مدينة غزة - يشعر عدد متزايد من الشباب، عاماً بعد الآخر، باليأس من إمكان تحسّن الأوضاع في قطاع غزّة الذي يعاني من الحصار منذ فوز حركة حماس في الانتخابات في عام 2006 بـ76 مقعداً، إضافة إلى أنّه شهد ثلاث حروب أدّت إلى دمار أجزاء كبيرة منه، وارتفاع البطالة، وإغلاق المعابر مثل معبر رفح البري، وغالباً ما أدّى هذا اليأس بالشباب إلى الدعوة إلى مظاهرات تهدف إلى التغيير، لكنّها انتهت كلّها بالفشل.
وكان آخر حراك صباح 29 نيسان/أبريل 2015، في حيّ الشجاعيّة والمسمّى حراك 29 نيسان، لكنّه انتهى إلى عدم النجاح. فقد بدأ الشباب بالتجمّع، لكنّ عددهم بقي ضئيلاً، إضافة إلى وجود اختلاف واضح في الشعارات بين المتظاهرين.
فقد كان جزء من المتظاهرين يهتف بعودة الكهرباء وتحسين الأوضاع المعيشيّة وإنهاء الانقسام، وجزء آخر من المتظاهرين ينادي بوقف التنسيق الأمنيّ في الضفّة الغربيّة ويهتف للمقاومة.
وسرعان ما انتهت هذه المظاهرات التي حضرها "المونيتور"، بمجرّد أن هجمت مجموعة من الشباب الذين يحملون العصي، ويرتدون زيّاً مدنيّاً، على المتظاهرين، وقد وصف بعض المتظاهرين لـ"المونيتور" بأنّ المعتدين من الشباب "مناديب" يعملون لأجهزة أمن غزّة.
وقال أحد منسقّي حراك 29 نيسان رامي أمان لـ"المونيتور": "لقد احتلّ شباب ينتمون إلى حركة حماس المنصّة، ونادوا بشعارات مختلفة عن شعاراتنا، وثمّ ضربوا المتظاهرين بين صفوفنا، وظهر عدد آخر بالعصي، وكان من الواضح أنّهم يخرّبون الحراك عن قصد، وسنقدّم شكوى إلى الجهّات الرسميّة بما حدث".
وأكّد مصدر في وزارة الداخليّة رفض الكشف عن اسمه لـ"المونيتور": "هذا ليس صحيحاً، وليس للأمن علاقة على الاطلاق بالهجوم. وقد حدث توافق شفهيّ وضمنيّ على خروج هذه المظاهرات من وزارة الداخليّة، فلماذا نقمعها؟ لا بل كنّا نحميها طوال الوقت".
وفي السياق ذاته، قال المتحدّث باسم الداخليّة إياد البزم، موضحاً على حسابه الخاصّ على "الفايسبوك" إنّ "المشاركين انقسموا إلى مجموعات عدّة، وجرت مشادّات بينهم، ممّا دفع الشرطة إلى التدخّل حفاظاً على النظام العامّ".
وقد أظهر أحد الفيديوهات هجوم هؤلاء الرجال على مصوّر قناة الجزيرة ماهر أبو دقّة وصحافيّين آخرين، منهم المخرج والمصوّر يوسف نتيل الذي قال لـ"المونيتور": "كنّا نغطّي المظاهرات، ثمّ فجأة ظهر شباب يحملون العصي، وهجموا علينا، وحاولوا مصادرة كاميرتي، ولكنّني رفضت بقوّة".
وكانت هذه الخاتمة ذاتها التي انتهى إليها حراك الشباب في 15 آذار/مارس 2011، والذي جاء على غرار ثورات الربيع العربيّ في مصر وتونس، وتأثّراً بطاقات الشباب هناك. لكنّ المظاهرات أنهت يومها بهجوم رجال أمن يرتدون زيّاً مدنيّاً بالآلات الحادّة والعصي على المعتصمين في ساحة الكتيبة في مدينة غزّة، وضربوهم وخطفوا البعض الآخر.
وهناك أيضا حراك "تمرّد"، الذي دعا الشباب إليه في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 للتمرّد ضدّ حكومة حماس، وسوء الأوضاع المعيشيّة، لكنّ المظاهرات فشلت، بعد أن اعتقلت أجهزة أمن غزّة الشباب الذين دعوا إليها، وقد تابعه "المونيتور" عن كثب في ذلك الوقت.
وتشكّل نسبة الشباب بين 15 و29 عاماً في فلسطين حوالى 29.9% من إجمالي السكّان البالغ نحو 4.42 مليون، وبلغ معدّل البطالة بين الخرّيجين 52.5% خلال الربع الأوّل من عام 2013، كما أعلن كلّ من جهاز الإحصاء المركزيّ ومنتدى شارك الشبابي.
وقال المحلّل السياسي ابراهيم المدهون في مقال له بعنوان: "لماذا فشل حراك نيسان؟"، إنّ الشباب في فلسطين غير قادرين على استبصار الواقع والتعمّق فيه، وما زالوا متمركزين على ذواتهم.
وأضاف أنّ من يحرّكهم هو مجموعات فصائليّة وأمنيّة وسياسيّة هنا في غزّة وهناك في الضفّة، أو شخصيّات بعيدة تطمع بالعودة إلى الواجهة، لذلك من السهل احتوائهم من قبل المنظومة المتحكّمة في الساحة الفلسطينيّة.
أمّا الكاتب السياسيّ مصطفى ابراهيم فيؤكّد لـ"المونيتور" أنّ هناك عدم ثقة من الشعب بالشباب بعد تراكم التجارب الفاشلة على مستوى الحراك السياسيّ، ومغادرة العديد منهم إلى أوروبّا، وقد استفاد آخرون على المستوى الشخصيّ من دعم جهّات محدّدة، ممّا جعل كلّ دعواتهم لا تلقى أهميّة في الشارع الفلسطينيّ.
وأضاف أنّ تعدّد الشعارات أيضاً وعدم وضوحها، جعل من السهل على حركة حماس السيطرة على هذه المظاهرات، فتأمر شبابها بالنزول، ليكونوا جزءاً من الحراك، والمناداة بشعارات أخرى وتشويه الحراك الشبابيّ المستقلّ.
ويؤكّد الشاب فادي الشيخ يوسف الذي شارك في حراكي 29 نيسان و15 آذار لـ"المونيتور" أنّ هذا النوع من الحراك الشبابيّ غالباً ما يكون مستقلّاً وفقيراً، والدليل أنّه لم تتمّ طباعة أيّ لافتات خاصّة بالحراك، في حين أنّ من احتل المنصّة كان يحمل لافتات مطبوعة في شكل فاخر، وينتظر للسيطرة على ساحة المظاهرات، وهو الأمر ذاته الذي حدث بالضبط في عام 2011.
وتابع بقوله: "نحن مستقلّون وغير متحزّبين، ولا نقبل أموالاً من أحد. وقد جئنا اليوم لنذكّر القادة السياسيّين بسوء الأوضاع واليأس الذي وصل إليه الشباب"، لافتاً إلى أنّ السبب الحقيقيّ وراء فشل كلّ تحرّكات الشباب هو القمع الأمنيّ والعنف.
انفضّت المظاهرات خلال دقائق معدودة في 29 نيسان/أبريل، وغادر المتظاهرون، وتركوا على الأرض لافتات اختلفت في أهدافها. ففي حين هناك لافتة مكتوبة بخطّ اليدّ تقول: "كفى للانقسام، حان موعد بدء الإعمار"، كانت لافتة أخرى مطبوعة بالألوان تقول: "أين نحن من معاناة موظّفي غزّة؟"، وكلاهما تداسان بالأقدام، كما تداس أحلام الشباب بالتغيير مع بداية كلّ عام وكلّ حراك شبابيّ.