ديار بكر، تركيا — شكَلت صور العربات المدرّعة التي ترفع أعلاماً أمريكية وصور الجنود الأمريكيين الذي يلتقطون الصور إلى جنب عناصر من وحدات حماية الشعب الكردية، أهم الأخبار في تركيا في الأيام الأخيرة فضلاً عن التقارير المستمرة عن العلاقات بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب. وكل ذلك يشير إلى أن الولايات المتحدة كانت تتجه لإقامة تحالف مع الأكراد في ساحة المعركة السورية.
وأتى ردّ فعل المسؤولين الأتراك أحياناً قاسياً، وأحيانا أكثر حذراً، تجاه هذا التحالف الجاري على قدم وساق. كما وأعلنت الإدارة الأميركية موقفها النهائي في تصريحات أدلى بها مسؤولون في هذه الإدارة تفيد بأن واشنطن قررت تقديم مساعدة مباشرة الى الأكراد. على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين حاولوا جاهدين التأكيد بأن الأسلحة المقدمة معدّة للقوات الديمقراطية السورية، غير أن الجميع يعرف أن وحدات حماية الشعب تشكّل العمود الفقري لهذه القوات.
بطبيعة الحال أصبح هذا القرار الجذري من قبل إدارة الرئيس ترامب موضوع إهتمام بالنسبة للسياسة الدولية. ولكن ما هي الآثار التي ستترتب على هذا القرار على أرض الواقع في سوريا لا سيما أن وحدات حماية الشعب تُعتبر القوة العسكرية الوحيدة للمنطقة الكردية التي تُعرف بـ"روجافا". كيف سيؤدي حصول وحدات حماية الشعب على الأسلحة الثقيلة إلى تغيير موازين القوى في المنطقة؟
يقول صالح كدو، الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا أن توفّر الاسلحة سيُمهد الطريق للأكراد لإنشاء الفيدرالية. وأفاد لـ "المونيتور" أن قرار تزويد وحدات حماية الشعب بالأسلحة رفع معنويات جميع الأكراد كما ودعا إلى دعم سياسي لمنطقة كردية في سوريا الاتحادية.
وأضاف "لا شك أن هذا الأمر سيكون له تأثير مدوي في المنطقة. فقد رفع ذلك من معنويات المقاتلين والشعب على حد سواء. هذه خطوة كبرى من شأنها إنجاح مشروع الأكراد. ومشروعنا هو الفدرالية. سنضمن نجاحنا عند حصولنا على الدعم السياسي. الأسلحة في حد ذاتها لا تكفي للأكراد كما أن القتال من قبل مقاتلينا ليس كافياً. يجب الحصول على مكاسب سياسية. نحن بحاجة إلى دعم سياسي للفيدرالية، التي هي الركيزة الأساسية لجميع الأكراد. إن الدعم الامريكى هو دعم من قوة عظمى، وهذا مهم جداَ بالنسبة لنا ".
وأشار كدو أن توفير الأسلحة سيؤثر على علاقات الأكراد مع المجموعات العرقية والدينية الأخرى وكذلك مع تركيا، مضيفاً:"عندما ننظر إلى سوريا ككل، سنرى أن المجموعة الوحيدة التي لها علاقات جيدة مع الجميع هي الأكراد. يمكن للأكراد التعايش مع الجميع. فالقوى الإقليمية، وخاصة سوريا، قد حاكت الكثير من المؤامرات لتسميم علاقات الأكراد مع الآخرين. كذلك فعلت تركيا".
وأكّد كدو أن الأكراد لا يريدون معاداة تركيا بل يرغبون فى إقامة علاقات حسن جوار معها. ويضيف، "حاولنا جاهدين ذلك، لكن تركيا لن تقبل أي طلبات من الأكراد. إنهم يعاملوننا كعدو. ولن يعود هذا العداء بأي فائدة على الأتراك والأكراد. كان ردّ تركيا قوياّ على قرار منحنا السلاح. أعتقد أن القرار الأمريكي هذا سيكون له أيضا تأثير على سياسات تركيا".
وتشعر أنقرة بقلق كبير من وصول هذه الأسلحة إلى يد حزب العمال الكردستاني ومن استخدامها المحتمل ضد تركيا. فهل هذا الخوف واقعي؟ يقول أدلار هليل عضو المجلس التنفيذي لحركة المجتمع الديمقراطي، وهي الهيئة السياسية التي تجمع الأحزاب السياسية السورية ومنظمات المجتمع المدني الأقرب إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المهيمن في روجافا، أن هذه الأسلحة تكفي فقط للدفاع عن المنطقة الكردية. وأفاد هليل لـ "المونيتور" أن الولايات المتحدة أعلنت بذلك أنها رسمياً حليف للأكراد.
ويضيف: "تعزز الأسلحة الجديدة قوة وحدات حماية الشعب. على الصعيد السياسي، يُترجم القرار الأمريكي بتزويد وحدات حماية الشعب بالأسلحة إعترافاً بهذه الوحدات كحليف وشريك وصديق للولايات المتحدة. وسيكون ذلك دعماً لاستقلاليتنا. وسترى الشعوب الأخرى التي تعيش هنا كيف ستزداد قوة وحدات حماية الشعب بعد حصولها على السلاح وسيتم الإعتماد عليها على أنها القوة [المسلّحة] التي ستحمي هذه الشعوب. سيتأثر الجميع بها ويتماها معها، ليس فقط الأكراد. وسيحقق [مشروع] النظام الفيدرالي تقدماً. ستكفي هذه الأسلحة للحرب في سوريا فقط. ولن نعرف من أين يحصل حزب العمال الكردستاني على أسلحته. سنوجّه سلاحنا فقط للدفاع عن منطقتنا وهزيمة الدولة الإسلامية (داعش) ".
يعتبر الصحفي هيمين شوسناو أنّ الأسلحة لن تقع بين أيدي حزب العمّال الكردستاني. ويضيف شوسناو الذي يعيش في كردستان العراق ويعرف المنطقة جيّدًا أنّ لا الأسلحة التي قدّمت في وقت سابق ولا التي سيتمّ تسليمها ستصل إلى حزب العمّال الكردستاني. لكنّ الأخير أشار إلى مصدر قلق كبير آخر بالنسبة إلى تركيا وهو الممرّ الكردي الذي يمثّل نجاح التطلّعات الكرديّة.
وأشار شونساو لـ"المونيتور" إلى أنّ تأمين الأسلحة العسكريّة لوحدات حماية الشعب يمهّد الطريق لإقامة الممرّ الكرديّ، مضيفًا أنّه "للمرّة الأولى، ترسل الولايات المتّحدة أسلحة ثقيلة لقوى عسكريّة غير حكوميّة. فقد قامت من قبل بإعطاء هكذا مجموعات أسلحة خفيفة لكنّ إرسال أسلحة ثقيلة كالدبابات والصواريخ تشكّل سابقة في هذا الموضوع."
ويقول: "أمّا على الصعيد العسكريّ، تحاول الولايات المتّحدة رفع مكانة وحدات حمات الشعب لتساوي مستوى الجيش السوريّ النظاميّ. ولن يقتصر هذا الدعم على ساحة المعركة في سوريا. فوحدات حماية الشعب باتت القوّة الإقليميّة للولايات المتّحدة التي تريد فرض أجندتها بالكامل من خلالها. فالأخيرة أصبحت القوّة الوحيدة المهيمنة التي تدعمها في المنطقة. فتركيا تمّ استبعادها من اللعبة الدائرة في سوريا. والمنظّمات الأخرى ليست مهمّة بالنسبة للولايات المتّحدة : لم يذهب أي سلاح أو ذخيرة أو حتى رصاصة واحدة أرسلتها الولايات المتّحدة أصلًا إلى وحدات حماية الشعب، إلى حزب العمّال الكردستاني الذي يعتبر أميركا عدوًّا لها منذ أربعين عامًا. أمّا الآن، فيعلم الحزب ما تريده الولايات المتّحدة وكيف تعمل سياسيتها وبالتالي كيف عليه أن يتصرّف. لن تذهب الأسلحة إلى حزب العمّال الكردستاني لكنّها غيّرت موازين القوى في المنطقة. أعتقد أنّ الولايات المتّحدة قرّرت إرسال الأسلحة بعد التوصّل لاتّفاق مع روسيا. وإذا لزم الأمر، سيقوم الروس أنفسهم بتسليمها في عفرين، ما يعني فتح المررّ إلى البحر المتوسّط. وتدعم دول الخليج هذا الأمر أيضًا".
يشعر معظم الأكراد بالارتياح إلى أنّ السلاح يذهب إلى وحدات حماية الشعب، بينما يقلق هذا الموضوع الجمعيّة الوطنية السوريّة المؤلّفة من أحزاب قريبة من الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي. فقال رئيس الجمعيّة الوطنيّة السوريّة ابراهيم بيرو في مؤتمر صحفيّ في إربيل أنّ المساعدة العسكريّة لحزب واحد فقط تسبب بمشاكل في روجوفا. وأضاف أنّه ثمّة مخاوف من استخدام السلاح للضغط على مجموعات كرديّة أخرى.
مع ذلك، فإنّ إرسال الأسلحة الثقيلة لوحدات حماية الشعب قد عززت الثقة بالنفس لدى الأكراد. عندما تنتشر هذه الأسلحة في الميدان، ستدخل الحرب السوريّة كما وضع الأكراد مرحلة جديدة. ففي حال تمكّن الأكراد تخطّي من مشاكلهم الداخليّة، فلا شكّ أنّهم سيتمكّنون من الإنتصار، وإلّا سوف ينبغي عليهم انتظار ربيع آخر.