مدينة غزة، قطاع غزة - أعلن رئيس الهيئة العامّة للشؤون المدنيّة حسين الشيخ أنّ الحكومة الفلسطينيّة وقّعت مع الحكومة الإسرائيليّة مذكّرة تفاهم حول تنظيم قطاع الطاقة في فلسطين. وكان حسين الشيخ قد أكّد خلال بيان صحافيّ في 14 أيلول/سبتمبر أنّ مذكّرة التّفاهم شملت تنظيم قطاع الإتّصالات في فلسطين والبدء بتشغيل "الوطنيّة موبايل" في قطاع غزّة وتشغيل خدمة الجيل الثالث نهاية عام 2016 في الضفة الغربية وقطاع غزة، ونقل صلاحيّات الكهرباء للحكومة الفلسطينيّة، بما في ذلك التحكّم الكامل بنقاط ربط وقطع الكهرباء المنتشرة في أنحاء الضفّة الغربيّة والإتّفاق على تعرفة جديدة للكهرباء أقلّ ممّا هي عليه حاليّاً بـ1.5 في المئة موقّتاً إلى حين الإتّفاق على التعرفة النهائيّة.
وتقوم شركة الكهرباء الإسرائيلية بتزويد شركة كهرباء محافظة القدس بالكهرباء وتعمل السلطة الفلسطينية على توزيعها إلى باقي مناطق الضفة الغربية وبعض مناطق قطاع غزة.
وكانت شركة الكهرباء الإسرائيليّة قامت في أواخر آذار/مارس من عام 2016 بتقليص تزويد الكهرباء لمدن الضفّة الغربيّة بسبب ديون متراكمة على السلطة، ممّا أدّى إلى انقطاع التيّار الكهربائيّ عن العديد من مدن الضفّة، أهمّها جنين ونابلس، وهدّدت الشركة بتطبيق الإجراء في مدن فلسطينيّة أخرى بالضفّة الغربيّة ما لم تقم السلطة بتسديد ما عليها من ديون.
وفي هذا الإطار، أكّد المدير العام للإعلام والمنظّمات الدوليّة في الهيئة العامّة للشؤون المدنيّة محمّد المقادمة لـ""المونيتور" أنّ "الإتّفاق تمّ توقيعه بحضور ممثلين عن وزارتي الماليّة والدفاع من الجانب الإسرائيليّ، والشؤون المدنيّة والماليّة من الجانب الفلسطينيّ، وينصّ على تفاهمات لحلّ مشكلة ديون الكهرباء المتراكمة على السلطة الفلسطينيّة تمثلت في تسوية هذه الديون، حيث وافقت شركة الكهرباء الإسرائيليّة على خفض ما يقارب من 40 في المئة من الديون البالغة ميلياري شيكل (530 مليون $) وتعهد الجانب الفلسطيني بدفع المبالغ المتبقّية على 48 دفعة شهريّة"، وقال: "في حال التزامنا بدفع فاتورة الكهرباء كاملة، سيتمّ وقف عمليّة اقتطاع الأموال المتراكمة من فاتورة المقاصّة الفلسطينيّة، التي تستقطعها إسرائيل من الضرائب على البضائع المتّجهة إلى أراضي السلطة الفلسطينيّة لصالح ديون الكهرباء".
وأشار إلى أنّ "هذه التفاهمات لا ضمان عليها ويمكن اختراقها وتنصّل إسرائيل منها بمنطق القوّة وتحدّي القانون الدوليّ والإنسانيّ".
وألمح محمّد المقادمة إلى "موافقة إسرائيل أيضاً على تشغيل خدمة الجيل الثالث في الضفة الغربية وقطاع غزّة من دون شروط، ودخول خدمة الوطنيّة موبايل إلى قطاع غزّة حسب الإتّفاق المسبق، الذي تمّ توقيعه بين الوطنيّة موبايل والسلطة الفلسطينيّة في عام 2006".
وأطلقت الوطنية موبايل خدماتها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2009 في الضفة الغربية ولكنها لم تتمكن من العمل في قطاع غزة لعدم حصولها على تصريح من السلطات الإسرائيلية لإدخال معداتها إلى غزة ومنحها الترددات، حيث قامت باستيراد جميع المعدات الضرورية لتشغيل شبكتها في قطاع غزة، وتخليصها من الجمارك و ظلت تنتظر الموافقة الإسرائيلية على ادخال هذه المعدات إلى قطاع غزة منذ أعوام.
بدوره، أوضح أستاذ الإقتصاد في جامعة الأزهر سمير أبو مدلّلة لـ"المونيتور" أنّ "هذا الإتّفاق لم يقدّم جديداً للسلطة الفلسطينيّة، بل يعمّق من التبعيّة الإقتصاديّة لإسرائيل ويكبّل الإقتصاد الفلسطينيّ ويسمح بزيادة سيطرة اسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني وهذا يخالف ما أكد عليه الرئيس محمود عباس في خطابه السابق أمام الأمم المتّحدة في 27 أيلول/سبتمبر من عام 2015، والذي دعا فيه إلى فك الارتباط الاقتصادي وإعادة النظر في العلاقات الإقتصاديّة مع إسرائيل التي نصّت عليها إتفاقيّة باريس".
وقال: "لا ضمانات إسرائيليّة على هذا الإتّفاق وسرعان ما تتنصّل منه لأنّ لديها أجندة سياسيّة وإقتصاديّة وأمنيّة لا يمكن السماح بالمساس بها، وستقوم بنسفه إذا تعارض مع مصالحها".
وشدّد على "أهميّة تشغيل الوطنيّة موبايل وخدمة الجيل الثالث في غزّة لأنّ ذلك يصبّ في مصلحة المواطن الفلسطينيّ، الذي سئم احتكار شركة جوّال. كما أنّهما تتيحان فرصة المنافسة بين الشركات، والتي سيجني ثمارها في النهاية المواطن الفلسطينيّ"، مشيراً إلى "ضرورة التوافق مع حكومة حماس بغزّة في هذا الإطار وسعي الطرفين للتخفيف عن المواطن الفلسطينيّ".
تجدر الاشارة الى شركة جوال هي الشركة الوحيدة التي تعمل في قطاع غزة منذ العام 1997 وهي تحقق ارباح احتكارية خيالية لعدم وجود شركات منافسة لها خلافاً عن الضفة المحتلة التي انطلقت فيها شركة أخرى منافسة لها وهي الوطنية موبايل.
من جهته، أشار المدير العام لعمليّات غزّة في "الوطنيّة موبايل" هيثم أبو شعبان والذي تم تعيينه لمتابعة عمل الشركة في غزة حال الموافقة الاسرائيلية لـ"المونيتور" إلى "وجود تفاهمات مع الطرف الإسرائيليّ لإطلاق خدمات الوطنيّة موبايل في غزّة، حيث حصلت الشركة على ترخيص لمزاولة أعمالها في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ تأسيسها بعام 2006 من خلال المناقصة التي أعلنتها وزارة المواصلات في العام نفسه،" وقال: "تمّ إبلاغنا من الطرف الفلسطينيّ بموافقة إسرائيل على إدخال المعدّات اللاّزمة لتشغيل الوطنيّة في غزّة وفقا للاتفاق المذكور، وننتظر تفاصيل أكثر في هذا الجانب، خصوصاً حول التفاهمات الجديدة مع إسرائيل في شأن تشغيل خدمة الجيل الثالث (G3) لأنّ الطرح الإسرائيليّ السابق في العام 2014 للخروج بإتّفاق حول العمل بتردّدات الجيل الثالث (G3) في الضفة الغربية وقطاع غزة كان من خلال وسيط إسرائيليّ، الأمر الذي رفضته السلطة الفلسطينيّة لأنّه ينقص من سيادتها".
وكانت وزارة الإتّصالات وتكنولوجيا المعلومات بغزة قد صادقت في شباط/فبراير من عام 2013 على منح ترخيص لعمل "الوطنيّة موبايل" في قطاع غزّة، وتمّ استيراد معدّات العمل بقيمة (15 مليون $)، لكنّ إسرائيل رفضت إدخالها لدواع سياسيّة وأمنيّة، ممّا أخّر عملها في قطاع غزّة إلى اليوم.
وحاول مراسل "المونيتور" الحصول على تصريح من وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غزّة حول موضوع تشغيل "الوطنيّة موبايل" وخدمة الجيل الثالث (G3) في غزّة، إلاّ أنّ الوزارة رفضت إعطاء أيّ معلومات حول الموضوع، معلّلة ذلك بأنّها ليست طرفاً في هذه التفاهمات ولم يصلها أيّ تفاصيل حتّى الآن حول الموضوع، ولكنّها "لا تمانع من دخول شركة الوطنية نطاق العمل في غزّة، طالما أنّها مستوفية للشروط كاملة في حصولها على التراخيص اللازمة ودفع ما عليها من استحقاقات مالية للحكومة في غزة لأنّ ذلك يصبّ في المصلحة العامّة ويسمح بالمنافسة الشريفة في نطاق عمل الإتّصالات الفلسطينيّة".
ويبقى هذا الإتّفاق كغيره من الإتّفاقات السابقة حبراً على ورق ما لم يترجم عمليّاً على أرض الواقع وتكن هناك ضمانات كافية لدخوله حيّز التنفيذ، شرط ألاّ يصطدم بالإجراءات السياسيّة والأمنيّة الاسرائيلية.