في مساء 14 مايو 2013 كان عشرات المدنيين يتجمعون أمام محال صغيرة لشراء المشروبات الكحولية، لكنهم لم يتوقعوا أن تنتهي ليلتهم تلك بحادث مأساوي مروع.
وبينما كانت ساحة "الربيعي"، وهي مركز تجاري حيوي في وسط بغداد، صاخبةً بحركة السيارات والمتسوقين، ترجل مجهولون من عجلات للدفع الرباعي، وأطلقوا نيراناً كثيفة من أسلحة خفيفة على تجار وعمال المشروبات الكحولية، غالبيتهم شباب من الديانة الأيزيدية.
وقال ضابط في الشرطة الاتحادية، في اتصال هاتفي مع "المونيتر"، إن "مجموعة مسلحة ترجلت من أربع سيارات في حي الغدير شرق العاصمة بغداد، ودخلوا محال لبيع المشروبات الكحولية، وأطلقوا النار من أسلحة مزودة بكواتم للصوت على من كانوا داخل المحال، ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً بينهم 10 من الإيزيديين."
والإيزيدية ديانة يستقر أتباعها في العراق، وهي من بقايا ديانة شرقية قديمة لا تزال تحتفظ ببعض التقاليد والعقائد التي تعود لشعوب وادي الرافدين في القدم.
ويصل عدد معتنقي الإيزيدية في العراق إلى أكثر من نصف مليون نسمة، ويسكن معظمهم في مناطق تابعة لمحافظتي نينوى ودهوك (شمال)، وهناك نحو 20 ألف إيزيدي هاجروا من العراق في بداية التسعينيات إلى أوروبا ويتمركزون بغالبيتهم في ألمانيا والسويد، ويعد معبد لالش الذي يقع في منطقة شيخان التابعة لمحافظة نينوى (شمال) المركز الديني المقدس لمعتنقي هذه الديانة.
ويهاجر أغلب الشباب الأيزيديون إلى العاصمة بغداد للعمل في تجارة المشروبات الكحولية.
وكان قانون السياحة العراقي قبل العام 2003 يتيح لغير المسلمين فقط العمل في هذه التجارة، ولم يقم المشرعون العراقيون منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بتغيير أو تعديل هذا البند القانوني.
لكن الخوف من الميليشيات، والجماعات المتطرفة، كان سبباً رئيساً وراء تراجع فرص العمل التي يحصل عليها أبناء الأقليات الدينية في العراق. إذ يعتبر بيع الكحول في العراق من الأعمال الخطرة، ويتعرض الباعة ومحالهم التجارية الى هجمات بالأسلحة الرشاشة وقنابل.
ويقول أصحاب محلات لبيع المشروبات الكحولية، رفضوا الإفصاح عن هوياتهم، إنهم لا يحصلون على إجازات رسمية من وزارة السياحة العراقية، لكنهم يضطرون إلى دفع "مبالغ مالية لوحدات من الجيش العراقي لتوفير الحماية لهم."
وليس واضحاً العمل الذي تقوم به وزارة السياحة العراقية التي يدريها الوزير لواء سيمسم، وهو قيادي شيعي في تيار مقتدى الصدر، كما أن الموقع الرسمي للوزارة من أي لوائح وإرشادات للراغبين بتسجيل محال بيع بيع المشروبات الكحولية.
ويبدو أن بعض الجنود يقومون بتحذير أصحاب المحال التجارية في حال إصدار أوامر بإغلاق مخازن المشروبات الكحولية وحظر بيعها.
وكانت قوات امنية هاجمت في ٣/٩/٢٠١٢ محال بيع الخمور والنوادي الليلية في بغداد واغلقتها بعد الاعتداء على اصحابها وروادها بتهمة العمل بلا اجازة رسمية.
وتلقت "المونيتر" بياناً عبر البريد الإلكتروني أصدرته "دائرة الشؤون الأيزيدية"، وهي جهاز تابع للحكومة العراقية، جاء فيه أن "الأعمال الإجرامية من قتل واضطهاد ضد أبناء الديانة الأيزيدية وبقية الأقليات الدينية."
الدائرة، التي تم استحداثها بعد العام 2003، أكدت أن "أبناء الأقليات الدينية العراقية وخاصة الإيزيدية يعانون ظروفا عصيبة من القتل والتهديد وأقسى أنواع التهميش والاضطهاد". في وقت حملت "الجهات الأمنية مسؤولية ما حدث جراء تقصيرها في الدفاع والمحافظة على حياة الناس وحمايتهم من الإرهاب."
وفي ليلة الرابع من سبتمبر 2012، اقتحمت قوات أمنية عراقية قاعات نوادٍ ترفيهية في بغداد، وأبرز ضباطها كتباً رسمية موقّعة من مكتب القائد العام للقوات المسلحة تأمرُ بإغلاقها، وأقدم جنود وعناصر أمن على تحطيم محتويات القاعات وطرد روادها بالعنف.
وطالب علي العلاق، العضو الشيعي في لجنة الأوقاف في البرلمان، لعام الماضي، وفي مؤتمر صحافي حضرته "المونيتر" بتشريع قانون لمكافحة المشروبات الكحولية.
ومن المفيد التذكير بان "صدر الدين القبانجي"، خطيب صلاة الجمعة للمسلمين الشيعة في مدينة كربلاء، حث الحكومة العراقية على إتباع "سُنّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وقال إن ما فعله الجيش العراقي "أمر صحيح."
يشار إلى أن "سنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" قانون إسلامي يتيح لرجال الدين فرض عقوبات على كل من يرتكب مخالفات للشريعة الإسلامية.
ويقول مركز لالش، وهو من منظمات المجتمع المدني المهتمة بالدفاع عن حقوق الأيزيديين في العراق، أن "المثير واللافت في (استهداف باعة المشروبات الكحولية) أنها وقعت في منطقة المحصنة امنيا بشكل ممتاز."
وأوضح المركز في بيان، تسلم مراسل الـ"مونيتر" نسخة منه عبر البريد الالكتروني، أن "المسلحين نفذوا جريمتهم بدم بارد بعد اقتحام حاجز امني للشرطة، بدون قتل اي عنصر من الشرطة والاكتفاء بتقييدهم، ثم هاجموا عدة محلات يعمل بها عمال ايزيديون ممن اضطرتهم ظروفهم الاقتصادية على المخاطرة بحياتهم لتوفير لقمة العيش لذويهم."
وبينما كتبت هذه القصة، أبلغ شهود عيان مراسل الـ"مونيتر" أن قوات أمنية امرت جميع محال بيع المشروبات في بغداد بإغلاق أبوابها. وقال أن الجنود تحدثوا أن منعهم من ممارسة هذه التجارة سيحد من الهجمات المسلحة التي تستهدف حياة أصحابها.