كان يفترض ان يعقد حزب الله مؤتمره العام خلال نهايات العام الماضي، ولكن تم تأجيله الى الربيع الحالي ، ثم مرة ثالثة ارجئ الى شهر ايلول القادم . والسبب الرئيس الذي يقف وراء الإرجاء المتكرر هو الاحداث في سوريا، واتجاه الحزب لضبط ساعة أولوياته على إيقاع تطوراتها. من البديهي القول ان حزب الله يتأثر استراتيجيا بالوضع السوري، حيث تربطه بالنظام شراكة استراتيجية هي جزء من " محور الممانعة " الذي تقوده ايران في الشرق الاوسط .
لقد اضطر الحزب العام الماضي تحت ضغط انشغاله بمتابعة الاوضاع السورية، الى تأجيل عقده لوقت لاحق من صيف هذا العام . ولو قيض للحزب عقده في موعده، لكن مؤتمره الذي يحمل رقم ١٠ ، سيكون مناسبة استثنائية، نظرا لانه يصادف توقيته مع الذكرى الثلاثين لولادته . وهناك في الواقع تاريخين اثنين لولادة حزب الله ، الاول هو عمر ولادته العلنية ، التي حدثت يوم ١٦ شباط ١٩٨٥ عندما اعلنن الناطق باسم حزب الله انذاك السيد ابراهيم امين السيد وثيقته السياسية التي حملت عنوان "الرسالة المفتوحة" ، وأجاب فيها الحزب عن سؤال " من نحن " . والثاني يعيد عمر الحزب الى لحظة انطلاقة مقاومته السرية ضد الاحتلال الاسرائيلي لمناطق واسعة من لبنان في العام ١٩٨٢ .
ومنذ العام ١٩٨٦ ، موعد انعقاد اول مؤتمر عام للحزب ، حتى الان ، عقد حزب الله على التوالي تسع مؤتمرات . ووضع مؤتمره الاول نظامه الداخلي ، الذي بموجبه يحدد مؤسساته الداخلية ، وآليات انتخاب مسؤوليه من موقع الأمين العام للحزب الذي هو راس الهرم الحزبي ، الى مجلس " شوري القرار" الذي هو اعلى هيئة قيادية فيه ويرأسه الأمين العام ، الى " المجلس الجهادي" الذي تتجمع بين يديه ناصية قرار العسكري والامني ، ويضم سبعة اعضاء من بينهم الأمين العام للحزب . وتجدر الاشارة الى ان القائد العسكري الأبرز للحزب عماد مغنية كان احد اعضائه حتى اغتياله في سوريا عام ( كذا ). ،
وشهدت اعمال المؤتمر الاول، انتخاب اول امين عام للحزب هو الشيخ صبحي الطفيلي ، ثم عام ١٩٩١ تم انتخاب الأمين العام الثاني له السيد عباس الموسوي . وبعد اغتيال الاخير على يد اسرائيل عام ١٩٩٢ ، انتخب الحزب خلفا له في منصب الامين العام السيد حسن نصر الله الذي لا يزال يحتفظ بهذا المنصب حتى الان .
ووفق النظام الداخلي للحزب - بحسب نسخته الاولى - فانه لا يحق للامين العام ان يترشح على هذا المنصب اكثر من ولايتين ، ولكن كان تم تعديل هذه المادة، قبل سنوات ، لإتاحة المجال امام نصر الله للبقاء في منصبه لولايات اضافية غير محددة . ولكن في هذه الآونة ، يتسرب حديث من داخل كواليس الحزب عن ان نصر الله لن يترشح خلال المؤتمر المزمع عقده في ايلول القادم ، لمنصب الأمين العام لولاية إضافية . وليس المقصود هنا ، انه ينوي اعتزال صلاحياته ، بل سيتم تغيير ترتيب الهرمية القيادية في الحزب على نحو ينقل صلاحيات منصب الأمين العام الكبيرة حاليا الى نطاق صلاحيات منصب جديد سيتم استحداثه تحت مسمى " المرشد الاعلى " للحزب . وسيكون هذا المنصب الجديد من نصيب نصر الله ، على ان يتم إسناد منصب الأمين العام المخففة صلاحياته الى احد شخصيات الحزب غير الدينية . والمرشح الأوفر حظا لنيله هو النائب محمد رعد الذي يشغل حاليا بالاضافة لكونه عضو مكتب سياسي ، منصب رئيس التكتل النيابي لحزب الله .
وكشفت مصادر مقربة من الحزب لل monitor ، ان هذه الصيغة الانفة لا تزال محل نقاش داخلي بصددها، إذ المطروح كبديل عنها ، هو تحويل الأمانة العامة في الحزب الى مؤسسة ، ولا تبقى منصبا منقادا من شخص بعينه .
وثمة غير سبب موضوعي واستراتيجي، يقود حزب الله الى تأجيل عقد مؤتمره العاشر للمرة الثالثة خلال اقل من عام :
اولها ، الاحداث في سوريا . فالحزب يفضل الانتظار لتتضح صورة الموقف هناك ، لان من شان ذلك ان يؤشر اليه الكيفية التي سي صيغ بها تركيبته القيادية الجديدة ، وماهية الأفكار الرئيسة التي سيتضمنها بيانه السياسي على المستوى الداخلي والاقليمي والخارجي . والمطلعون على ما يجري داخل الحزب، يلاحظون ان الاحداث السورية التي لم يكن متحسبا لها ، اصابته بشيئ ليس قليلا من الارباك ، وجعلته ميالا للتريث باعادة ترتيب وضعه الداخلي ريثما تنجلي صورة الى ان ستذهب تطورات الازمة السورية . وتجدر الملاحظة هنا ، ان حزب الله لديه شبكة تبادل خدمات ومصالح استراتيجية مع النظام السوري ، تعادل علة وجوده في الكثير من جوانبها. فهو يعتمد على سوريا كرئة جيو سياسية تغذيه بالتسلح والحماية المختلفة الأوجه .
ثانيها ، ان الحزب خلال السنوات القليلة الماضية ، شهد تضخما لبنيته التنظيمية بزيادة تقدر بثلاثة أضعاف ما كانت عليه خلال عقده مؤتمره الاخير عام ٢٠٠٩ . وهناك احداث مستجدة قادت لهذا التضخم ، ابرزها بروز تحديات امنية داخلية بوجهه، تمثلت بظهور قوى لبنانية تتازعه سياسيا ، ووصل تباينها معه الى حد هدد بنشوب جولات اقتتال عسكري بينه وبينها متتالية ، كما حصل في السابع من ايار عام ٢٠٠٨ ، حينما قام بالسيطرة على بيروت وتفكيك مليشيات سنية لبنانية اعتبر انها تتسلح لمواجهته .
لقد انشأ حزب الله في الأعوام الاخيرة للرد على ما يعتبره بروز تحديات امنية داخلية ، اذرع عسكرية اطلق عليها " سرايا المقاومة " التي تضم الالاف من العناصر . وحرص على الا ينشئ صلة تنظيميه بينها وبين " جسده الجهادي " الاساسي ذي البنية المركبة والمعقدة ، والمسؤول حصرا عن مهمة الاستعداد للقتال مع اسرائيل .
وخلاصة القول في هذا المجال ، ان دخول اذرع جديدة سياسية وعسكرية على بنية حزب الله، جعله يحتاج لوقت أطول في مجال الاعداد والتحضير لمؤتمره العام الجديد المنتظر، خاصة في غمرة انشغالاته الحالية بالوضع السياسي والامني الداخلي المعقد ، وكذا الحال بالنسبة للوضع الاقليمي .
السبب الثالث المسؤول عن تأجيل عقد المؤتمر العام العاشر ، له صلة بالسبب الثاني الانف ، كونه يتعلق بمحاولة الحزب اضافة مؤسسات ومراتب تنظيمية جديدة الى هيكليته قادرة على استيعاب بناه البشرية التي تعاظم حجمها ، وتأطيرها حزبيا . فالحزب الان يضم مئات آلاف الاعضاء الفعلين او المتصلين به برابط تنظيمي معين ( يقال ٣٠٠ الف عضو ) . ويتوزع وهؤلاء بين قطاعاته الحزبية المختلفة ، الطلابية والمهنية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والمالية ، الخ .. ويحتاج الحزب اليوم الى ابتكار تقسيمات جديدة داخل هياكله التنظيمية ، تمتاز - بحسب ما قاله مسؤول قيادي فيه لل monitor - بانها مرنة واكثر فعالية واقل بيروقراطية . كما يعترف القيادي عينه بان الحزب، بالنظر لاتساع قاعدته التنظيمية ، اصبح يعاني من حالات فساد ، وهو امر تتم معالجته ليس فقط عبر قمعه وتفعيل " سلطات المساءلة الشرعية " بداخله وتوسيعها ( يعادلها بالمفهوم المدني السلطات القضائية ) ، بل ايضا عبر ايجاد رؤية تنظيمية كابحة له .
يبقى هناك سبب اخر ، يحتل مستوى مميز من الأهمية ، وقوامه حاجة الحزب لأخذ وقته الكافي والمطلوب موضوعيا ، لإعداد ورقته السياسية التي سيقدمها لمؤتمره العاشر عن الثورات العربية . فلا تخفي مصادر الحزب ، وجود نوع من الارباك السياسي والفكري حيال هذا الموضوع . فالثورات العربية أصابت الوحدة الاسلامية التي ينادي بها الحزب في كل وثائقه بأضرار جسيمة ، نظرا لان الحراك السوري الذي يناهضه الحزب ، يخفي في ثناياه صراعا مذهبيا بين السنة من ناحية والعلويين والشيعة من ناحية اخرى . كما ان الحراك الشعبي في البحرين الذي ينصره الحزب ، يتم تأويله في الخليج على انه ليس حراكا إصلاحيا بقدر ما هو محاولة من ايران لتحريك الشيعة البحرينيين ضد بيئة الحكم السنية في دول الخليج العربي. ويدرس حزب الله الموقف الذي سيعلنه في وثيقة مؤتمره العاشر حيال الثورات العربية، بكثير من الحذر. ومصدر حرجه هنا ينبع من تحالفه الاستراتيجي مع النظام السوري ، بمقابل رغبته بان لا يضر خلافه مع الحراك الاسلامي في سوريا بعلاقاته بالاخوان المسلمين في مصر ، حيث يحاول عدم قطع شعرة ما تبقى من علاقة معهم .
وثمة من يعتبر ان رغبة الحزب بتجاوز إحراج أخذ موقف تاريخي من الثورات العربية يضمنها وثيقة رسمية تصدر عن مؤتمره ، هو احد الخلفيات الهامة التي تجعله يقرر المرة تلو الاخرى تأجيل عقد مؤتمر العاش