الدوحة - لا تزال المعارضة السياسية السورية تعاني من التأثيرات الإقليمية المتنافسة، بما يؤدّي إلى تقويض فعاليتها، بحسب معاذ الخطيب، القائد السابق للمعارضة.
فقد اعتبر الخطيب الذي تولّى سابقاً رئاسة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في مقابلة حصرية مع موقع "المونيتور" على هامش منتدى أميركا والعالم الإسلامي الذي نظّمه معهد بروكينغز في الدوحة، أنه "لدى المعارضة مشكلة... تلعب الدول الإقليمية والدولية دوراً في تشتّتها".
وكان الخطيب قد ألقى سابقاً بتبعة استقالته من رئاسة الائتلاف في آذار/مارس 2013، على التدخل الخارجي في الائتلاف الوطني السوري، في إشارة على الأرجح إلى السعودية وقطر.
وقد قال لموقع "المونيتور": "تقع سوريا الآن تحت ضغط قوى إقليميّة، بعضها مع النظام وبعضها ضدّ النظام. وتتصارع هذه القوى وتضغط في اتجاه مصالحها".
وحمّل الخطيب القوى الإقليمية مسؤولية استمرار الحرب، قائلاً: "سوريا الآن ساحة صراع أكبر من النظام وأكبر من الثورة. ومن يدفع الثمن هو الشعب".
بعد مغادرة الائتلاف، أصبح الخطيب شخصية معارضة مستقلّة، ويواصل الدعوة إلى إطلاق حوار سوري، بما في ذلك مع النظام، من أجل وضع حد للحرب المدمّرة التي أودت حتى الآن بحياة أكثر من 160000 شخص.
"كنت أدعو إلى التفاوض مع النظام وما زلت... دعوت إلى تفاوض مباشر مع النظام وعدم انتظار المؤتمرات الدوليّة التي تُعقد كلّ عدّة أشهر وتكلّف الشعب السوري هذا الوقت والكثير من الدماء. فالتفاوض هو مبدأ وليس موضوعاً تكتيكيّاً"، يقول الخطيب.
وقد أبدى أيضاً استعداده لإجراء مباحثات مع إيران، وكشف مصدر في منتدى الدوحة لموقع "المونيتور" أنه لا يستبعد إمكانية قيام زعيم المعارضة السورية السابق بزيارة إلى طهران.
وقال الخطيب إنه يعمل مع "مجموعة من الوطنيّين من أجل انتزاع استقلال القرار السياسي السوري"، لكنه لا يشارك حالياً في أية مبادرة مع الائتلاف الوطني السوري أو هيئة التنسيق الوطنية.
وقد اعتبر إمام الجامع الأموي سابقاً في دمشق أن الانتخابات الرئاسية التي أجريت مؤخراً في سوريا "ليست حقيقية"، وأن النظام "يوهم نفسه"، مضيفاً أن المكاسب العسكرية التي يحقّقها هذا النظام لن تسمح له بالتخلص من المشاكل الكثيرة التي يواجهها: "مهما سيطر النظام عسكرياً، المأساة والمشكلة أكبر بكثير".
أما في ما يتعلق بالتهديد الإرهابي المتعاظم، والذي تفاقم مؤخراً بفعل المكاسب التي حققها تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) في العراق، فقد اعتبر الخطيب أنه يتعين على الدول معالجة جذور التطرّف، وعدم الاكتفاء بالبحث عن حلول سريعة: "السياسيّون غالباً ما ينظرون إلى المآلات السريعة. التطرّف بحاجة إلى بحث أسباب وجوده... معالجة الإرهاب موضوع إعلامي وتربوي طويل ولا يمكن حل مشكلة حدثت في خلال عشرات السنين، في خلال أيام".
ووجّه الخطيب انتقادات إلى الدول التي تركّز على الإرهاب فيما تتغاضى عن حجم الحرب في سوريا: "بعض الدول تهتم بطول لحية المقاتلين أكثر مما تهتم بدماء الأطفال والأبرياء"، في إشارة على ما يبدو إلى الولايات المتحدة التي تعتمد مقاربة حذرة في دعم الثوار السوريين خشية وقوع الأسلحة المتطوّرة في أيدي الجهاديين.
يعلّق الخطيب في هذا الإطار: "على الإدارة الأميركيّة أن تكون حذرة في التصنيفات... فإذا صنّفت بعض المجموعات إرهابيّة وهي ليست كذلك، فإنها لا تجد طريقاً إلا أن تصبح إرهابيّة".
المونيتور: أولاً، أودّ أن أعرف ما هو تعليقكم على الانتخابات السوريّة الرئاسيّة. هل تعتقدون أن الدعم الذي حصل عليه الرئيس بشار الأسد كان حقيقياً في الانتخابات الرئاسيّة؟ وهل يمكن للمعارضة أن تستعيد زخمها؟
معاذ الخطيب: الانتخابات في سوريا تجري بهذه الطريقة منذ خمسين عاماً، ونتائجها معروفة من الشعب السوري. فهي ليست انتخابات حقيقيّة والنظام يوهم نفسه. بالتأكيد لو لم يكن الناس تحت يده، لتغيّرت جداً النسب التي أعلنها. هذا في ما يتعلق بالانتخابات. أما المعارضة، فلديها مشكلة وهي أنها ما زالت تضمّ أطرافاً عدّة وتلعب الدول الإقليميّة والدوليّة دوراً في تشتتها. هي في الأصل تعاني من ضعف داخلي بسبب خمسين عاماً من الحرمان من أي مؤسسة تمارس فيها العمل السياسي، وقد قمعها النظام بشكل متوحّش وبعد ذلك جاءت أطراف إقليميّة ودوليّة لتتدخّل فيها وهذا يؤدّي إلى مشاكل كثيرة.
المونيتور: هل يمكنكم أن تشرحوا بالتفصيل هذا التدخّل الخارجي مع المعارضة، بصفتكم زعيماً سابقاً لها ومنتقداً في ذلك الوقت للقوى الخارجيّة المؤثرة فيها؟ كيف ترون هذه التأثيرات الخارجيّة على المعارضة اليوم؟ هل يمكن أن تكون ثمّة معارضة غير مقيّدة بتأثيرات الخارجيّة؟
الخطيب: أعمل مع مجموعة من الوطنيّين من أجل انتزاع استقلال القرار السياسي السوري. تقع سوريا الآن تحت ضغط قوى إقليميّة، بعضها مع النظام وبعضها ضدّ النظام. وتتصارع هذه القوى وتضغط في اتجاه مصالحها. فسوريا الآن ساحة صراع أكبر من النظام وأكبر من الثورة. ومن يدفع الثمن هو الشعب. نريد أن نخرج من هذه المعادلة ونكسرها كي ننقذ بلدنا من مصير أسود وأسوء قد يسير إليه لا سمح الله.
المونيتور: هل تعملون مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة أو مع هيئة التنسيق الوطنيّة لقوى التغيير الديمقراطي أو مع هيثم مناع؟ وما هي المبادرات التي اتخذتموها منذ أن تركتم الائتلاف؟
الخطيب: لا علاقة لي الآن مع أيّ طرف سياسي، لا الائتلاف ولا هيئة التنسيق. طبعاً العلاقة الشخصيّة والوطنيّة تبقى موجودة. هذا شيء طبيعي. لكن لا يوجد التزام سياسي. طريقة عملي هي كما سمعت الآن. طبعاً ثمّة من يشاركني في الأمر. نحن مجموعة ليس لها اسم، هدفها فتح الطريق أمام السوريّين. لا يهمّنا الاسم ولا تهمّنا المكاسب. إذا كان من فائدة، فنحن سعداء جداً.
المونيتور: عندما كنتم على رأس الائتلاف، كنتم تشجّعون فكرة الحوار مع النظام وتدعمونها. هل ما زلتم تدعمون هذه الفكرة وتؤيّدونها؟ وهل تعملون مع الشخصيّات المستقلّة التي تنادي بمثل هذه المبادرات؟
الخطيب: نعم، كنت أدعو إلى التفاوض وما زلت. وفي زيارة إلى مصر قبل شهر تقريباً، دعوت إلى تفاوض مباشر مع النظام وعدم انتظار المؤتمرات الدوليّة التي تُعقد كلّ عدّة أشهر وتكلّف الشعب السوري هذا الوقت والكثير من الدماء. فالتفاوض هو مبدأ وليس موضوعاً تكتيكيّاً. وعلى الرغم من أنّني لست عضواً في أيّ فريق سياسيّ، إلا أنني مستعدّ للتعاون مع أيّ فريق يُتاح مجال التفاوض أمامه.
المونيتور: هل نجحتم في ذلك؟ هل تحدّثتم إلى أي من أركان من النظام؟
خطيب: لم يكن الردّ مباشراً ولكنّهم ينشرون في مجلّاتهم وصحفهم كلمات مغازلة تشيد بالفكرة.
المونيتور: بحسب ما هو عليه الوضع حالياً في سوريا، من الواضح أنّ النظام يشعر بالراحة وقد حقّق بعض المكاسب. وهل تؤدّي هذه الحرب إلى انتصار النظام؟
الخطيب: بشار الأسد قال في بداية المشكلة إن ثمّة بعض صانعي المشاكل في الطرقات فقط، والأمر يحتاج إلى بضعة أيّام للانتهاء. وما زال النظام يفكّر بالطريقة نفسها. أحياناً يحقّق النظام بعض المكاسب وأحياناً يخسر. مهما حصل ومهما سيطر النظام عسكرياً، المأساة والمشكلة أكبر بكثير ولن تنتهي بسرعة حتى يقرّر النظام اتخاذ خطوات صحيحة ويعترف أنّه فشل في إدارة الأزمة وأنّه أحد الأسباب الأساسيّة لدمار سوريا.
المونيتور: كيف التوصّل إلى نقطة يعترف فيها النظام بأنه يحتاج إلى حلّ وسط؟ هل تتفاوضون أو تتحدثون مع الإيرانيّين أو مع الروس؟ هل تم إحراز أي تقدّم؟
الخطيب: هذا النظام ينبغي أن يعترف بالحقيقة، حتى يساهم في الحل. فإذا بقي ينظر بطريقة غير دقيقة إلى ما يجري، سيفاقم المشكلة. كما سمعت، أدعو كل الأطراف إلى التفاوض وكل الأطراف التي لها علاقة بالموضوع السوري إلى إيجاد حل. لا يوجد الآن تواصل مباشر في هذا الموضوع حتى مع الإيرانيّين وغيرهم. لكن لا يوجد مانع منه أبداً. طبعاً التقيت بـ"مستر" [علي أكبر] صالحي وزير الخارجيّة السابق و"مستر" [سيرغي] لافروف في اجتماع ميونيخ للأمن والتعاون الدولي، إلا أن ظروفاً مختلفة لم تجعل هذه اللقاءات تزداد فعاليّة أو نتيجة. لكنني أقول إن التواصل مع كل الأطراف ضروري ولا يمكن تجاوز الأطراف الفاعلة جميعها. ومن المؤكّد أن جلسات مفتوحة ستبني جسوراً من أجل إيجاد حل.
المونيتور: ذكرت مساعدة وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى آن باترسون البارحة تنظيم "الدولة الإسلاميّة في العراق والشام" (داعش) مرتَين والنظام مرّة واحدة فقط. هل ترون أن ذلك يدلّ على أولويات الإدارة الأميركيّة؟ وكيف يمكن تحديد انتشار الإرهاب في سوريا وكيف التعامل مع هذه المشكلة؟
الخطيب: التعامل مع الوضع سبق وشرحته. ثمّة كلمة ألقيت في روما تقول إن بعض الدول تهتم بطول لحية المقاتلين أكثر مما تهتم بدماء الأطفال والأبرياء. التطرّف مشكلة طبعاً، نحن لا نقبل به ولكن التركيز عليه لا يكفي أبداً. السياسيّون غالباً ما ينظرون إلى المآلات السريعة. التطرّف بحاجة إلى بحث أسباب وجوده وهو ما يساعد حقيقة في كبحه ولجمه وإيقافه وتحجيمه. وعلى الإدارة الأميركيّة أن تكون حذرة في التصنيفات، فأحياناً هي تتأثر بآراء إقليميّة وبعض المعلومات غير الدقيقة. وبالتالي تضع بعض المجموعات في وضع حرج جداً. فإذا صنّفت بعض المجموعات إرهابيّة وهي ليست كذلك، فإنها لا تجد طريق إلا أن تصبح إرهابيّة. لذلك يجب أن يكون الأمر دقيقاً. ومعالجة الإرهاب موضوع إعلامي وتربوي طويل ولا يمكن حل مشكلة حدثت في خلال عشرات السنين، في خلال أيام.