يتطلّع الكثير من الشبّان التونسيّين المحرومين من حقوقهم إلى الذهاب إلى أوروبا القريبة منهم جغرافيّاً. فبلدهم الصغير يقع في أقصى شمال القارة الإفريقيّة، وفي الأيّام التي تكون فيها السماء صافية جداً، تمكن رؤية حدود إيطاليا في الأفق الأزرق. وتلخّص كلمات أغنية شعبيّة في شمال إفريقيا بعنوان "آه يا بابور" لفرقة ليبرتا (Groupe Liberta) هذا التوق. وتقول الأغنية: أجلس على شاطئ البحر، غارقاً في أفكاري. أنظر إلى القوارب. وتتوارد إلى ذهني صورة باريس.
يشكّل القرب الجغرافيّ والتاريخ جزءاً لا يتجزّأ من قصّة الهجرة الطويلة من تونس إلى أوروبا. فبعد أن نالت تونس استقلالها عن فرنسا سنة 1956، وقّعت اتّفاقات عمل ثنائيّة مع فرنسا (1963) وألمانيا (1965) سهّلت الهجرة من أجل العمل. ونظراً إلى إرث فرنسا الاستعماريّ في البلاد، جعلت العلاقات اللغويّة والثقافيّة (مع أنّها كانت إلزاميّة في المدرسة) من فرنسا وجهة شائعة بشكل خاصّ. وظلّت حركة الهجرة إلى أوروبا مفتوحة نسبيّاً حتّى تسعينيّات القرن الماضي عندما عزّزت البلدان الأوروبيّة الرقابة الحدوديّة والقوانين الخاصّة بتأشيرات الدخول – وفي هذه المرحلة، بدأ نظام موازٍ يتبلور متمثّلاً بالدخول غير الشرعيّ، وتجاوز مدّة تأشيرات الدخول والاستيطان الدائم.