احتفل هذا الاسبوع حزب الله بذكرى استشهاد ثلاثة من كبار قادته المؤسسين ، الذين نجحت الاستخبارات الاسرائيلية باغتيالهم خلال العقود الثلاثة الماضية . وكل واحد من هؤلاء القادة تعبر قصة حياته ودوره التنظيمي عن جزء رئيس من كل قصة نشؤ حزب الله وتطوره .
لقد تصادف ان القادة الثلاثة لقوا حتفهم خلال شهر شباط ، ما جعل الحزب يحدد اليوم السابع عشر منه من كل عام، كموعد لإحياء ذكراهم وتسليط الضوء على موقعهم داخل مسيرته . يوم ١٦ شباط من العام ١٩٩٢ اغتالت طائرات إسرائيلية اول امين عام لحزب الله الشيخ عباس الموسوي. ويوم ٦ شباط من العام ١٩٨٤ اغتالت وحدة خاصة إسرائيلية احد ابرز نشطائه الشيخ راغب حرب. ويوم ١٢ شباط من العام ٢٠٠٨ ، نجحت المخابرات الاسرائيلية باغتيال القائد العسكري الاول في الحزب عماد مغنية وذلك بتفجير في سيارته خلال زيارة له لدمشق .
يتفاخر الحزب بانه " حزب القادة الشهداء" ، كعلامة على ان طبقة راس الهرم التنظيمي فيه هي جهادية وليست وصولية او ذات امتيازات . مؤخراً تعرضت هذه السمة لشيئ واضح من الاختراق. فانخراط الحزب في الحكم ( اشتراكه في الحكومة وفي المحاصصة السياسية لكعكة السلطة في لبنان) ، أدى الى ولادة طبقة تخدم مصالحها الخاصة بداخله . وما حدث مع حركة حماس ، بعد تسلمها سلطة قطاع غزة، يحدث الان داخل الحزب بعد ان صار جزءا من الدولة اللبنانية. يقال ان اخطر ما يواجه استمرار نقاء المقاومات هو وصولها الى السلطة او اشتراكها بها . هذه المقولة يواجهها الحزب الان ، الذي ظهرت بداخله، مؤخراً ، العديد من فضائح الفساد المالي والمسلكي. وخلال الآونة الاخيرة، تدخل الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، شخصيا للتصدي لظاهرة اختراق الفساد بعض البنى القيادية فيه . وخلال العام الماضي ، التقى صفا واسعا من كوادر الحزب ، واسمعهم نقدا لاذعا لظواهر بذخ مستجدة سائدة بين صفوفهم . قال لهم من اين جاءت الاموال التي سمحت لبعض زوجات قياديين في الحزب من امتلاك سيارات فاهرة، وأصبحن يروون في افخر المحال والسوبرماركات، وهن برفقة خادماتهن. و في الاونة الاخيرة هدد نصر الله غير مرة بالقيام بحملة تطهير داخل الحزب. لكن العارفين بشؤون الحزب يقولون ان منظومة الفساد بداخله باتت أقوى من ان يتم القضاء عليها بمجرد حملة تطهير. ويخشون من ان حزب الله بعد انخراطه بالسلطة اصبح جزءا من منظومة الفساد اللبناني الرسمي والعام، ولم يعد هو ذاته الحزب الذي كان متفرغا للمقاومة، والمنعزل على شكل مقاتلين في الجبال النائية . وتقول هذه المصادر ان هم نصر الله حيال استشراء ظواهر للفساد هذه ، هو حصرها في نطاق ضيق من تركيبة الحزب ، ومكافحة امكانية امتدادها الى الجسم العسكري في الحزب المعروف اصطلاحا " بالجسم الجهادي" المتفرغ لقضية الاعداد للحرب مع اسرائيل ، و الذي لا يزال معافا بحسب تأكيداتهم .
هناك جيل جديد نشا داخل حزب الله - الجناح السياسي ، تتميز بعض بناه الاجتماعية بانه منقطع الصلة عن جيل المؤسسين الذين منهم الشيخين عباس الموسوي وراغب حرب المحتفى هذا الاسبوع بذكرى استشهادهما. يمتاز هذا الجيل ، بانه يحصد اجتماعيا ، المكاسب التي اورثها للحزب جهد الجيل الاول العصامي . فلدى نشأة الحزب ، كان قادته من " الترابيين"، وهو مصطلح اسلامي يقصد به القادة الذين لا يعيرون المصالح المادية اي اعتبار، ويظلون ملتصقين بقواعدهم الشعبية . ظل القليل الان من القادة الترابيين ، ويتم الاشارة الى السيد حسن نصر الله على انه أبرزهم ، بالاضافة الى قادة غير متداولة اسمائهم خارج الحزب ، وهم البنية الصلبة داخل جسمه العسكري. ويركز اعلام الحزب حاليا ، على الصفات المناقبية لقادته المؤسسين الثلاثة وإخلاصهم وتفانيهم في سبيل تحقيق أهدافهم : الشيخ راغب حرب ، يتم تقديمه على انه رجل عاش بين الناس ومات بينهم مدافعا عنهم . والشيخ الموسوي هو أشبه بماو تسي تونغ حزب الله . كان يهتم برفع الشعار، واخر ما تركه في اثره وصيته : احفظوا المقاومة ، وينصب الكمائن مع مقاتلي الحزب . وعماد مغنية هو قصة الإبداع العسكري داخل الحزب . لقد نقل تجربة حرب تموز ٢٠٠٦ الذي يعتبر بطلها الى حماس وحركة الجهاد الاسلامي في غزة ، ويقال انه نقل اساليبه عن حرب العصابات لفرقة داخل الجيش السوري . .
ويعتبر حزب الله الان بعد ثلاثين عاما على تأسيسه ، بمثابة حزب واسع الامتدادات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية . فهو يملك دورة اقتصادية إنتاجية خاصة به، يقال ان راسمالها بضع مليارات من الدولارات ، بضمنها شركات مالية ومؤسسات تجارية عابرة للحدود ومطاعم ومقاهي وشركات للسياحة الدينية، الخ .. ويملك مؤسسات تعليمية تخرج سنويا نحو الفي طالب جامعي . وبعض مدارسه ( مدارس المصطفى بالاخص ويليها مدارس البتول) تنافس في جودة التعليم مدارس الارساليات المسيحية الموجود منذ نحو اكثر من قرن في لبنان . وبهذا المعنى لم يعد حزب الله مجرد حالة عسكرية ، رغم ان هذه السمة بداخله لا يزال لها النصيب الاكبر من الاهتمام والرعاية، بحيث تظل كمشروع جهادي ، منفصلة ومستقلة عن مشروع الحزب لتوسيع بنيته الاقتصادية والاجتماعية . وفي حين يتشدد الحزب في ابقاء مشروعه الجهادي العسكري بعيدا عن خلل الفساد، فانه يتعامل ببرغماتية مع رؤية مظاهر من الفساد تخالط مشروع توسعه الاجتماعي والاقتصادي ، لادراكه ان هذا الامر هو ضريبة حاجته للاندماج بعلاقات السوق ، وبتحالفات مصلحية سياسية واجتماعية مع بنى من خارج طينته داخل اللعبة السياسية والاقتصادية اللبنانية، وذلك من اجل تلبية حاجات توسع مشروعه السياسي داخل معادلة الحكم في لبنان .