أشار سكّان في مناطق متفرّقة من مدينة العريش، عاصمة شمال سيناء، إلى أنّ هناك محاولات مستمرّة تنتهجها السلطات المصريّة لنقل سكّان المنطقة التي تشهد اشتباكات ونزاعات مسلّحة بين قوّات الجيش ومتطرّفين ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام.
ولفت عدد من السكّان، الذين رفضوا الإفصاح عن هويّتهم بسبب مخاوف أمنيّة، في تصريحات لـ"المونيتور"، إلى أنّه من وقت إلى آخر تقوم قوّات من الأمن والجيش بإخلاء عمارات ومناطق سكنيّة بالكامل، وتدمير هذه المنازل بعد إخلائها، مع وعود مستمرّة بإعادة التسكين.
فيما تقول المصادر إن السلطات المحلية تماطل في تنفيذ وعودها بإعادة التسكين، وأحيانا يتم الاكتفاء بتوفير مكان للنوم داخل بعض المساجد أو الكنائس في المناطق القريبة.
وفيما تجرى عمليّة إخلاء المساكن على أطراف مدينة العريش، بحسب تصريحات المصادر، بدأت الدولة بمنح القوّات المسلّحة صلاحيّات واسعة في ما يخصّ تملّك الأراضي في شمال سيناء.
وفي 15 تمّوز/يوليو من عام 2019، أصدر الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي، قراراً رسميّاً باعتبار ميناء العريش وكلّ منشآته ومرافقه، وكذلك أيّ أرض يحتاجها، من أعمال المنفعة العامّة، ونقل تبعيّتها لصالح القوّات المسلّحة المصريّة.
واشتمل القرار الجمهوريّ أيضاً على منح وزارة الدفاع حقّ التأمين الكامل لمنطقة ميناء العريش، على أن تتولّى الهيئة العامّة للمنطقة الاقتصاديّة لقناة السويس تمويل الميناء وتنفيذ تطويره وإدارته وتشغيله.
وبحسب خريطة حصل عليها "المونيتور"، فإنّ المنطقة التي أشار إليها القرار الجمهوريّ وتمّ نقل تبعيّتها لصالح القوّات المسلحة، منطقة مأهولة بالسكّان بالفعل، إضافة إلى أنّ القرار منح الجيش حقّ تحديد أيّ مساحة من الأراضي يقرّرها لضمّها لتبعيّته. وتبلغ المنطقة السكانيّة المشار إليها في القرار الجمهوريّ، حوالى 371 فدّاناً، أيّ ما يزيد عن 156 ألف متر مربّع.
وقال أحد السكّان في تصريحاته لـ"المونيتور": خلال الفترة السابقة، فوجئ المواطنون بوجود منشورات يتمّ توزيعها من قبل عساكر تابعين للجيش، لكنّ بعضهم يرتدي الزيّ المدنيّ، تتحدّث عن "مساعي الجيش لتأمين المواطنين بنقلهم إلى مناطق آمنة أكثر".
وليست هذه المرّة الأولى التي تقدم فيها القوّات المسلّحة على الإخلاء القسريّ للسكّان وتدمير المنازل، إذ انتهت إدارة مدينة رفح الواقعة شمال مدينة العريش، في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017، من إخلاء ما يزيد عن 1500 متر مربّع من المواطنين والمنازل.
وقال رئيس بلدية رفح المصريّة المهندس خالد كمال في بيان نشرته الصحف آنذاك: إنّ هناك لجنة تم تشكيلها من قيادات تنفيذية من المدينة تفحص تعويض المواطنين، الذين تمّ إخلاء منازلهم، وكذلك منح ملاّك الأراضي تعويضاً مقابل سحبها منهم. ولكن كما أشار عدد من السكان الذين تم تهجيرهم في أوقات سابقة من الآن، لم تماطل البلدية في صرف التعويضات وبعض السكان نزحوا إلى القاهرة والبعض الأخر ينتظر منحهم أماكن للإقامة وتعويضات كما وعدتهم الحكومة.
وفي أيّار/مايو من عام 2018، دانت منظّمة "هيومن رايتس ووتش"، ما وصفته بـ"توسّع الجيش في هدم منازل المواطنين بشمال سيناء"، وقالت في بيان: "تجاوزت أعمال التدمير، التي يرجّح أنّ أغلبها غير قانونيّ، المنطقتين العازلتين اللتين حدّدتهما الحكومة بمدينتيّ العريش ورفح، وهدم الجيش أيضاً بيوتاً عدّة في العريش، في ما بدت أنّها أعمال انتقاميّة من مشتبهين بالإرهاب ومعارضين سياسيّين وأقاربهم".
أضاف البيان على لسان مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" سارة ليا ويتسن: "تحويل بيوت الناس إلى أنقاض هو جزء من نفس الخطّة الأمنيّة المحكومة بالفشل التي ضيّقت على الإمدادات الغذائيّة والتنقّلات لإيلام سكّان سيناء. يزعم الجيش المصريّ أنّه يحمي الناس من المسلّحين، لكن من المدهش الاعتقاد بأنّ تدمير البيوت وتشريد من سكنوا المكان مدى الحياة هما إجراءات ستجعلهم أكثر أمناً".
ويجرّم الدستور المصريّ في مادّته رقم 63، التهجير القسريّ للمواطنين، إذ تنصّ المادّة على الآتي: "يحظّر التهجير القسريّ التعسفيّ للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم".
وتحدّث أحد ملاّك العقارات في العريش أحمد حسام، وهو اسم مستعار، لـ"المونيتور"، عن الطريقة التي تستخدمها الأجهزة الأمنيّة لإخلاء المنازل وهدمها، إذ قال: "إنّ القوّات تستخدم ميكرفوناً لمطالبة السكّان بالمغادرة. وفي حال عدم حدوث ذلك، يتمّ اقتحام المنازل وإخلاؤها جبريّاً".
وفي 22 حزيران/يونيو من عام 2019، قتل 4 عمال وأصيب 6 آخرين، في هجوم مسلّح على يدّ جهاديّين استهدف أعمال بناء وإنشاء التحصينات الأمنيّة في منطقة قريبة من مطار وميناء العريش الدوليّين.
وبحسب شهود عيان، فإنّ المسلّحين فتحوا النيران على العمّال وأحرقوا سيّارتين حاول باقي العمّال الهروب بهما.
وأشارت سيّدة ثلاثينيّة – طلبت عدم الإشارة لهويتها بسبب مخاوف أمنية - ممّن غادروا العريش ونزحوا إلى القاهرة، بعد موجة تهجير أولى في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2016، خلال تصريحات لـ"المونيتور"، إلى أنّهم "فوجئوا قبل هدم منزلها بتحذيرات من قوّات الجيش بهدم المنزل، في حال عدم تسليم أحد أشقّائها المشتبه في ضلوعه بعمليّة إرهابيّة سابقة"، وقالت: "في اليوم التالي، ومع عدم تسليم شقيقي المطلوب، فوجئنا بقوّات الأمن تقتحم المنزل وتقوم بإلقائنا في الشارع، بعد التحفّظ على المنزل ومحتوياته، وقامت بهدمه تماماً".
حاول "المونيتور" التواصل مع المتحدّث باسم القوّات المسلّحة العقيد أركان حرب تامر الرفاعي، لكنّه لم يرد على هاتفه.
وقال أحد شباب البدو، تحفظ على ذكر اسمه بسبب الأوضاع في المنطقة التي يعيش فيها، التابعين لقبيلة الترابين في القرية، التي تحمل اسم قبيلة "الترابين": إنّ جرّارات تابعة للجيش اقتحمت القرية وهدمت بعض المنازل وأجبرت بعض السكّان على المغادرة، في حجة أنّها "ملكيّة غير مقنّنة"، وإنّ الأهالي حاولوا إخبار الجهات الأمنيّة بصحّة ملكيّتهم للمباني، إلاّ أنّها لم تستمع إليهم.
واعتبر الناشط السيناويّ البارز عيد المرزوقي، قرار عبد الفتّاح السيسي الذي قضى بنقل تبعيّة أرض الميناء وما حولها إلى الجيش، أنّه "قرار بالتهجير وجريمة حرب"، وقال في تدوينة على "فيسبوك": "هذا القرار الثالث من نوعه، الذي يستهدف تهجير سكّان شمال سيناء، بعد قرار المنطقة العازلة والتي امتدّت بعمق 5 كيلومترات بمحاذاة الشريط الحدوديّ مع قطاع غزّة، الأمر الذي ترتّب عليه تهجير عشرات الآلاف من سكّان مدن رفح والشيخ زويد والقرى التابعة لهما وإزالة ما عليها من مساكن ومزارع".