في 20 تشرين الثاني – نوفمبر الجاري، أثارت وسائل الإعلام اللبنانية والعربية مسألة بناء السلطات اللبنانية سور حول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، قرب مدينة صيدا جنوب لبنان، يهدف إلى منع تسلل الإرهابيين والمطلوبين إلى داخل المخيم أو الخروج منه.
مخيم عين الحلوة، الذي يبلغ عدد سكانه حالياً نحو 120 ألف نسمة، وهو المخيم الأكبر لللاجئين الفلسطينيين في لبنان. لكن مساحته تبلغ نحو كيلومتر مربع.
"الجدار" أو السور الإسمنتي الذي عارضه سكان المخيم، قد تم بناء جزء منه، حيث سيبلغ ارتفاعه ستة أمتار وسيزوّد بأبراج بارتفاع تسعة أمتار. لكن الجدار أثار احتجاجات من أهالي المخيم وبعض الفصائل الفلسطينية حيث نفذ بعض سكان المخيم تظاهرة احتجاجية يوم الخميس 24 نوفمبر – تشرين الثاني الجاري، رفضوا التعاطي مع المخيم كجزيرة أمنية وعزلها عن محيطها، وتحويله إلى سجن كبير. كما نفوا وجود أي تهديد إرهابي من المخيم على أمن لبنان بسبب وجود نحو 200 متطرف من جبهة النصرة وتنظيم "داعش" داخل أحد أحيائه.
وقد أصدرت قيادة الجيش اللبناني بياناً أوضحت فيه أن ليس هناك قراراً بإقامة جدار بين المخيم ومحيطه، وأن "ما يجري تنفيذه حالياً هو سور حماية في بعض القطاعات التي لا تشرف على التجمعات السكنية والمنازل في داخله، ويهدف إلى الحفاظ على سلامة المخيم ومنع تسلّل الإرهابيين إليه أو الخروج منه، بالإضافة إلى إغلاق الأنفاق المؤدية إلى بساتين المواطنين". وأضاف البيان أن هذا الموضوع قد جرى الاتفاق عليه خلال اجتماعات عقدت مسبقاً بين مسؤولي الفصائل الفلسطينية ومديرية المخابرات في الجيش. كما نشر الجيش اللبناني على موقعه صوراً للأنفاق التي يحفرها الإرهابيون للتسلل من وإلى المخيم.
مصادر أمنية مطلعة أكدت للمونيتور أن الوضع الأمني يزداد سوءاً في مخيم عين الحلوة منذ عام 2013 حتى اليوم، حيث حصلت عشرات الاشتباكات بين بعض المجموعات المتطرفة والفصائل الفلسطينية، وجرت عشرات الاغتيالات والتصفيات، فيما تتنامى المجموعات التكفيرية الإرهابي داخل المخيم.
إعلامي فلسطيني مقيم في المخيم، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال للمونيتور "إن الجدار يحوّل المخيم إلى قفص والسكان سيشعرون كأنهم في حديقة حيوانات". وكشف أن الفصائل الفلسطينية كانت على علم مسبق بموضوع إنشاء الجدار لكنها أصحبت محرجة اليوم نتيجة غضب سكان المخيم من المشروع وقلقهم من انعكاساته السياسية والاجتماعية والأمنية.
رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل اتصل الخميس الماضي هاتفياً برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ورئيس الوزراء المستقيل تمام سلام، والرئيس المكلف سعد الحريري، لحضهم على سرعة وقف الجدار وإلغائه، موضحاً خطورة هذا الإجراء على أوضاع اللاجئين في المخيم، وعلى العلاقات الأخوية بين الشعبين، "وما يعكسه هذا الجدار من صور ودلالات سلبية"، في إشارة إلى "الجدار العازل" الذي أقامه الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.
قائد القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة في المخيم اللواء منير المقدح قال في حديث هاتفي للمونيتور إن أن اجتماعاً قد عقد الخميس 24 نوفمبر – تشرين الثاني بين ممثلي اللجنة الأمنية الفلسطينية ورئيس فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد خضر حمود، حيث تم الاتفاق على وقف العمل بالجدار إلى حين تقديم الفصائل بديلاً عن الجدار خلال أسبوعين.
وأضاف أن الفصائل الفلسطينية عقدت اجتماعاً وأصدرت بياناً أكدت فيه "الرفض المطلق لهذا الجدار الذي يسيء إلى العلاقات التاريخية وإلى مسيرة النضال المشتركة بين الشعبين الشقيقين اللبناني والفلسطيني". كما طالت "الدولة اللبنانية بالوقف الفوري لهذا الجدار وعدم النظرة الأمنية للوجود الفلسطيني في لبنان، إنما التعاطي من منطلق أننا أصحاب قضية وحقوق لا بد من العمل على إقرارها".
وعن البدائل المقترحة، قال المقدح إننا نريد بناء جسور محبة مع الشعب اللبناني والتعاون مع الجيش اللبناني لضبط الأمن، ووضع برنامج لحل مشكلة المطلوبين المقيمين داخل المخيم.
من جهته، قال المسؤول الإعلامي لحركة حماس في لبنان، رأفت مرة، في حديث للمونيتور إن الحركة ضد أي إجراء يهدف إلى عزل الوجود الفلسطيني في لبنان، والنظر إليه نظرة أمنية، مطالباً بإلغاء بناء الجدار. وعن لوم السلطات اللبنانية للفصائل الفلسطينية بسبب تقصيرها في ضبط أمن المخيم مما سمح بدخول الإرهابيين إليه، قال إن الفصائل قد بذلت منذ خمس سنوات جهوداً كبيرة لتحييد الوجود الفلسطيني عن الصراعات الداخلية والإقليمية وقد نحجنا في ذلك وشهدت المخيمات هدوءً أمنياً وتعاوناً مع السلطات اللبنانية لحفظ الأمن.
ورأى مرة أن القضية الفلسطينية هي قضية سياسية وإنسانية ونرفض أي تغيير في النظرة إليها. ودعا إلى علاقات منفتحة وأخوية، ومعالجة سياسية وإنسانية واجتماعية لجميع المشكلات.
بدوره، اعتبر مسؤول "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في لبنان، مروان عبد العال، في حديث للمونيتور "أن مشروع بناء الجدار لن يؤدي الغاية المرجوه منه في حفظ الأمن، بل نخشى على تشويه صورة المخيم وتحويله الى فزّاعة في ذهنية الرأي العام ما يعزز من ثقافة القطيعة والكراهية بدل التواصل والحوار"، مشيراً إلى أن مفهوم الأمن الشامل يتحقق من مدخلين: الأول سياسي يحفظ كرامة الجميع وفق معادلة السيادة للدولة والعدالة للفلسطينيين، والثاني قانوني، يضع الجميع تحت القانون وليس خارجه ووفق معادلة الحقوق والواجبات".
مسؤول الملف الفلسطيني في حزب الله حسن حب الله قال للمونيتور إن الحزب "يرفض أي إجراء يشتمل على ظلم أو اضطهاد أو عنصرية تجاه الشعب الفلسطيني في لبنان، فهم إخوة لنا وضيوف عندنا". ودعا إلى العمل على إيجاد إجراءات أمنية بديلة عن "الجدار" حول مخيم عين الحلوة، تقوم على تعاون وتنسيق بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية لمنع تسلل الجماعات الإرهابية.
وصدرت بيانات من بعض الأحزاب اللبنانية والفعاليات استنكرت بناء الجدار، كان أبرزها من مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان، الذي رفض بناء "الجدار" "الذي يحول المخيم الى سجن كبير للأخوة الفلسطينيين لينتج عنه المزيد من مشاعر الحقد والكراهية والتمييز عندهم".
وتساءل المفتي: "لا أدري من هي الجهة التي نصحت ببناء هذا الجدار"، الفاصل "بين الصيداويين والفلسطينيين الذين يرتبطون في ما بينهم بأكثر من رابط" قومي وديني وعائلي. ودعا إلى دفع تكاليف بنائه لتقديم بعض الخدمات المعيشية والصحية والتربوية للاجئين في المخيم.
لا شك أن ثمة حاجة لمقاربة جديدة للعلاقات اللبنانية – الفلسطينية تمنح اللاجئين الفلسطينيين حقوقاً اجتماعية واقتصادية أكثر في العمل والإقامة وخدمات أفضل للمخيمات المنتشرة في جميع معظم المحافظات اللبنانية، مع مراعاة الهواجس اللبنانية من مخاطر توطين هؤلاء اللاجئين من جهة، ومخاطر اختراق التنظيمات الإرهابية للمخيمات وجعلها ملاذاً آمناً وتهديدها أمن اللبنانيين من جهة أخرى. ومن المؤكد أن لا أحد يريد انفجار الأوضاع داخل المخيم وتكرار معركة مخيم نهر البارد في شمال لبنان عام 2007.
الجدير بالذكر أنه بحسب اتفاق القاهرة عام 1969، لتنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، أنيط بمنظمة التحرير الفلسطينية الأمن الذاتي للمخيمات في لبنان مع احتفاظها بسلاحها داخله، فيما تسلّم المنظمة إلى السلطات اللبنانية المجرمين المطلوبين المقيمين داخل المخيم.