تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كيف يقرأ إصلاحيّو إيران تطوّرات "الربيع العربيّ"؟

موضوع الربيع العربي مطروح بقوة بالنسبة إلى الإصلاحيين، لأنهم يعتبرون أن أحداثه أثرت إيجاباً في التوجهات الغربية وخصوصاً الأميركية، حيال إيران. لكنها أثرت سلباً عليهم لجهة تأجيج الفتنة الشيعية السنية، وهو ما يضعف موقفهم حيال المحافظين داخل إيران.
EDITORS' NOTE: Reuters and other foreign media are subject to Iranian restrictions on leaving the office to report, film or take pictures in Tehran.

Iranian youths sit at a coffee shop in central Tehran March 1, 2012. REUTERS/Morteza Nikoubazl (IRAN - Tags: SOCIETY FOOD BUSINESS) - RTR2YP8X

على مسافة نحو 190 كيلومتراً جنوب طهران، تقع مدينة كاشان، فبقرب سوقها التقليديّة الشهيرة باسم بازار، كما بصناعة سجّادها الذائع الصيت، تجمّعت حلقة من الناشطين الإيرانيّين الإصلاحيّين، حول طاولة عشاء في أحد المقاهي التقليديّة، فماذا عن "الربيع العربيّ" سألناهم؟ وما هي قراءتكم لأحداثه ونتائجه وانعكاساته عليكم وعلى بلادكم؟

موضوع الربيع العربي مطروح بقوة بالنسبة إلى الإصلاحيين، لأنهم يعتبرون أن أحداثه أثرت إيجاباً في التوجهات الغربية وخصوصاً الأميركية، حيال إيران. لكنها أثرت سلباً عليهم لجهة تأجيج الفتنة الشيعية السنية، وهو ما يضعف موقفهم حيال المحافظين داخل إيران.

لقد سارع الأستاذ الجامعيّ الدكتور آغا في عرض رأيه، إذ قال: "منذ انطلاقة أحداث ما سمّي بالربيع العربيّ، كنّا أقرب إلى التّشاؤم حياله، إن لجهة ما سيرتّبه على المجتمعات الّتي حلّ فيها أو لجهة انعكاساته على إيران في داخلها، وفي علاقاتها بجوارها ومنطقتها. ومنذ بداية الأحداث، كان واضحاً بالنّسبة إلينا أنّ النّمطين القبليّ والعشائريّ والذهنيّات الريفيّة، بالمعنى السوسيولوجيّ لهذه المفاهيم، لا تزال طاغية في تلك المجتمعات ومسيطرة على غالبيّاتها. وبالتّالي، فإنّ أيّ مشروع ثورة مطروح في تلك الأوضاع والظروف، لا يملك مقوّمات نجاحه وانتقاله من حال الاستبداد إلى حال الحريّة والتحرّر، بل سيسقط في صراع طويل ومزمن من الحروب الأهليّة والداخليّة واستدراج التدخّلات الخارجيّة، فضلاً عن صراعات التصفية بين الثوّار أنفسهم وبين كلّ من ستتفتّح شهيّاتهم على السلطة، بعد سقوط الحكّام السابقين"، لكنّ الأهمّ بحسب الدكتور آغا، أنّه "كان واضحاً بالنّسبة إلينا، أنّ هذه الصراعات الجديدة ستتّخذ عاجلاً أم آجلاً، طابعاً دينيّاً ومذهبيّاً تحديداً، ممّا سيؤجّج محاور الفتنة بين السنّة والشيعة، وهو ما ليس لصالح بلدنا إيران، ولا هو لصالح رؤيتنا لدولتها ونظامها والمصالح العامّة للشعب الإيرانيّ".

وتدخلّ الدكتور إحسان فقال: "بالنّسبة إلينا، نعتقد ونؤمن بأنّ الإنزلاق إلى الفتنة المذهبيّة السنيّة - الشيعيّة هو خطر كبير على بلادنا، وخطر أكبر على رؤيتنا وتصوّرنا لإيران، إذ لا يمكن أن نبحث عن إصلاح أو نطرح تطوير مجتمعنا ودولتنا وإقتصادنا، تحت وطأة الصراع المذهبيّ في المنطقة ومن حولنا. فعلى العكس، نحن نحتاج إلى أجواء حواريّة وانفتاحيّة كي نحيا وتحيا أفكارنا، بينما أجواء التّعبئة والفتنة والحروب تقضي علينا وعلى فكرنا. لذلك، عند اندلاع أحداث ما سمّي بالربيع العربيّ، بدأنا نتابع تطوّرات الأمور في منطقتنا. ومن جهة أخرى، نعرف أنّ من ثوابت محيطنا أنّ هناك ثلاثة بلدان مؤهّلة لأن تشكّل الشريك أو المحاور السنيّ لإيران الشيعيّة، وهي: مصر والسعوديّة وتركيا. وبسرعة تبلغنا الصدمة المصريّة، فبعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير من عام 2011، وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة في القاهرة، لكنّ هؤلاء الّذين ظلّوا طيلة نحو قرن كامل يطالبون بالعدالة والإنصاف، سارعوا بعد وصولهم للحكم إلى اعتماد ممارسات لا علاقة لها بتلك الأهداف، وهو ما أدّى إلى عودة العسكر للحكم في مصر. وفي الحالتين، خسرنا فرصة أن تشكّل مصر الشريك السنيّ القادر على محاورتنا. أمّا السعوديّة فالمشكلة معها كانت ولا تزال أكثر صعوبة وتعقيداً، فإذا كانت مصر لم تشكّل محاوراً سنيّاً لنا، فإنّ النّظام السعوديّ، وعن سابق تصوّر وتصميم، شكّل العدو الدينيّ والمذهبيّ والعقائديّ الشرس لإيران، لا بل حرص في كلّ مناسبة على حشد أكبر قدر من التّعبئة المذهبيّة ضدّ دولتنا وحكومتنا. وقد يعتبر حكّام الرياض أنّ تعبئة العالم السنيّ ضدّ طهران هي أفضل وسيلة لفوزهم في سلسلة الحروب الّتي يخوضونها، ولكن في النّتيجة، ساهمت تلك في ضرب الفضاء الذي يمكن لفكرنا الإصلاحيّ الحواريّ أن يتحرّك من ضمنه. وكان لا يزال هناك نظريّاً تركيا، لكن سلوك الرئيس رجب طيّب أردوغان، كان قريباً جدّاً من سلوك الإخوان المسلمين في مصر، فهو لم يتورّع عن اعتماد خطاب مذهبيّ وسياسات تعبئة سنيّة ضدّ غير السنّة، ممّا حرمنا أيضاً وأيضاً من مشروع شريك سنيّ محاور لنا ولفكرنا في محيطنا والمنطقة".

قال أستاذ التاريخ في إحدى الجامعات الإيرانيّة الدكتور إسلام: "هذا يعني وقوعنا بين ما يشبه النّارين: نار التوتير المذهبيّ في البلدان السنيّة ضدّ الشيعة وإيران، ونار ردّة الفعل الشيعيّة داخل إيران، ضدّ أيّ صوت معتدل أو إصلاحيّ أو انفتاحيّ. قال مؤرّخ شهير لدينا، إنّ بلدنا مكوّن من معادلة دقيقة وعميقة بين مكوّنين اثنين: دولة فارس التاريخيّة، والإسلام كنظام حياة شامل، بحيث لا يمكن فصل أيّ من هذين المكوّنين عن الآخر. وكذلك، لا يمكن تغليب أيّ منهما على الثاني أو محاولة إلغائه. فإنّ تحوّل إيران إلى مجرّد دولة إسلاميّة من دون هويّتها كدولة فارس، يشكّل خطراً كذلك على استقرارها وتوازنها، وهذا ما كنّا نخشى أن يحصل عندنا، كردّة فعل على أحداث ما سمّي بالربيع العربيّ في محيطنا، وخصوصاً كنتيجة لغياب أيّ شريك سنيّ فعليّ لنا، في حوار إسلاميّ - إسلاميّ عبر منطقتنا، يمكن أن يؤدّي إلى تطوير إسلامنا ومجتمعاتنا صوب الحداثة ومواكبة العصر".

يختم آغا بملاحظته: "نحن نعتقد أنّ إيران بعد الإتّفاق النوويّ ستبدأ مساراً جديداً مختلفاً، ونأمل أن تكون ردود الفعل في المجتمعات السنيّة مطابقة هذه المرّة أيضاً لمسارنا، فحين ذهبنا صوب الأصوليّة الشيعيّة، ذهبوا هم صوب أصوليّة سنيّة، وها نحن نذهب الآن إلى انفتاح واعتدال، علّهم يفعلون مثلنا أيضاً، وإلاّ تكون كارثة على الجميع". 

يبدو وكأن الإصلاحيين في إيران، يقفون متأملين هذين الحدثين اللذين فرضا عليهم في الأعوام الخمسة الأخيرة: من جهة انفتاح بلادهم على الغرب، ومن جهة أخرى ذهاب المجتمعات السنية إلى حالة من التشدد في مواجهة إيران، خصوصاً بعد تحول أحداث الربيع العربي من حالة ثورات شعبية تحررية، إلى موجات من الأصولية السنية في ليبيا والعراق وسوريا وحتى مصر. وهم لذلك عالقون بين أكثر من تجاذب حيال الأمرين. فمن ناحية أولى يأملون من التفاهم النووي أن يؤدي إلى تطوير النظام الإيراني في الاتجاه الذي يودون. أي مزيد من الانفتاح والاعتدال. لكنهم في المقابل، يخشون أن يكتفي الغرب بالاتفاق النووي مع إيران وتأمين مصالحه السياسية والاقتصادية، ، وأن يغض النظر عن قمع التيار الإصلاحي. ومن ناحية ثانية يخشون من الأصولية السنية المحيطة بهم أن تشكل ذريعة للمحافظين لضربهم، أو عامل تعبئة للشعب الإيراني لصالح المتشددين. لكنهم يحافظون على شيء من أمل بأن تعود أحداث الربيع العربي إلى هدفها الأول، فتنجح بعد حين في قيام حكومات أكثر مدنية في البلدان السنية، بما ينعكس عليهم إيجاباً. غير أنهم يجمعون للخروج من هذا النقاش، على أن النظام الإيراني لا يمكن أن يستمر في صيغته الراهنة. وأن الأمور لا بد أن تذهب نحو التغيير.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in