نالت زيارة رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيرانيّ آية الله السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي إلى العراق من 31 آب/أغسطس إلى 6 أيلول/سبتمبر حجماً كبيراً من التكهّنات في خصوص الأجندة السياسيّة وراءها.
تمّ استقبال الشاهرودي الذي يعدّ من القيادات التاريخيّة القديمة لحزب الدعوة والمجلس الأعلى الإسلاميّ العراقيّ، قبل أن ينفصل عنهما وينخرط في أروقة السياسة الإيرانيّة، بحفاوة كبيرة. فقد استقبله القياديّ في المجلس والنائب الأوّل لرئيس مجلس النوّاب الشيخ همام حمودي في المطار، ثمّ التقى زعيم حزب الدعوة ونائب رئيس الجمهوريّة نوري المالكي، ثمّ رئيس الوزراء حيدر العبادي.
وانعكست الأمور عليه في النجف، حيث لم يلتق أيّاً من المراجع الأربعة في حين أنّه يعدّ من أبرز خرّيجي الحوزة العلميّة في النجف، وهو على معرفة شخصيّة بالمراجع الموجودة خلال سنوات دراسته الطويلة هناك.
كما أنّ زعيم التيّار الصدريّ مقتدى الصدر رفض لقاء الشاهرودي، كما أنّ الشاهرودي لم يلتق بالتيّارات السياسيّة الشيعيّة الأخرى، ناهيك عن التيّارات السنّيّة وغيرها التي تشارك في تشكيل الحكومة الحاليّة.
وقد نشرت تقارير عن رفض مراجع النجف استقبال الشاهرودي، امتعاضاً من بعض جوانب السياسة الإيرانيّة في العراق. هذا في حين تمّ الإعلان سابقاً عن زيارة الشاهرودي إلى المراجع ضمن برامجه في العراق.
وقد أدّى الإحراج من رفض استقباله من قبل مراجع النجف، إلى أن يصدر الشاهرودي بياناً بعد عودته إلى إيران، عن أنّ زيارته إلى العراق لم تكن زيارة رسميّة، بل هدفها فقط "زيارة العتبات المقدّسة والمشاهد المشرّفة ومراقد الأئمّة الأطهار، وأنّ ما نشره بعض الأجهزة الإعلاميّة لا أساس له من الصحّة".
ومن الواضح أنّ إصدار بيان عن أهداف الزيارة بعد إتمامها هو أمر غير معهود، بل المفروض أن يأتي هكذا بيان في بداية الزيارة أو قبلها، إضافة إلى أنّ لقاءات الشاهرودي في بغداد تثبت عكس ما ادّعاه في البيان، حيث التقى مع رئيس الوزراء ومع شخصيّات سياسيّة أخرى رفيعة المستوى، إضافة إلى لقاء الشاهرودي مع المسؤولين السياسيّين لمحافظة النجف في زيارة له إلى مجلس المحافظة.
وهناك تقليد شائع أيضاً بين رجال الدين الشيعة بأن يلتقوا نظرائهم عند القيام بزيارة إلى مدنهم. وإن كان أحد الأطراف معترضاً على سلوك الطرف الآخر فيمتنع عن اللقاء به بطرق مختلفة. فمن باب المثال، تعوّد المرجع الشيعيّ الشيخ وحيد الخراساني في مدينة قم وهو أيضاً من خرّيجي مدرسة النجف ومن المنتقدين لمدرسة ولاية الفقيه، أن يخرج من قمّ عند قيام مرشد الثورة الإيرانيّة السيّد علي الخامنئي بزيارة إليها، تجنّباً من حصول لقاء بينهما. وعليه، إنّ عدم حصول لقاء بين الشاهرودي والمراجع الشيعة في النجف على الرغم من تواجد الشاهرودي فيها لأيّام هو أمر مثير للشكوك في حدّ نفسه.
وتدلّ لقاءات الشاهرودي في العراق على أنّ الزيارة كانت لها أجندة سياسيّة لتوحيد البيت الشيعيّ قبيل الانتخابات المقبلة. فهو اكتفى بلقاء القيادات الشيعيّة فقط، أو بالأحرى القيادات الشيعيّة القريبة من إيران. وقد تمّ التركيز في اللقاءات على موضوع وحدة الصفّ الشيعيّ. ففي لقاء مع زعيم تيّار الحكمة السيّد عمّار الحكيم الذي انشقّ أخيراً عن المجلس الأعلى الإسلاميّ العراقيّ المؤسّس بدعم إيرانيّ في ثمانينات القرن الماضي، أكّد الأمين العامّ لمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيرانيّ محسن رضائي في حضور الشاهرودي أهميّة وحدة الشيعة في العراق، داعياً إلى إيجاد رؤية مشتركة بين القوى السياسيّة الشيعيّة في العراق.
وقد انتقد القياديّ في كتلة الأحرار البرلمانيّة التابعة إلى التيّار الصدريّ أمير الكناني الأجندات السياسيّة وراء زيارة الشاهرودي إلى العراق، قائلاً إنّها "جاءت لاستكمال ما بدأ به المبعوث الذي أرسلته إيران قبل ستّة أشهر من أجل توحيد البيت الشيعيّ (في إشارة إلى زيارة قائد فيلق القدس الإيرانيّ قاسم سليماني إلى النجف آنذاك)، وتشكيل كتلة شيعيّة خالصة تجمع قادة التحالف الوطنيّ". وأضاف الكناني أنّ "إيران ليس لديها مشروع جديد في العراق غير تشكيل كتلة شيعيّة"، مؤكّداً أنّ "هذا التخندق الطائفيّ الشيعيّ يقابله تخندق طائفيّ سنّيّ وتخندق قوميّ كرديّ".
وقد التقى الشاهرودي أيضاً زعيم حركة عصائب أهل الحقّ الشيخ قيس الخزعلي الذي يقود أحد أبرز الفصائل العسكريّة المنضوية تحت مؤسّسة الحشد الشعبيّ ولكنّها تجاهر بولائها لإيران وتستمرّ بالتواجد العسكريّ في سوريا استجابة لطلب إيرانيّ وعلى الرغم من معارضة رئيس الوزراء العراقيّ والمرجع الشيعيّ الأكبر السيستاني. وأكّد الشاهرودي للخزعلي، خلال الزيارة ضرورة الحفاظ على الحشد الشعبيّ وتنوّعه لضمان أمن العراق من أيّ أخطار في المستقبل.
وقد كانت للشاهرودي سابقاً نيّة الانتقال إلى النجف لتأسيس مرجعيّة شيعيّة هناك، وهو ما زال أحد المرشّحين الرئيسيّين للنظام الإيرانيّ لخلافة السيستاني صاحب النفوذ الأكبر في الأوساط الشيعيّة حاليّاً والمعروف باستقلاله عن إيران ورفضه التدخّلات السياسيّة الإيرانيّة في المشهد السياسيّ العراقيّ. كما هو مرشّح أيضاً لخلافة مرشد الثورة الإيرانيّة الخامنئي، ممّا يظهر أهمّيّة الرجل ومكانته في النظام الإيرانيّ.
وتتلخّص نقاط الاختلاف بين رؤية النظام الإيرانيّ ورؤية النجف وأذرعها السياسيّة في بغداد في أنّ النجف تريد علاقة متوازنة مستقلّة للعراق مع كلّ الأطراف بما فيها إيران والسعوديّة، وتريد ضبط فصائل الحشد الشعبيّ ضمن المؤسّسة الأمنيّة الرسميّة ومنعها من أن تستخدم خارج الأراضي العراقيّة لصالح أجندات خارجيّة، وأنّها تريد تشكيل حكومة وحدة وطنيّة من دون محاصصات طائفيّة في العراق، وأنّها تحمّل الإيرانيّين مسؤوليّة الإخفاقات السياسيّة والأمنيّة التي حصلت في الفترة الثانية لولاية نوري المالكي الذي ما زال يتمتّع بدعم إيرانيّ غير محدود.
وأخيراً، يبدو أنّ زيارة الشاهرودي لم تحقّق أهدافها في توحيد الصف الشيعيّ، بل نقلت رسالة واضحة إلى النظام الإيرانيّ أنّ التحدّي العراقيّ صعب لا يمكن التغلّب عليه بسهولة.