في الوقت الذي تزداد رقعة المساحة الجغرافيّة التي يسيطر عليها النظام السوريّ على حساب المعارضة المسلّحة في جنوب سوريا، وقرب اكتمال انتشار القوّات السوريّة النظاميّة على طول الحدود مع الأردن من جهة محافظة درعا وهضبة الجولان في القنيطرة، تتعزّز المؤشّرات التي تؤكّد أنّ جوّاً من التقارب بدأ يسود بين النظام السوريّ والمكوّنات السياسيّة والعسكريّة في شمال سوريا وشرقها (شرق نهر الفرات)، حيث تسيطر قوّات سوريا الدييمقراطيّة "قسد" المدعومة عسكريّاً من واشنطن.
أعلن المجلس في 16 تمّوز/يوليو الجاري، وضمن أعمال مؤتمره الثالث في مدينة الطبقة، عن تأسيس منصّة شاملة تمثّل سكّان المناطق والإدارات الذاتيّة والمحلّيّة التي تسيطر عليها "قسد" من أجل عمليّة تفاوض محتملة مع النظام السوريّ.
يعتبر مجلس سوريا الديمقراطيّة "مسد"، وهو تحالف سياسيّ مكوّن من أحزاب وتكتّلات سياسيّة، وتأسّس في 8 و9 كانون الأوّل/ديسمبر 2015 أهمّ مظلّة جامعة لهذه الأحزاب، وهو بمثابة الذراع السياسيّة لقوّات "قسد"، التي لا تزال في حالة فعالية ونشاط بالتعاون مع التحالف الدوليّ بقيادة واشنطن ضدّ البؤر المتبقّية لتنظيم "داعش" في شرق سوريا على الحدود مع دير الزور.
إن كان الإعلان عن الرغبة في التفاوض مع النظام السوريّ هو حديث المرحلة الراهنة، فإنّ مؤشّرات تدلّ على اتّخاذ إجراءات عمليّة على أرض الواقع وفتح قنوات تواصل بين بعض الإدارات الذاتية والنظام السوريّ. فقد أعلنت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطيّة إلهام أحمد إلى وكالة أنباء هاوار المحلّيّة، في 13 تمّوز/يوليو عن محادثات بين المجلس المحلّيّ لمدينة الطبقة التي تسيطر عليها قوّات سوريا الديمقراطيّة والنظام، وذلك في جوانب خدميّة، منها إعادة سلطات النظام إلى سدّ الطبقة، وقالت: "هنالك محادثات تجري على المستوى المحلّيّ، بين مسؤولين عن المؤسّسات الخدميّة من طرف النظام ومسؤولين في المجالس المحلّيّة لمدينة الطبقة ومؤسّساتها الخدميّة، ويتمّ التفاهم في تلك المفاوضات على أن يعود موظّفو السدّ القدماء والخبراء إلى العمل مع إدارة السدّ التابعة إلى الإدارة المدنيّة لمدينة الطبقة".
لطيلة 7 سنوات ومنذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا في مطلع عام 2011، عزّز المكوّن الكرديّ ممثّلاً في وحدات حماية الشعب الكرديّة YPJ، إلى جانب المكوّنات العربيّة والعرقيّة الأخرى في شمال سوريا وشرقها وجودها كقوّة عسكريّة ممثّلة في قوّات سوريا الديمقراطيّة SDF وكحليف على الأرض للولايات المتّحدة الأميركيّة ضدّ تنظيم "داعش"، وتمكّنت من طرده من أجزاء وحواضر مدنيّة كان يسيطر عليها، لتصبح الآن سيطرة هذه القوّات ممتدّة على نحو 35 ألف كيلومتر مربّع من مساحة سوريا البالغة 185 ألف كيلومتر مربّع. ومناطق سيطرتها هي خارج سلطة الرئيس السوريّ بشّار الأسد، الذي هدّد أخيراً باستعادتها، معتبراً أنّ "المشكلة الوحيدة الباقية في سوريا هي قوّات سوريا الديمقراطيّة".
ويبدو أنّ المخاوف من أن تكون بوصلة قوّات النظام، مدعوماً من روسيا الحليف الأساسيّ، في اتّجاه مناطق سيطرة "قسد" هي من يدفع في اتّجاه مفاوضات وفي اتّجاه إيجاد صيغة حوار مشتركة، خصوصاً وأنّ "الولايات المتّحدة وروسيا لن تمنعا مثل هذه المفاوضات، ولن تمنعا العمليّة لأنّ حلّ المسألة السوريّة مطلب أمميّ"، هذا ما يقوله المستشار السياسيّ في حزب الاتّحاد الديمقراطيّ، أحد أهمّ مكوّنات مجلس سوريا الديمقراطيّة، سيهانوك ديبو، عبر الهاتف لـ"المونيتور".
إنّ الحديث عن مفاوضات وتشكيل مجلس "مسد" منصّة تضمّ مجموعة من الإدارات الذاتيّة الديمقراطيّة، ومجالس مدنيّة من الرقّة ودير الزور ومنبج، وهي مدن تسيطر عليها في الكامل، إضافة إلى ممثّلين عن قوّات سوريا الديمقراطيّة، يأتي في وقت يزداد غموض الموقف الأميركيّ الداعم الأساسيّ لـ"قسد" من الوجود العسكريّ في المنطقة مع قرب انتهاء الأعمال العسكريّة ضدّ تنظيم "داعش" في سوريا، وإعلان واشنطن من قبل نيّتها سحب جنودها، لكنها لم تحدد موعداً لهذا الانسحاب.
هذا الموقف قد يضعفهم أمام الخصوم من الجماعات المناوئة لهم والرافضة لوجودهم في مناطقها كالعشائر العربيّة المعادية للنظام السوريّ ولهم في آن معاً، وغير المتحالفة معهم في صفوف قوّات سوريا الديمقراطيّة، وبالتالي يجعل خيار التفاوض مع الأقوى على الساحة أيّ النظام السوريّ هو أفضل المتاح.
لكنّ المستشار السياسيّ ديبو يعزو "سبب الرغبة في التفاوض مع النظام السوريّ إلى رغبة المكوّنات السوريّة في شمال سوريا وشرقها، وممثّليها في الإدارات في إيجاد حلّ لهذه الأزمة (الأزمة السوريّة)، خصوصاً وأنّ "النظام لا يملك رفاهية اتّخاذ القرار فهناك روسيا كحليف أساسيّ، وفي شرق نهر الفرات هناك التحالف الدوليّ والعربيّ بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة، بمعنى أنّ الشعب السوريّ عموماً لا يملك سلطة اتّخاذ القرار".
واعتبر أنّ "المفاوضات مع النظام لا تعني الاستسلام، ولن تكون هناك مصالحة مع النظام السوريّ"، نافياً حتّى اللحظة حدوث أيّ لقاءات أو مفاوضات حقيقيّة وغير حقيقيّة بين سلطات الإدارة الذاتيّة وسلطات دمشق.
إنّ مشروع الإدارات الذاتيّة الديمقراطيّة المنبثقة عن اجتماع مجلس "مسد" بهدف الإعداد للتفاوض مع دمشق هو نموذج جديد مغاير ومختلف عن النظام الفدراليّ المسمّى "الاتّحاد الفيدراليّ الديمقراطيّ لروجافا شمال سوريا" والذي أعلن عنه الأكراد في 17 آذار/مارس 2016 ولم ير النور حتّى الآن. والمشروع بحسب ديبو "منسجم مع طبيعة المرحلة الحاليّة، الإدارات الذاتيّة والمجالس المحلّيّة والمدنيّة في شمال سوريا وشرقها هي الأنسب، خصوصاً وأنّ حلّ المسألة السوريّة يحتاج إلى نظام ديمقراطيّ بعدما فشل نظام الحكم المركزيّ".
لقاءات من أجل التفاوض بين النظام السوريّ وممثّلين عن الأحزاب الكرديّة كانت شهدتها قاعدة حميميم التي تسيطر عليها روسيا على الساحل السوريّ في تشرين الأول/اكتوبر 2017 "لكنّ النظام لم يكن جدّيّاً" وفق ديبو، وهو ما يعزّز حتّى الآن الاعتقاد أنّ النظام ليس جدّيّاً بالحوار ، لكنّه يعود ويؤكّد "الرغبة في المفاوضات بإشراف أمميّ لأنّها الأسلم، ولكي يكون الطريق أكثر انسيابيّة". ويضيف: "ونرى أنّ المفاوضات بين "مسد" والنظام ستكون شاقّة وطويلة". وهذا ما يتقاطع مع تصريحات أطلقها الرئيس المشترك السابق لحزب الاتّحاد الديمقراطيّ صالح مسلم، على هامش مؤتمر "مسد" في 16 تموز/يوليو الجاري، عن الاستعداد للتفاوض مع الحكومة السوريّة، شرط أن يتوافر ضامن دوليّ لتنفيذ نتائج الاتّفاق بين الجانبين.