استغرب محمّد علي أحمد، وهو بائع صحف في بغداد، اعتقاد البعض بأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة ستقضي على داعش، فبحسب اعتقاده أنّ أميركا هي الّتي صنعت تنظيم داعش ولن تسمح بالقضاء عليه. وجاء ذلك خلال حوار هاتفيّ مع "المونيتور" من بغداد في 18 فبراير الجاري. وفي الحقيقة، إنّ هذا الاعتقاد، سائد إلى حدّ بعيد لدى شرائح واسعة من العراقيّين، والعرب أيضاً، ويعزّزه الكثير من الأخبار الّتي تشيع في وسائل الإعلام العراقيّة والعربيّة، وتنسب تأسيس داعش لوكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة. ولا يقتصر هذا الاعتقاد على عامّة الناس، بل يتعدّاه إلى سياسيّين وإعلاميّين، وكمثال فإنّ أحد المواقع المقرّبة من رئيس الوزراء العراقيّ السّابق نوري المالكي، نشر مقالاً مطوّلاً يتمحور حول "نظريّة مؤامرة" تقودها أميركا الّتي خلقت داعش بهدف ضرب أيّ حكومة لا تساير سياسات أميركا وإسرائيل في العالم. وفي الوقت ذاته، فإنّ قناة الفرات الفضائيّة العراقيّة التّابعة للمجلس الإسلاميّ الأعلى المعارض لسياسة نوري المالكي، لها اعتقاد مشابه، إذ تواصل منذ تموّز عام 2014 ترويج الأخبار، الّتي تدّعي قيام أميركا بصناعة داعش بهدف إضعاف بعض الدول والسيطرة عليها.
ورأى البعض أنّ التّناقض في الموقف الأميركيّ إزاء داعش واضح. وكدليل على ذلك، اعتبر أنّ أميركا تحارب داعش من جانب، ومن جانب آخر تمدّه بالسلاح. ويستند هذا السيناريو على حادثة وقوع بعض الأسلحة الّتي ألقتها قوّات التّحالف، بأيدي عناصر داعش في حادثة اعترفت، بحدوثها خطأ، وزارة الدّفاع الأميركيّة في تشرين الأوّل عام 2014.
وفي 4 شباط الجاري، دعت كتلة ائتلاف دولة القانون، وهي كتلة رئيس الوزراء السّابق نوري المالكي، البرلمان العراقيّ إلى إجراء تحقيق عاجل في شأن تكرار تزويد الأميركيّين لداعش بالأسلحة.
وفي اتّصال هاتفيّ من الديوانيّة في 18 شباط الجاري، شرح البروفسور حمزة فاضل يوسف، وهو أستاذ النقد في جامعة القادسيّة، لـ"المونيتور" سيناريو مفكّر فيه بعناية عن آليّة العمليّة الّتي يخوضها التّحالف الدوليّ ضدّ داعش بقيادة أميركا، والمسمّاة "عش الدبابير. وبحسب هذا السيناريو، فإنّ الهدف من هذه العمليّة القضاء على أكبر عدد ممكن من المسلّحين من داعش والفصائل الشيعيّة المسلّحة الّذي يشيع في مدينة الديوانيّة، 180 كيلومتراً جنوبيّ بغداد قائلاً: يعتقد الناس أنّ أميركا تقوم بضرب داعش في منطقة معيّنة فتبيد عناصره، وتسمح لعناصر الحشد الشعبيّ الشيعيّة بدخول المنطقة. ثمّ تقوم بتشجيع داعش على احتلال المنطقة من جديد وإبادة المسلّحين الشيعة، فتعود وتضرب داعش من جديد. وهكذا، في سيناريو يؤدّي في النّهاية إلى قتل أكبر عدد ممكن من مسلّحي الطرفين.
وعزا البروفسور يوسف اعتقاد النّاس بهذا السيناريو، إلى روايات بعض منتسبي الحشد الشعبيّ، الّذين شاركوا في المعارك ضدّ داعش، إذ ذكروا أنّ أميركا تتخلّى عنهم لحظة تحريرهم بعض المناطق من داعش، حيث تسمح لهذا الأخير بالتجمّع من جديد كـ"تجمّع الدبابير" وإعادة احتلال المنطقة، لتقوم بقصفهم بالطائرات مرّة أخرى، ويؤكد ان مدينة النجف، 161 جنوب غرب بغداد، وهي المركز الذي يدفن فيه الشيعة موتاهم، تستقبل العشرات من قتلى الحشد الشعبي يوميا.
أمّا أسباب التّشكيك في جديّة أميركا في القضاء على داعش، فمتعددّة. وتقف في مقدّمها القضيّة التقليديّة المتعلّقة بالصراع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ. فالعراقيون، كبقيّة أقرانهم العرب، يؤمنون بأنّ أميركا وعلى مدى أكثر من ستّة عقود تستمر في الانحياز لاسرائيل ضدّ المصالح العربيّة، ويؤدّي هذا إلى زعزعة ثقة العراقيّين والعرب بإمكان أن تقف أميركا بجانبهم يوماً ما.
وينفرد العراقيّون بسببين آخرين للشكّ في جديّة أميركا في حسم الصراع مع الإرهاب، فالأوّل يعود إلى عام 1991، إذ يعتقد العراقيّون بأنّ أميركا شجّعتهم على الثورة ضدّ نظام صدّام حسين على لسان الرّئيس الأميركيّ الأسبق جورج بوش الأب، وحين قاموا بالثورة المعروفة بالانتفاضة الشعبيّة تخلّت عنهم وسمحت لقوّات صدّام حسين بإخماد الثورة وإبادة الثوّار ودفنهم في عشرات المقابر الجماعيّة.
وأكّد البروفسور يوسف في حديثه لـ"المونيتور" أنّ الكثير من أبناء مدينته لا يغفرون لأميركا هذا الأمر، ولا يثقون بأنّها صادقة في إنقاذهم، لا من الديكتاتوريّات، ولا من الإرهاب.
أمّا السبب الثالث (والثاني للعلراقيين) الّذي يعزّز هذا الاعتقاد لدى شرائح من العراقيّين، فيتعلّق بالحال الّتي وصل إليها العراق، إثر إقدام أميركا على احتلاله في عام 2003. إذ أنّ هؤلاء يؤمنون بأنّ الإرهاب والفوضى اللّذين استمرا بضرب البلاد طيلة عشر سنوات، ليس من قبيل الصدفة، بل هو أمر محسوب ومخطّط له بعناية من قبل أميركا، ومن السهولة قراءة تحليل كهذا في وسائل الإعلام العراقيّة. وتواصل صحيفة البينة الجديدة باستمرار نشر الاخبار التي تدعي قيام الطائرات الامريكية بإلقاء الاسلحة والذخائر لتنظيم داعش. أما صحيفة المثقف فتناقش هذا الموضوع في دراسة مطولة منشورة على صفحتها الاولىوتستعرض وتحلل آراء المعتقدين بأن امريكا تلقي اسلحة لداعش، وآراء المكذبين كوزارة الدفاع الامريكية ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وتخلص الدراسة بالنتيجة الى ان امريكا تدعم داعش بالاسلحة.
وهذه الأسباب الثلاثة الآنفة، تجعل العراقيّين يشكّون في صدقيّة الوعود الّتي تطلقها أميركا، سواء أكان في محاربة الإرهاب أم في إعمار البلاد، ويزداد هذا الشكّ أكثر كلّما طال أمد الحرب على الإرهاب واستمرّت الفوضى في ضرب البلاد.