أقرّ البرلمان الإيطالي إجراءات تهدف إلى زيادة عدد القوات [الإيطالية] في شمال أفريقيا في وقت سابق من هذا الشهر، وذلك في إطار الجهود الآيلة إلى مكافحة الهجرة [غير الشرعية] والإرهاب في المنطقة.
عقب إقرار الإجراءات هذه في 17 كانون الثاني \ يناير، قال مسؤولون إيطاليون إن قوّاتهم ستركّز على مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن. غير أن الشكوك تحوم حول الدوافع الحقيقية لذلك، بما أن الجهود المستميتة التي بُذلت مؤخرًا تهدف إلى منع اللاجئين والمهاجرين من الإبحار باتجاه السواحل الإيطالية.
رأى ريكاردو فابيانو، وهو أحد كبار الباحثين في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "أوراسيا غروب"، "إنه قد بات جليًا أن إيطاليا قد بدّلت الأولويات في ما يخصّ سياستها الخارجية، وأن إدارة تضفّقات الهجرة من أفريقيا عبر المغرب العربي قد باتت المسألة الأكثر إلحاحًا". "في حين تحافظ إيطاليا على التزاماتها المتعلقة بحلف شمالي الأطلسي (الناتو)، تحاول في الوقت عينه تقديم مسألة الهجرة، والتي تتمحور حولها الحملة الانتخابية الحالية، على بقية القضايا".
أعلنت إيطاليا مغادرة 200 عنصرًا من قواتها العراق، وأنها ستخفّض عدد القوات في أفغانستان من 1500 عنصرًا إلى 750، وذلك بهدف زيادة عدد القوات في شمال أفريقيا. كما ترسل 30 عنصرًا إضافيًا إلى ليبيا، ليصل العدد الإجمالي للقوات إلى 400، و60 عنصرًا إضافيًا إلى تونس و470 عنصرًا إلى النيجر، حيث تأمل [إيطاليا] مكافحة متاجري البشر.
وكانت الحكومة [التونسيّة] قد تقدّمت بطلب نشر قوات إيطالية هناك، وذلك بهدف مساعدتهم في تدريب الجيش التونسي وتقديم المشورة له. إذ يستمرّ الإرهاق في تونس نتيجة الاعتداءات المسلحة الثلاثة التي وقعت خلال عامي 2015 و2016، أي هجوم متحف باردو والهجوم في سوسة وهجوم بن قردان.
أما في ليبيا المجاورة، فيتلقّى خفر السواحل الليبية التدريب على يد الجنود الإيطاليين الـ 370 المتواجدين هناك حاليًا. تشكّل الهجرة إحدى القضايا الإنتخابية الأساسية، في الوقت الذي تستعدّ فيه إيطاليا إلى إجراء الإنتخابات البرلمانية في 4 آذار \ مارس. صحيح أنه تمّ الترويج لنشر القوات على أنه يهدف إلى تقديم المساعدة في مكافحة الإرهاب، إلاّ أن دوافع إيطاليا تتداخل مع قضية الهجرة أيضًا.
في حديث مع لـ "المونيتور"، سأل جلال حرشاوي، وهو طالب دكتوراه في الجغرافيا السياسيّة في جامعة باريس 8 وخبير في الشؤون الليبيّة، "هل من تباين واضح بين مكافحة الرهاب والهجرة؟ لا أظّن ذلك حقًا". "هناك ميل لأن تترافق الظاهرتان مع الفوضى. تتركّز الأفكار اليوم على الهجرة بشكل خاص. إلاّ أن التركيز خلال عامي 2015 و 2016 كان قد تمحور حول داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والجماعات الجهادية بشكل عام. والمؤكّد هو أنه في حال تدهور الوضع الأمني العام في ليبيا، سترتفع حدّة الآفتين، وهو ما يُخشى منه".
تخطّى عدد اللاجئين أو المهاجرين إلى إيطاليا المئة ألف في كلّ من العامين المنصرمين. ففي حين بلغ المجموع 119،130 لاجئًا أو مهاجرًا خلال العام الفائت، سجّل العام 2016 ارتفاعًا أكبر وصل إلى 181،436، وفق صحيفة" الغارديان". فأبحرت الأغلبية من الساحل الليبي بعد أن سافرت عبر الساحل الافريقي. وقد عملت الحكومة الإيطالية مع الحكومات المتنافسة في ليبيا لمنع أعداد كبيرة من المهاجرين من الإبحار [باتجاه سواحلها]. تميل روما إلى الوقوف في صفّ الحكومة التي يرأسها فايز السراج والمدعومة من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس.
ولفت فابيانو إلى أن "الارتفاع الهامشي في حجم البعثة في ليبيا بشكل خاص ليس بجديد — إذ يُصار منها حراسة إحدى المشافي العسكرية في مصراتة وتدريب خفر السواحل الليبي في آن". "لا يأتي هذا الارتفاع بجديد. إلاّ أن ما يتغيّر هو الطريقة التي يتعيّن من خلالها أن يلعب هذا الوجود العسكري دورًا أكثر فعالية في استئصال الهجرة، بفضل البعثتين الموازيتين في النيجر وتونس".
إلاّ أن رفع عدد الجنود في ليبيا لم يحظى بالترحيب. ولا يزال الاستعمار الإيطالي الذي استمر من العام 1910 إلى العام 1947 راسخًا في الذاكرة الجماعية في ليبيا. فعندما نشرت إيطاليا سفنًا بحرية قبالة السواحل الليبية في آب \ أغسطس الماضي، نزل الليبيون إلى الشوارع، مطالبين حكومة الوفاق الوطني بالتنحي. كما انتشرت صور لبطل المقاومة الليبي عمر المختار الذي حارب الإستعمار الإيطالي في عشرينيات القرن الماضي.
قال أحد العمال الميدانيين في إحدى المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في ليبيا وغير المخوّل التحدّث إلى وسائل الإعلام و إنه يتم الترويج لنظريات حول المؤامرة. أشار المصدر إلى أن النظرية التي ترى أن إيطاليا تريد إعادة إحتلال ليبيا واسعة الانتشار، إذ تغطّي وسائل الإعلام المحلية الموضوع من وجهة نظر سلبية.
كما قد تساعد السياسات الداخلية في ليبيا على انتشار هذه الشائعات. فعلى ما يبدو، تفضّل إيطاليا حكومة الوفاق الوطني في الوقت الراهن. إلاّ أن شعبيّة الجيش الوطني الليبي الحاكم في الجزء الشرقي من البلد بقيادة الجنرال خليفة حفتر تتزايد بين الحكّام الدوليين. تتبارى الحكومتان في لعبة الشطرنج لكسب السلطة والشرعية في ليبيا. وفي الوقت نفسه، أُجبر القادة الليبيون في كثير من الأحيان على تحقيق توازن بين السعي لكسب المساعدة والشرعية الدوليّة والحفاظ على الدعم الشعبي داخليًا.
وتابع حرشاوي " إنه قد أظهرت إيطاليا ميلًا إلى إبرام صفقات مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، إضافة إلى المجموعات المحلية في النصف الغربي من ليبيا". " إنّ الدافع وراء انتقاد حفتر لتحرّك روما في ليبيا سياسيٌ".
إلاّ أن الفائز في الإنتخابات قد يؤثّر على هذه السياسات، مما يؤدّي إلى تبدّلها. يُقال اليوم أن فرص نجاح ائتلاف اليمين الوسط الذي ينتمي إليه سيلفيو برلسكوني — والذي أيّد زيادة عدد الجنود في المنطقة — عالية جدًا، وتخوّله الفوز بأغلبية صريحة أو تشكيل كتلة برلمانية ناجحة وحاكمة. إلاّ أن حزب "حركة النجوم الخمسة" هو الأكثر شعبية في البلد. وفي حين صوتت الحركة ضد نشر القوات — بحجة عدم سماحها أن تضع الحكومة الجديدة أجندة خاصة بها للسياسية الخارجية — صوّتت عدة مرات ضد تشكيل ائتلافات مع أحزاب أخرى، ومن غير المحتمل أن تحصد أصوات كافية تخوّلها أن تصبح الحركة الحاكمة.
وأشار حرشاوي "إلى عدم إمتلاك أحد فكرة حول سياسة روما الجديدة في ليبيا في مرحلة ما بعد الانتخابات". "كما يجهل الجميع ما ستؤول إليه الأمور في ما يخّص مشهد تدفّق المهاجرين في نهاية فصل الشتاء".