تتبنَّ أي نهج سياسي، لذا كان من الصعب أن تنجح"، معتبراً أن استعادة النموذج المصري أمر خاطئ لأن ما من جيش في غزّة يكون ضامناً لتحرّكات الشعب ضدّ الحكومة".
ويشير أبو سيف إلى أن "خيبات الأمل المتكرّرة ووصول الناس إلى الإحباط بخاصة بعد قمعهم في 15 آذار/مارس من العام 2011 وعدم الاهتمام بمطالبهم الوحدويّة، جعلتهم يفضّلون العزوف عن السياسة والانشغال بتفاصيل الحياة اليوميّة".
من جهته يقول أحد المحامين الذي التقاه "المونيتور" والذي رفض ذكر اسمه بسبب توجيهات من مؤسّسته الحقوقيّة بعدم الحديث في موضوع "تمرّد"، "لم نرصد انتهاكات اليوم، اللهم إلا إخطارَين لم يتمّ التأكد منهما. الأوّل عن امرأة رفعت لافتة كتبت عليها ’أنا متمرّدة‘ في المحافظة الوسطى من قطاع غزّة وقد ألقت الشرطة القبض عليها، والثاني عن اقتحام منزل إحدى العائلات في المحافظة ذاتها". كذلك يشير إلى "الانتشار البوليسي الكبير اليوم (11/11)، ووجود سبعة من أعضاء تمرّد منذ فترة في السجن".
يضيف المحامي أنه "منذ بداية الدعوة لما يسمّى بتمرّد قبل ثلاثة شهور، تمّ اعتقال المئات إن لم يكن الآلاف بسبب هذه التهمة من دون وجه حقّ وبشكل مخالف للقانون والإجراءات القانونيّة الصحيحة. كذلك منع إحياء ذكرى عرفات. فمن حقّ الناس التجمّع السلمي بحسب قانون الاجتماعات العامة لعام 1998".
وكان مصدر أمني من مكتب إعلام وزارة الداخليّة فضّل عدم الكشف عن هويّته قد أفاد "المونيتور" قائلاً "اتصلت في نهاية اليوم بغرف عمليات الشرطة على مستوى القطاع ولم يتمّ تسجيل حالة استثنائيّة واحدة، على الرغم من انتشار أخبار كاذبة تقول بأنه تمّت السيطرة على مقار حكوميّة". وأكّد أنه كان يوماً عادياً، وأن ما حدث في جامعة الأزهر كان سوء فهم من قبل رجال الأمن.
من جهتها تقول المتحدّثة باسم الحكومة إسراء المدلل لـ"المونيتور" إنه "من الغريب إيلاء تمرّد كلّ هذا الاهتمام. فقد سألني اليوم عدد كبير من الصحافيّين الأجانب عنها، على الرغم من أن تاريخ اليوم يوافق أيضاً ذكرى لأحداث أخرى".
بالنسبة إلى المدلل، إن تواجد رجال الأمن في الشوارع أمر طبيعي قد يحدث في أي بلد في العالم. تضيف "تمرّد ليس لها أي تأثير في الرأي العام الغزّي، بلغتها الركيكة وقياداتها التي هي من خارج القطاع. وما يدلّ على ذلك هو اعتذارها عن إقامة أي فعاليات. فكيف سيخرج الناس استجابة لها؟!".
وتوضح أنه في ظلّ معاناة قطاع غزّة وأزمات الوقود والكهرباء وأثرها على مجالات الصحّة والبيئة والتعليم، سيكون من "السخيف" التحدّث عن "تمرّد" بدلاً من إدارة الأزمات والاهتمام بها سواء من قبل الحكومة أو المؤسّسات الإنسانيّة.