العريش، مصر – "أنتم تدعمون الارهاب".. تدارك محدثي قسوة الاتهام فقال :"منكم في سيناء خونة". هكذا أستهل اللواء المتقاعد والذي يعد من النخب المحسوبة على الأحزاب الليبرالية المصرية، حديثه معي وسط مجموعة من رفاقه على طاولة جمعتنا مصادفة في أحد المناسبات بالقاهرة.
يتضح من المتحدث مدى ضحالة المعرفة بسيناء لدى قطاع كبير من الشعب المصري سواء لدى النخب السياسية والأمنية أو العامة.ولكن ما الذي أوصل هذا التعميم عن أهالي سيناء؟
يجيب على هذا التساؤل أحد شيوخ سيناء والذي أمتنع عن نشر أسمه، في حديث إلى "المونيتور" قائلاً :"التعتيم الإعلامي المتعمد بتعليمات أمنية، أحد الأسباب التي شاركت في تنامي الشك والريبة لدى الشعب المصري من سيناء. فلا تناقش الصحف والفضائيات المصرية، سوى أخبار عن مقتل أبناء المؤسسات العسكرية القادمين من محافظات وادي النيل، برصاص الجماعات الدينية المتطرفة، في حين لا تهتم بنقل معاناة أهالي سيناء القابعين بين فكي الممارسات الأمنية القمعية، وتغول التطرف الديني المسلح".
وحول الهدف من التوجيه الأمني للإعلام عن ما يحدث في سيناء، يضيف الشيخ :" الأنظمة المصرية المتعاقبة وخاصة نظام الرئيس السيسي الحالي نجح في فصل سيناء عن باقي المحافظات المصرية، بتشويه صورتنا بواسطة إعلاميين مواليين للنظام في الصحف والفضائيات المصرية وتصويرنا للشعب المصري باننا نقاتل الدولة ولا نساندها، وذلك بهدف تمرير أجندات سياسية ومصالح أقليمية ودولية متفق عليها لضمان بقاء النظام المصري وحلفائهم في الجوار، وخاصة تنفيذ مشروع المنطقة العازلة الذي يخدم مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي".
من الحين إلى الآخر، يتهم أهالي سيناء النظام الحالي بتشويه صورتهم في الإعلام المصري، المملوك لرجال الإعمال المواليين للنظام العسكري الحكم. ويقول محمد حسن، من أهالي مدينة الشيخ زويد الحدودية، في حديث إلى "المونيتور" :" الإعلام المصري أحادي الصوت والتوجه، يطالب بإبادتنا بشكل ممنهج في محاولة لتأهيل الشعب المصري على الاصطفاف مع النظام الحاكم في اقامة مجازر عرقية بسيناء لتصبح خالية لمخططاتهم ومصالحهم المشبوهة".
في مطلع شهر فبراير الجاري طالب الكاتب بصحيفة الوطن المصرية والمقرب من النظام الحاكم، محمود الكردوسي، من الرئيس السيسي، حرق سيناء باخضرها ويابسها بالنابالم. وكذلك طالب الكاتب الصحفي، سليمان جودة، المحسوب أيضا على النظام، في مقالة نشرت له في صحيفة المصري اليوم، بتدمير سيناء قائلاً "إذا كانت سيناء سوف تظل تمثل صداعاً مزمناً لنا، بهذه الصورة، فلندمرها عن آخرها، ولنحرقها، ولنشعلها ناراً". ولنطاردهم فيها من أول شبر فيها، إلى آخر شبر، فلا يبقى على أرضها كائن حى".
رد النشطاء في سيناء على ما وصفوه بالفاشية الإعلامية الممنهجة تجاههم، بالكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي عن بطولاتهم على مدار التاريخ في حماية الحدود المصرية ومساعدة الجيش المصري في الانتصارات الحربية ورفضهم تدويل سيناء عام 1968. إلا أن أحد ضباط الجيش العاملين ميدانياً في الحملات العسكرية بسيناء، أكد في حديث إلى "المونيتور" عزوف أهالي سيناء عن مساعدة الجيش بالمعلومات أو العمل الارشادي للجيش في المناطق التي يختبيء فيها الإرهابيون".
في 11 أغسطس 2012، تعرض الشيخ خلف المنيعي، أبرز شيوخ قبيلة السواركة، أكبر قبائل سيناء، للاغتيال برصاص مسلحين من تنظيم بيت المقدس، وفي السابع من أغسطس 2013، تعرض النائب عبد الحميد سلمي، أحد وجهاء عائلة الفواخرية كبرى عائلات العريش، للاغتيال برصاص نفس التنظيم، فور اعلانهم الدعم الكامل للجيش في الحرب على الإرهاب.
بالإضافة إلى المنيعي وسلمي، هناك العشرات من الشيوخ وأبناء القبائل بسيناء تعرضوا للاغتيال والذبح على يد تنظيم بيت المقدس، انتقاماً لدعمهم قوات الجيش، في حين يتهم الأهالي الإعلام بعدم تسليط الضوء على هذه الحوادث.
ويقول أحد النشطاء من مدينة رفح الحدودية، والذي رفض نشر أسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية أو الإرهابية، في حديث إلى "المونيتور" :" عقب ثورة يناير 2011، فرحنا للغاية من دخول الجيش لأول مرة في سيناء بعد انسحاب الشرطة التي تعد رمزاً للألم والمعاناة لأهالي سيناء، وأجمع الأهالي على ضرورة دعمهم للجيش وفتح صفحة جديدة مع السلطات الحاكمة، إلا أننا تفاجئنا بأن الجيش في حملاته العسكرية على مدار العامين الماضيين لا يفرق بيننا وبين المتطرفين، بل نتعرض نحن المدنيين للتنكيل والمعاناة في حين يتحرك الإرهابيون بحرية تامة يومياً".
ويؤكد الناشط على حقيقة عزوف أهالي سيناء عن مساعدة الجيش، قائلاً "معظم الأهالي ابتعدوا عن مساعدة قوات الجيش في الحرب على الإرهاب لعدة أسباب. السبب الأول: تعرض جميع المدنيين بلا استثناء للظلم من الحملات العسكرية في مدينتي الشيخ زويد ورفح بلا ذنب وعدم التفرقة بيننا وبين العناصر الإرهابية. السبب الثاني: عدم حماية الجيش للمدنيين الذين ساهموا في تزويدهم بالمعلومات عن العناصر المتطرفة. السبب الثالث: ذبح تنظيم بيت المقدس (ولاية سيناء)، للعشرات من أبناء سيناء لتعاونهم مع الجيش ما أدى إلى خوف الأهالي من تعرضهم للذبح دون حمايتهم من الجيش. السبب الرابع: عدم تسليط الضوء على جهودنا بجانب استمرار تهميشنا وتصويرنا إعلامياً كشياطين".
وفي قرية الشلاق، الواقعة غرب مدينة الشيخ زويد، يقف أحد أبناء قبيلة السواركة، أكبر القبائل في سيناء، بالقرب من شجرة يظهر أسفلها بقع داكنة من الدماء بالقرب من الطريق الدولي المتجه إلى مدينة العريش. يقول الرجل الذي رفض نهائيا ذكر أسمه، أن هذه الدماء لأحد أقاربه ذبح بالسكين بالقرب من منزل أسرته في 14 يناير 2015، من قبل تنظيم بيت المقدس لتعاونه مع الجيش وامداده بمعلومات عن أماكن أختباء الإرهابيين.
ويقول الرجل أن الشاب المذبوح، خطف قبل ذبحه بأسبوع، من قبل مسلحين، وأتجه أٌقاربه على الفور إلى الجيش في محاولة لمساعدتهم في استرجاع أبنهم، إلى أن الجيش لم يبدى أي اهتمام. الأمر الذي قابله الأهالي بالحسرة على أبنهم.
اما أحمد، وهو من أبناء قبيلة الإرميلات، أحدى أكبر القبائل في سيناء، فيقول لـ"المونيتور" : "صدمني الحديث الإعلامي عن حادثة ذبح الاقباط في ليبيا على أنها أول حادثة لذبح مصريين على يد تنظيم داعش، في حين يذبح التنظيم العشرات من أهالي سيناء باستمرار على الطرقات العامة لمساعدتهم للجيش".
ويضيف أحمد" الأمر الأكثر وجعاً أن يدين الأتحاد الأوربي ذبح الإرهاب لأبناء سيناء، في حين لا صوت للمسؤلين أو الإعلاميين المحرضين تجاهنا".