النار تحت الرماد، والريح النافخة قريبة جداً! هكذا يصف سياسيون أردنيون الوضع في بلادهم هذه الأيام.
عند كل محطة ومفصل، يقوم عدد من السياسيين الأردنيين بجولة على الدول المحيطة. لوضع المعنيين في أجواء وطنهم، كما لاستشراف أجواء الخارج حيال ما يمكن أن يحضر لبلدهم الصغير وما قد يكون عليه مستقبل أوضاعه. وفد من "المجلس الأردني للعلاقات الخارجية" كان على موعد مع زيارة لبنانية نهاية الأسبوع الماضي. القلق هو اكثر ما يظهر على الوجوه. أحد أركان المجلس روى لموقعنا مؤشرات الخطر على الساحة الأردنية.
ثلاثة مؤشرات ينبغي التوقف عندها خصوصاً، يقول. أولاً حالة التسلح المنتشرة في البلاد. بات سعر الكلاشنيكوف، كمؤشر دولي موحد لحالة التسلح الميليشياوي في دول العالم الثالث، أقل من 500 دولار أميركي. بعدما كان قبل عامين نادر الوجود ولا يقل ثمنه عن ألفي دولار. انخفاض في السعر يدل على وفرة المادة وكثرة العرض، حتى إغراق السوق. من أين يأتي السلاح؟ خصوصاً من الحدود السورية، يقول السياسي الأردني. حتى أن ما نقلته وسائل الإعلام عن قيام طائرات أردنية بقصف جوي لقافلة من المعارضة السورية تنقل سلاحاً إلى الأردن في 17 نيسان الماضي، بات خبراً شبه يومي للأردنيين. ففي عمان يتحدثون عن قوافل دورية تعبر الحدود من صوب درعا السورية إلى داخل الأردن. محملة بكميات ضخمة من الأسلحة من كل الأعيرة. من يقوم بهذه العمليات؟ طبعاً الإسلاميون السنة الأصوليون، وخصوصاً المجموعات التابعة لتنظيم "القاعدة" أو الطامحة إلى ذلك، يروي السياسي الأردني. وهذا ما يشكل مؤشر الخطر الثاني على الساحة الأردنية.
يقول العضو البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأردنية، أن اتجاه الجماعات الأردنية الإسلامية صوب التشدد والتطرف والأصولية، حتى بلوغ مرحلة الجهادية المسلحة والمقاتلة، بات واضحاً ومقلقاً جداً في عمان. يعطي السياسي نفسه مثلاً بسيطاً، يقول: ها هي أحداث منطقة معان قبل أيام إنذار واضح وناقوس خطر يقرع في آذان كل الأردنيين وكل المعنيين بالوضع في الأردن. فابتداء من 23 نيسان الماضي عاشت وتعيش تلك المحافظة الأردنية في جنوب البلاد، حالة من التسيب الأمني الكامل والاضطرابات المسلحة الخطيرة. بدأت الأحداث بمقتل أحد الأصوليين بنيران القوى الأمنية الرسمية اثناء محاولة توقيفه. لكن الأمر تطور فجأة إلى مواجهات مسلحة ونوع من العصيان المدني.
يفتح السياسي الأردني هلالين هنا ليشرح أهمية أحداث معان. يقول أن المنطقة هي أكبر المحافظات الأردنية مساحة، وهي تقع في جنوب البلاد على الحدود مع السعودية. عُرفت تاريخياً بأنها طريق الحجاج المسلمين صوب مكة. وهذا ما أعطاها طابع المعقل الإسلامي طيلة تاريخ المملكة الأردنية. فيوم كان "الإخوان المسلمون" أقلية ضئيلة في البلاد، كان هؤلاء ينجحون في إيصال نائب منهم في محافظة معان بالذات. غير أنه بعد التطورات العربية الأخيرة وتنامي قوة التكفيريين، بدأ يظهر أن إسلاميي معان لم يعودوا "إخوانيين". صاروا جهاديين سلفيين في غالبيتهم. في ايام الأعياد الإسلامية يكون الفرز واضحاً بحسب عدد المصلين خلف مشايخ المساجد المعروفي الانتماء السياسي. صار "الإخوان" في المرتبة الثالثة، قبلهم مشايخ النظام والسلطة، وفي المرتبة الأولى مشايخ السلفيين الجهاديين، الذين يستقطبون أكبر عدد من مصلي المدينة التي يسكنها نحو 80 ألف نسمة. غالبية هؤلاء تحركت ضد السلطات الأردنية في الأسبوع الأخير من نيسان. أُقفلت الطرقات وهوجمت المباني والمراكز الحكومية، مدنية وعسكرية. حتى باتت المدينة وكأنها دويلة مستقلة داخل الدولة الأردنية. أكثر من ذلك، بدا أن عدداً من المناطق المجاورة جاهزة للسير معها. والأهم أن قياديي التيار الجهادي في معان خرجوا إلى العلن ووسائل الإعلام، ليعلنوا ما يشبه تبنيهم للأحداث وقيادتهم لها. هذا الواقع الخطير، معطوفاً على حالة تفشي السلاح كما وصف في المؤشر الأول، ومضافاً إلى الوجود الكثيف للنازحين السوريين في الأردن، بات كافياً لإثارة القلق لدى السياسيين الأردنيين من شيء ما خطير يُحضر لبلادهم.
أما مؤشر الخطر الثالث، يتابع السياسي الأردني شرحه، فيتمثل في محاولات الإسلاميين إيجاد تربة صالحة للفتنة المذهبية والطائفية داخل الأردن. وهذا أمر غير مسبوق منذ قيام هذه الدولة. يعطي المسؤول الأردني مثلاً واضحاً، يقول: أول أيار الجاري قامت جهة سلفية بدعوة أحد المشايخ السعوديين المعروفين بتطرفه الأصولي، واسمه محمد العريفي، لإلقاء محاضرة في الجامعة الأردنية في عمان. علماً أن للشيخ المذكور ماضياً معروفاً في إصدار الفتاوى المتطرفة. بعد المحاضرة، رتّب المنظمون توزيع خبر على وسائل الإعلام، مفاده أن فتاة أردنية مسيحية، من منطقة عجلون شمال البلاد، بادرت بعد محاضرة العريفي إلى إشهار إسلامها، اي اعتناقها دين الإسلام. ثم بعد ساعات، وُزع خبر آخر مفاده أن أهل الفتاة قتلوها في بلدتها بعدما ارتدت عن دينها وعقاباً لها على ذلك. خبران كانا كافيين لتحويل البيئة الأردنية إلى ما يشبه المناطق المصرية حيث يتواجه الإسلاميون مع الأقباط على خلفية أسلمة فتاة أو اعتناق أخرى المسيحية. وحيث يقتل العشرات بلا سؤال ولا استيضاح. علماً أن أحداً لم يتأكد من صحة أي من الخبرين ولا من صدقيتهما. لا بل تردد في الأيام التالية أن كل المسألة ليست غير شائعات مفبركة ومضللة. لكنها كانت كافية للتأشير إلى حالة التحريض الطائفي التي بدأها الإسلاميون في البلاد.
يختم السياسي الأردني كلامه لموقعنا بالقول: المضحك المبكي أن وزيراً مسؤولاً في الحكومة الأردنية تحدث عن كل ذلك في اجتماع عقده مع عدد من الناشطين الأردنيين في المجتمع الأهلي. حتى أنه صارحهم بالقول بأن لديه معطيات أولية تشير إلى تورط جهات في "دولة خليجية كبرى محاذية للأردن"، في المسؤولية عن كل ما يحصل في عمان. تسرب الخبر سريعاً، ما أدى إلى أزمة دبلوماسية صامتة بين البلدين الجارين. أزمة انتهت بمبادرة الوزير نفسه إلى إقامة حفل غداء تكريمي لسفير الدولة التي اتهمها، دعا إليه أكثر من ألف شخص. طُوي الاتهام على طاولة طعام. لكن النار الكامنة تحت الرماد في الأردن لا تزال متقدة. متى تصلها الريح النافخة؟ يقول السياسي الأردني: التوقيت محسوم. حين تبدأ الحرب الداخلية بين أجنحة الإسلاميين المسلحين في درعا السورية، ستكون إشارة انتقالها إلى الأردن.