بدأ المسيحون يعودون الى بيوتهم ومزارعهم في سهل نينوى في شمال العراق، بعد طرد تنظيم داعش، مناشدين الحكومة العراقية والمنظمات المسيحية والثقافية العالمية، بدعم إعمار دير مارمتي ودير ماربهنام التأريخيان.
ماي 21, 2017
بغداد، العراق- تستعيد الحياة في سهل نينوى، في شمال العراق، المعروفة بتنوعها القومي والديني، حيث يعيش فيها أكثر من مئة ألف مسيحي، طبيعتها بعد طرد تنظيم داعش من مناطقها التي احتلها التنظيم المتطرف، في حزيران 2016، واضطر حينها المسيحيون الى هجرة مزارعهم وبلداتهم الى إقليم كردستان المجاور، أو مناطق البلاد الأخرى، أو الى خارج العراق.
وفي حين ان الخشية لازالت تسود من عودة الإرهاب ثانية الى تلك المناطق، وفق رؤساء الكنائس المسيحية، الذين اكدوا لوسائل الاعلام في 12 أيار/ماي 2017، "وجود مخاوف من العودة ثانية"، مطالبين بان "تكون مناطق سهل نينوى تحت حماية أممية وتتمتع بحكم ذاتي"، لكن هذه الخشية لم تمنع من عودة الكثير من المسيحيين الى مزارعهم ومدنهم، وممارسة الشعائر الدينية في أديرتهم وكنائسهم، ومن ذلك الاحتفال في 15 نيسان/ابريل 2017، في دير القديس مار متى للسريان الآرثذوكس في نينوى، حيث أٌقيِم القدّاس، وأُدّيت الصلوات، لأجل عودة المهجّرين الى بيوتهم، ونشر السلام.
وأمام هذه العودة من جديد، في الأديرة والكنائس، التي حوّلها داعش الى خرائب، يطالب المسيحون في سهل نينوى، بإعادة إعمارها، لاسيما دير ماربهنام الذي احتله داعش في العام 2014 ويعود تاريخ بنائها إلى القرن الـ14 وفجّر فيه كنيسة الشهيدين ماربهنام واخته مارت سارة، وإعادة اعمار دير القديس مارمتي الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 1600 سنة.
وكان "داعش قد حاصر دير القديس مارمتي، منذ العام 2014، ومنع الناس من الوصول اليه"، وفق النائب المسيحي في البرلمان العراقي، يونادم كنا الذي تحدث للمونتيور عن إن "الخطوة الأولى التي عايشتها، بعد تحرير مناطق سهل نينوى، هو إعادة تأهيل الطريق الى دير مارمتي عبر سفوح جبل مقلوب الذي بُني فوقه الدير، ويمتد لنحو الكيلومتر،على ارتفاع 2400 متر عن سطح البحر".
ويقول كنا "شرعت القوات الأمنية والمتطوعون، في إزالة العبارات التي نقشها افراد داعش على جدران دير ماربهنام والكنائس الأخرى، التي تحرض على قتل المسيحيين وتهجيرهم، وإعادة تأهيل عاجل لغرف الرهبان التي حولها داعش الى مراكز لاحتجاز المدنيين، كما تمت إعادة رفع الصلبان".
تسجّل في نشرتنا الإخباريّة
واكد كنا على ان "حجم الأضرار التي خلّفها داعش بلغت نحو 40%، في دير ماربهنام، ما يستدعي دعما حكوميا وتمويلا جيدا لجعل هذه الإمكان صالحة كأماكن عبادة، ومراكز سياحة دينية". ووفق ذلك، يطالب كنا "الحكومة بإعداد برنامج استراتيجي لإعادة ترميم دير ماربهنام ودير مارمتي بالدرجة الأولى، بالتزامن مع توافد الزائرين إليهما من جديد".
غير أنّ مدير آثار نينوى فالح الشمري، في اتصال المونيتور معه، يؤكد على ان "التفكير في مشروع إعمار استراتيجي سابق لأوانه بسبب الحرب والأزمة المالية"، مؤكدا على إن "فرق تطوع محلية باشرت في رفع الأنقاض من الاديرة والكنائس، كما باشرت في طلاء واجهات دير ماربهنام، وان مديرية الآثار تعكف على إعداد برنامج خاص لتطوير دير مارمتي الذي يمثل موقعا تاريخيا يهمّ الإنسانية حيث إقبال الزائرين عليه من جميع أنحاء العالم".
وكشف الشمري عن إن "منظمات كنسية من اوربا زارت دير مارمتي، الشهر الجاري، وأبدت استعدادها للمشاركة في إعادة تأهيل المعالم المسيحية في سهل نينوى، كما تم الاتفاق خلال اجتماع يونسكو الشهر الماضي، في فرنسا بحضور وزير الثقافة العراقي، على إعادة ترميم دير ماربهنام ومارمتي". واعتبر الشمري إن "الهدف الرئيس هو عودة السياحة الى هذه الأماكن من جميع أنحاء العالم كما كانت قبل اجتياح داعش لسهل نينوى".
في سياق متصل، يرى رئيس حزب "بيت النهرين" المسيحي، يوسف يعقوب، في حديث للمونيتور ان "دير ماربهنام في قرقوش الذي تحوّل الى معسكر لتدريب أفراد داعش، وكنائس الموصل، التي تحوّلت الى مقرات للتنظيم، ومحاصرة دير مارمتي عبر تهديد الطريق التاريخي المؤدي اليه في جبل مقلوب، حريّ بالحكومة إعادة بناءها بسرعة لانها أصبحت رمزا وطنيا وليس دينيا فقط، وان الانتصار على داعش لن يكتمل الا بإعادة بناء هذه الرموز". بل إن يعقوب يرى بان "على المؤسسات المسيحية العالمية في اوربا، تمويل اعمار هذه الكنائس للحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق الأوسط".
ما يتعلق بدور مؤسسة الوقف المسيحي، يكشف عنه مدير اعلام الوقف هاني قسطو للمونيتور عن ان "الوقف شكّل لجانا تدرس أعداد مشروع اعمار دير مارمتي، وماربهنام". ويرى قسطو انه "قبل البدء في عملية الإعمار، فان واجب الحكومة في الوقت الحاضر، إعادة الثقة في نفوس المسيحيين بوطنهم ودولتهم، بالتركيز على تعزيز الأمن في مناطق سهل نينوى، وطمأنة السكان بان الدولة قوية، ولم يعد ممكنا عودة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة الى المنطقة".
وفي هذا الصدد، اكد قسطو على ان "الجهات الأمنية عززت نقاط الحراسة الأمنية في مدخل دير مارمتي، كما عزّزت الإجراءات الأمنية حول دير ماربهنام، والكنائس الأخرى". وفي حين يشير قسطو الى ان "هناك وعود بدعم دولي لإعادة بناء الكنائس في نينوى"، فانه يرى ان "ذلك لا يرقى الى الطموح ولازال في مستوى المساعدات الرمزية أكثر منها مشاريع إعمار حقيقية".
ولا شك في ان وضع المسحيين في سهل نينوى سيظل مقلقا حتى لو تعززت الإجراءات الأمنية، طالما ظلت الأفكار المتطرفة التي زرعها داعش، مترسّخة في سلوكيات وعقائد الكثير من الناس في مناطق سهل نينوى. وقبل إعادة بناء الأديرة والكنائس ودور العبادة في مناطق سهل نينوى، فان المطلوب، هو إعادة تأهيل ثقافي وفكري لترسيخ ثقافة الاعتدال والعيش المشترك وتقبّل الآخر.
المزيد من وسيم باسم
المزيد من نبض العراق