أثارت عودة روسيا إلى الشرق الأوسط في موقع اللاعبة النافذة، نفور البعض في المنطقة، وجعلت آخرين يشكّكون في نواياها. غير أن جميع القوى الإقليمية ترى أنه من المناسب الإبقاء على توازن حذر في علاقاتها مع موسكو عبر تجزئة العلاقة وتقسيم المسائل الأكثر خلافية، مثل سوريا والبرنامج النووي الإيران، إلى مسارات منفصلة في السياسات. لقد أتقنت المملكة الأردنية الهاشمية هذا الأمر، وحصدت منافع جمة نتيجةً لذلك. فعلى الرغم من الخلافات المهمة حول سبل تسوية الأزمة السورية وتبادل الانتقادات من حينٍ لآخر، تنخرط روسيا والأردن في اتفاقات بمليارات الدولارات في قطاع الطاقة، وتبرمان اتفاقات أسلحة، من دون أن تخشى موسكو أن تنتهي صواريخ "آر بي جي" التي تبيعها إلى عمان في أيدي الثوّار في سوريا.
زار الملك عبدالله، منذ تتويجه في العام 1999، روسيا 16 مرة، أي إنها من العلاقات الأكثر استقراراً التي نجح الكرملين في إقامتها في الشرق الأوسط. اندرجت زيارته الأخيرة إلى روسيا في 25 كانون الثاني/يناير الماضي في إطار النزعة السائدة، لكنها كانت في الوقت نفسه مختلفة إلى حد كبير. فقد جاءت الزيارة بعد بضعة أيام فقط من انتهاء المحادثات بين النظام السوري ومجموعات المعارضة المسلّحة في الأستانة في كازاخستان. لقد أبدى عبدالله دعمه الكامل لمبادرة الأستانة، وأثنى على الدور الروسي في هذه العملية. فردّ الرئيس فلاديمير بوتين شاكراً نظيره الأردني على موقف بلاده البنّاء من محادثات السلام. أبعد من هذه اللياقات الديبلوماسية البحتة، الدعم الأردني لمبادرة ديبلوماسية أطلقتها روسيا أمرٌ يسعى إليه الكرملين بكل ما أوتي من قوة.