مدينة غزّة - ينهمك عمر الشوّا، وهو صاحب ومدير أحد المطاعم في مدينة غزّة، بالعمل في مطعمه المتخصّص بالوجبات والسندويشات الخفيفة والأراجيل، والّذي أنشأه بداية العام الماضي، ويصارع من أجل التّرويج له، خصوصاً أنّه يتنافس مع عشرات المطاعم المنتشرة في كلّ أرجاء قطاع غزّة.
وأشار الشوّا، الّذي كان يعمل في السابق بإدارة مطاعم عدّة، إلى أنّ مشاريع الطعام هي الوحيدة المجدية والمربحة في قطاع غزّة، وقال لـ"المونيتور: "لا يمكن العيش من دون الطعام، فهو ضروريّ، إضافة إلى أنّ المطاعم لا تخسر إلاّ نادراً، فرغم المصاعب الكثيرة الّتي تواجهنا في عملنا، ومن بينها انقطاع الكهرباء في شكل مستمرّ والحروب المتكرّرة الّتي توقف العمل لفترات طويلة، إلاّ أنّ العمل جيّد ومربح جدّاً".
ولفت إلى أنّ مطعمه، الّذي يندرج تحت قائمة المطاعم الشعبيّة الواسعة الانتشار في القطاع، يقبل عليه الكثير من الزبائن من كلّ الطبقات، نتيجة انخفاض أسعاره الّتي تناسب الجميع، وقال: "نحن نعتمد في مجال الرّبح على الإقبال الكبير من قبل الجمهور من كلّ الطبقات، وتشكّل أسعارنا، الّتي تناسب الجميع وتتراوح بين سبعة شواقل و12 شيقلاً عاملاً في ذلك الإقبال، ناهيك عن زيادة الإقبال في أشهر الصيف".
وتدخل إلى قائمة المطاعم في قطاع غزّة سنويّاً أسماء مطاعم عدّة، تتراوح بين الشعبيّة والرّاقية، وذلك نتيجة إقبال الشارع الغزيّ الشديد، الّذي يغري أصحاب رؤوس الأموال.
وأكّد رئيس هيئة الفنادق والمطاعم السياحيّة في قطاع غزّة صلاح أبو حصيرة أنّ الاستثمار في القطاع السياحيّ أصبح اليوم من أهمّ القطاعات الاقتصاديّة، الّتي تدرّ دخلاً جيّداً على مستوى العالم عموماً، وفي فلسطين وقطاع غزّة خصوصاً.
وأشار أبو حصيرة في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ الاهتمام الشديد لرؤوس الأموال والمواطنين في غزّة بمشاريع الأغذية أدّى إلى تنامي هذا المجال سريعاً، وقال: "يزداد كلّ عام عدد المطاعم في قطاع غزّة، فمثلاً في العام الماضي ازداد العدد عشرة مطاعم، وفي العام الجاري ارتفع إلى ستّة. أمّا العدد الإجماليّ للمطاعم المسجّلة رسميّاً لدينا فهي 220 مطعماً وفندقاً ومنتجعاً سياحيّاً، إضافة إلى أنّ هناك مطاعم غير مسجّلة في هيئة الفنادق والمطاعم السياحية مؤقّتاً، وسيتمّ تسجيلها خلال الفترة القريبة المقبلة، ومنها ما هو شعبيّ بسيط وسياحيّ، وتتراوح أعدادها بين مائة ومائة وخمسين مطعماً".
ورغم الإقبال الشديد في إنشاء المطاعم، إلاّ أنّه لا توجد اليوم أيّ مغريات من قبل الحكومة لأصحاب رؤوس الأموال كالإعفاءات الضريبيّة والتّسهيلات في الحصول على الترخيص، وفق أبو حصيرة، الّذي قال أيضاً: "الوضع الاقتصاديّ والحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزّة، إضافة إلى عدم توافر رواتب للموظّفين لم يكن مشجّعا تماما، ولكنّ رجال الأعمال في غزّة طموحون وصبورون إلى درجة كبيرة، فمثلاً المطاعم الكبيرة والفنادق تعتمد على القاعات الكبيرة وصالات الأفراح والاجتماعات الّتي تمتلكها لتأجيرها للمؤسّسات الكبيرة. أمّا المطاعم الشعبيّة، فهي تقدّم وجبات شعبيّة وخفيفة، تعتمد على انخفاض أسعار وجباتها وسندويشاتها في استقطاب الزبائن. لذلك، فهي الأفضل ماليّاً في ظلّ الوضع الإقتصاديّ الصعب، لذا فالقطاع السياحي يحاول فتح آفاق ومصادر دخل جديدة رغم سوء الأوضاع الاقتصادية".
وأكّد أبو حصيرة أنّ السياحة الداخليّة في غزّة هي الّتي تنشّط المطاعم الشعبيّة. لذلك، يتمّ افتتاح مطاعم شعبيّة تخاطب الفئات المحدودة والمتوسّطة الدخل.
ومن جهته، عزا الخبير الإقتصاديّ الدّكتور ماهر الطبّاع الرواج الكبير في استثمار أصحاب رؤوس الأموال بإنشاء مطاعم وإقبال المواطنين عليها، إلى تأصّل ثقافة الاستهلاك لدى الشعوب العربيّة، وقال لـ"المونيتور": "إنّ الشعوب العربيّة استهلاكيّة، إذ تتحكّم فينا سياسة الاستهلاك، ولذلك، فإنّ العمل في مجال الأغذية لا خسائر، ناهيك عن أنّ اقتصادنا هو في الأساس خدماتيّ، أيّ أنّ ما نسبته 60 في المئة منه خدماتيّ".
كما عزا الطبّاع التنامي الكبير والملحوظ في قطاع الأطعمة والخدمات الغذائيّة، إلى الحصار الإسرائيليّ للقطاع الّذي غيّب عنه كلّ وسائل التّرفيه، مشيراً إلى أنّه لم يبق أمام المواطنين، إلاّ التوجّه إلى المطاعم، وقال: "إنّها نوع من أنواع السياحة الداخليّة، إلى جانب المنتجعات السياحيّة القليلة، وكلّها تستقطب القطاعات الّتي كانت تسافر في شكل مستمرّ، والآن لا مجال أمامها للسياحة الخارجيّة. لذلك، هذا الأمر ساعد في تنمية المطاعم".
ورأى أنّ احتماليّة الفشل والخسارة منخفضة جدّاً، إذ نجح الكثير من المطاعم الحديثة النشأة وتوسّع خلال الفترة الأخيرة وتطوّرت أعماله في شكل كبير رغم الحروب المتكررة. مضيفا :"المطاعم في قطاع غزة لم تتأثّر في الحروب إلا لو قُصفت بشكل مباشر، أما في فترات قبل وبعد الحروب فهي لم تتأثّر من الحصار الإسرائيلي لأنها تعتمد بشكل كلي على سياحة المواطنين الداخلية الذين مُنعوا من السفر بسبب إغلاق المعابر وعدم استغنائهم عن الطعام، ما أدّى إلى توسّع الكثير من المطاعم وافتتاح عدة فروع لها، ناهيك عن وجود الكثير من المطاعم التي افتتحت خلال الأشهر التي تلت فترة الحرب الأخيرة وزادت عن الستة".