نجحت الحكومة اللبنانيّة الجديدة في الاتفاق على بيانها الوزاري. وذلك بعد عشر جلسات للجنتها المصغّرة المخصّصة لذلك وبعد جلستَين مطوّلتَين للحكومة بكامل أعضائها، كانت أخيرتهما ليل الجمعة الماضي في 14 آذار/مارس الجاري. بعدها، نالت حكومة تمام سلام ثقة البرلمان اللبناني بـ 96 صوتاً على أثر جلستَين عقدهما، كانت أخيرتهما مساء الخميس الماضي في 20 آذار/مارس الجاري. وبالتالي صارت حكومة مكتملة الصلاحيات دستورياً، على أن تبدأ عملها الطبيعي. وهو ما جعل غالبيّة اللبنانيّين تعتبر أن تمرير الاستحقاق الرئاسي المقبل بات أمراً ممكناً لا بل مرجّحاً. وهو ما حوّل اهتمام جميع السياسيّين والمراقبين إلى السؤال الآتي: من سيكون الرئيس الجديد للبنان؟ وخلفه سؤال لبناني تقليدي دائم: من سيختار لنا رئيسنا المقبل؟
وفي هذا السياق لم يكن ينقص مخيّلة اللبنانيّين الخصبة حول "نظريات المؤامرة"، إلا مصادفة أن يزور [الرئيس الأميركي] باراك أوباما المملكة العربيّة السعوديّة في شكل متزامن مع بدء المهلة الدستوريّة لانتخاب رئيسهم الجديد في 25 آذار/مارس الجاري. وهي المهلة التي تستمرّ عملياً حتى انتهاء ولاية الرئيس الحالي منتصف ليل 24 أيار/مايو المقبل. علماً أن تاريخ لبنان القديم كما الحديث والمعاصر، يقدّم للبنانيّين أكثر من عامل مغذّ لتلك المخيّلة. ففي ذاكرة هؤلاء أن وطنهم نشأ منذ بداياته كنتيجة لقرار دولي خارجي. منذ منتصف القرن التاسع عشر، كان الأوروبيّون هم الذين رعوا قيام النواة الأولى للكيان اللبناني في ظلّ حكم السلطنة العثمانيّة. ثم سنة 1920 أُعلن إنشاء دولة لبنان الكبير من قبل الانتداب الفرنسي، على أثر مؤتمر فرساي الذي أعقب الحرب العالميّة الأولى. ولم يشهد لبنان أي تطوّر في نظامه السياسي أو الدستوري، إلا وكان مرتبطاً بمحطّة خارجيّة أو بمؤتمر عقد في خارج لبنان وبمشاركة قوى خارجيّة كانت هي الفاعلة والمؤثّرة والمقرّرة. وذلك من اتفاقيّة القاهرة سنة 1969 إلى مؤتمر جنيف سنة 1983 إلى مؤتمر لوزان سنة 1984 إلى اتفاق الطائف في السعوديّة سنة 1989 وصولاً إلى اتفاق الدوحة سنة 2008. هكذا ترسّخ في ذاكرة اللبنانيّين أن شؤونهم الوطنيّة تقرَّر في الخارج. لا بل يقرّرها الخارج. وطيلة تاريخهم ظلت انتخابات الرئاسة اللبنانيّة خصوصاً، خاضعة لهذه القاعدة. إما سراً وفي شكل مكتوم. وإما علناً وبشكل سافر كما حصل في أكثر من مرّة. علماً أنه كانت لواشنطن حصّة كبرى في تلك التدخلات سابقاً، منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم.