تؤدّي الحوزات الشيعيّة، وبالتحديد مراكزها الأصليّة في النجف وقم، دوراً مزدوجاً في إشكاليّة الصراع الطائفي في الشرق الأوسط. من جهة، تحاول المؤسّسة الدينيّة أن تحافظ على هويّة الجماعة المختلفة عن الأغلبيّة السنيّة، في حين تمتنع من جهة أخرى بشكل جاد عن تصنيفها خارج الكيان الإسلامي الموحّد. وعليه، يمكن تصنيف دور المجموعات الحوزويّة الناشطة في الصراع الطائفي، على أساس نسبة التزامها وتأكيدها على الهويّة الشخصيّة للجماعة الشيعيّة أو الهويّة العامة المشتركة مع السنّة.
ويلعب العامل الجغرافي واللغوي دوراً مميّزاً في اختلاف تعامل حوزة قم وحوزة النجف مع الصراع الطائفي. ففي حين تقع قم في قلب مجتمع شيعي منفصل مذهبياً ولغوياً عن العالم الإسلامي، تمارس النجف أعمالها الدينيّة والتبليغيّة بجوار مجتمعات سنيّة وتحت أعين العالم العربي. إلى ذلك، فإن ارتباط حوزة قم بالنظام السياسي الإيراني مقارنة بابتعاد النجف عن الارتباط بالسياسة، جعل لكلّ منهما دوراً مختلفاً في هذا الصراع. فقد امتنعت النجف عن الدخول في أي نوع من الدعم أو التأييد للأحزاب أو المجموعات الشيعيّة الناشطة في مجال السياسة، معتبرة نفسها مؤسّسة دينية بحتة غير معنيّة بالصراعات السياسيّة الجارية بين مراكز السلطة. وهذا بخلاف ما تعوّدت عليه حوزة قم، بخاصة في عقود ما بعد الثورة الإسلاميّة.