قطاع غزة، مدينة غزة - في تخلٍ مؤقتٍ عن سياسة "إحلال الواردات" التي استمرت لسنوات، سمحت الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة بدخول بعض المنتجات الاسرائيلية ، بعد منعها لسنوات، بسبب عدم قدرة المصانع على توفير احتياجات السوق، بعد تدمير معظمها خلال حرب الصيف الماضي.
وقال حاتم عويضة، وكيل وزارة الاقتصاد الوطني، للمونيتور :"واجهنا اشكاليتين بعد الحرب الاسرائيلية، الأولى المتعلقة بعدم قدرة بعض المنتجين على العودة للإنتاج نتيجة استهداف منشآتهم، والسبب الثاني يتعلق بعجز كميات السلع المنتجة محلياً على تلبية حاجة السوق ، وبالتالي فتحنا باب استيراد بعض السلع الاسرائيلية التي نحتاجها".
وأضاف عويضة:" "هي سياسة للتخفيف، ولفترة محدودة، وذهابنا لهذا الخيار، ليس لجني ايراد رسوم استيرادها، كما قيل; لأن السلع التي سمحنا بدخولها لا يُبنى عليها رسوم كبيرة، ولا زلنا نمنع استيراد بعض السلع التي يتوافر لها بديل وطني، وبعد فترة سنعيد رسم سياسة تتلاءم مع طبيعة الواقع".
وقد كبدت الحرب الاسرائيلية القطاع الصناعي أضراراً تقدر ب200 مليون دولار، ودمرت حوالي860 منشأة اقتصادية، حسب تصريح اتحاد الصناعات للمونيتور، و من ضمنها شركة فلسطين للصناعات الغذائية، كبرى منتجي العصائر المحليين ، والذي توقف انتاجها بعد قصف وتجريف مصنع الشركة الوحيد شرق مدينة غزة، أثناء الاجتياح البري حرب الصيف الماضي، كما وتم تدمير المقرات الادارية والمعرض الدائم في برج الباشا، أثناء مرحلة قصف الأبراج السكنية.
ويصر العاملين في الشركة على العودة للإنتاج من جديد، رغم خسارة الشركة التي قدرت ب 13 مليون دولار، حيث يقول المدير التنفيذي للشركة، وائل الخليلي:" خط الانتاج الوحيد الذي نجا من الحرب، هو الذي قمنا بطلب استيراده قبل الحرب، و قد وصل حالياً، حيث سيساعدنا على العودة للإنتاج لكن ستكون الامكانيات بسيطة جدا". ويتابع :"لا بد أن يكون قرار السماح باستيراد العصائر الاسرائيلية قراراً مرحلياً، لقد قصفت شركتنا خلال الحروب الثلاثة الماضية، وكانت سياسة احلال الواردات تساعدنا على النهوض من جديد، وتطوير أنواع وكميات الانتاج".
ويرد عويضة على استهجان المجلس الشعبي للمقاطعة في قطاع غزة، لقرار العودة إلى استيراد المنتجات الاسرائيلية، و التي لها بدائل عربية، في ظل تنامي حركة المقاطعة دولياً نصرةً للقضية الفلسطينية، قائلاً :"لم نفرض على التاجر دولة بعينها، لكننا سمحنا بعودة البضائع الاسرائيلية لفترة معينة، لأن مصلحة التاجر تكمن هنا، حيث يمتلك معظم التجار الفلسطينيين علاقات مع التجار الاسرائيليين فقط، فالمعوقات أمام سفر التجار وحريات التعامل التجاري مع الخارج، يضطرهم للاستيراد من الخيار الوحيد الموجود وهو اسرائيل"، وتابع :"كما أن تلك السلع لا تشكل رافعة للاقتصاد الاسرائيلي".
ويبدو أن سياسة إحلال الواردات لم تكن كافية لحماية المنتج المحلي، كما يقول نائب المدير التنفيذي لشركة لاين فود، محمد أبو شعبان: "نحن ننتج الصلصة من منتجات محلية 100%،كما ونعتمد على مخرجات القطاع الزراعي، ما نستورده هو العلبة فقط، ومع ذلك تفرض الحكومة علينا الضرائب والرسوم بلا هوادة".
و بحسب أبو شعبان أدت الحرب الأخيرة إلى خسارة قدرت ب 6 مليون دولار، في البنية التحتية لمصنع شركته، كما أن تدمير القطاع الزراعي أدى إلى عجز المصنع عن توفير محصول البندورة اللازم للإنتاج، فاضطر إلى استيراده من مصر بعد الحرب.
ورغم تشديد المنع من قبل الحكومة، إلا أنه تتوافر منتجات إسرائيلية وايطالية منافسة للمنتجات المحلية التي يوجد عليها منع، كما أكد أبو شعبان للمونيتور، الأمر الذي يؤثر على الطلب في السوق.
وفي الوقت الذي ينتهج فيه العالم نظام السوق الاقتصادي الحر ، اتجهت حكومة حماس خلال السنوات الماضية لسياسة إحلال الواردات تحدياً للشق الاقتصادي من الحصار المطبق على غزة منذ عام 2006، حيث بين عويضة: " انتهجنا إحلال الواردات بسبب وضع العراقيل الاسرائيلية على الصادرات المحلية، وتحكمه بها ، فوفرنا البيئة المناسبة كي تطور المنتجات المحلية من نفسها ويتم استهلاكها، وأطلقنا قبل سنوات سياسة احلال الواردات، وأدواتنا كانت المنع المطلق لاستيراد بعض السلع، وتقنين بعض السلع ضمن كوتة محددة، ووضع تعرفة جمركية".
ويضيف وزير الاقتصاد السابق، في حكومة حماس، الدكتور علاء الدين الرفاتي، للمونيتور سبباً أخر لاتباع سياسة إحلال الواردات :" في بدايات فرض الحصار، شددت اسرائيل المنع على دخول المواد الأساسية لقطاع غزة، فكانت تسمح باستيراد حوالي 13 صنف من أصل 5000 نصت عليها اتفاقية باريس، وكان علينا أن نجد بديلاً محلياً بتعزيز الصناعات الوطنية".
وأضاف الرفاتي :" حتى بعد السماح لأصناف أكثر بالدخول في العام 2010، لم تصل إلى الألف صنف، اعتمدت وزارات غزة سياسة تقليص حجم الواردات من المنتجات التي يوجد لها بديل محلي، من مختلف الصناعات الغذائية، والملابس، وحتى المنتجات الزراعية، حتى لا يصبح السوق المحلي سوقاً استهلاكياً لما يتم استيراده، في الوقت الذي لا يجد فيه المنتج المحلي مكاناً لتصريف منتجاته محلياً أو دولياً، بسبب القيود الاسرائيلية على الصادرات".
ويذكر المدير التنفيذي لاتحاد الصناعات في غزة، خضر شنيورة :"منذ تطبيق سياسة إحلال الواردات أدت إلى زيادة العمالة بنسبة 17%، وعودة العمالة القديمة، إضافةً إلى توفير احتياجات السوق من المنتجات".
وبعد مغادرة حماس للحكم، وتسليمها قطاع غزة لحكومة الوفاق، يعاني القطاع الصناعي من غياب أدوات الحكومة الجديدة ، واستراتيجيتها الخاصة بتعزيز صموده، بعد الحرب، حيث ذكر عويضة أنه " لا يوجد لوزارة الاقتصاد في الضفة تواصل مع غزة، على صعيد العمل والأداء أوالاستراتيجيات".
ويرى المحلل الاقتصادي، ماهر الطباع أن " سياسة احلال الواردات فقدت مصداقيتها عندما تخلت عن المنتجات الوطنية من الضفة الغربية، أو حتى من الدول العربية، و سمحت للبضائع الاسرائيلية بالمرور".
هذا ويبقى المنتج الوطني قيد التجارب الحكومية، التي تواجه أصعب الظروف الاقتصادية بسبب السياسات الاسرائيلية التي تتحكم بالحدود والموارد، وتعطل عجلة الإعمار والتنمية.